حرب روسيا الهجينة ضد الغرب

U.S. President Barack Obama, right, and Russia's President Vladimir Putin pose for members of the media before a bilateral meeting Monday, Sept. 28, 2015, at United Nations headquarters. (Sergey Guneyev/RIA-Novosti, Kremlin Pool Photo via AP)

توصل مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية في الولايات المتحدة إلى أن روسيا أدارت حملة اختراقات وتضليل للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح دونالد ترمب.

وقد لا نعرف أبدا إلى أي حد كانت العملية السيبرانية التي شنتها روسيا ناجحة، ولكننا نعلم أن الكرملين حصل على النتيجة التي تناسب هواه. وكانت مجلة تايم مخطئة عندما اعتبرت ترمب شخصية العام، فمن الواضح أن هذا كان عام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ربما كان الهجوم على الولايات المتحدة مقدمة لمزيد من التدخل في الانتخابات في أوروبا، حيث يتسابق المسؤولون الآن للتصدي للعمليات السيبرانية الروسية قبل سلسلة من الانتخابات المهمة في عام 2017، بما في ذلك في هولندا وألمانيا وفرنسا.

ساعدت روسيا المنظمات القومية اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية في مختلف أنحاء أوروبا، فعلى سبيل المثال قدمت قروضا للجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان في فرنسا، ومنحت ساسة حزب استقلال المملكة المتحدة الفرصة للظهور في أوقات الذروة على محطات شبكة "روسيا اليوم" التي تمولها الدولة الروسية

وتحمل الهجمات السيبرانية الأخيرة في أوروبا تشابها غريبا مع الاختراقات المزعومة برعاية روسيا على اللجنة الوطنية الديمقراطية في الولايات المتحدة.

في أوائل عام 2015، اخترقت مجموعة على علاقة بالحكومة الروسية البرلمان الألماني فسرقت ملفات سرية وأعطتها لموقع ويكيليكس الذي نشرها. واتهم المكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية بألمانيا) روسيا بتدبير هجمات مماثلة على أنظمة الكمبيوتر التابعة للحكومة الألمانية.

ومن ناحية أخرى، تعرضت المفوضية الأوروبية أيضا لهجمة سيبرانية واسعة النطاق في نوفمبر/تشرين الثاني، ورغم أن الجاني لا يزال مجهولا فإن قِلة من الأشخاص أو المنظمات قادرة على تنفيذ مثل هذه العملية.

والهجمات السيبرانية ليست سوى عنصر واحد في حرب هجينة أوسع نطاقا تشنها روسيا ضد الغرب.

فقد ساعدت روسيا المنظمات القومية اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية في مختلف أنحاء أوروبا، فعلى سبيل المثال قدمت قروضا للجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان في فرنسا، ومنحت ساسة حزب استقلال المملكة المتحدة الفرصة للظهور في أوقات الذروة على محطات شبكة "روسيا اليوم" التي تمولها الدولة الروسية.

وقد تعهد الرئيس باراك أوباما أخيرا بالرد على هجوم بوتين على الديمقراطية الأميركية، ولكن كان من الواجب عليه أن يفعل المزيد وأن يتحرك قبل ذلك بكثير.

ومن الحماقة أن يتوقع الأوروبيون المساعدة من إدارة ترمب المقبلة؛ فقد عَرَض ستيفن بانون -وهو كبيرُ الإستراتيجيين في فريق ترمب والرئيسُ التنفيذي الأسبق لموقع "بديل اليمن" الأميركي المتخصص في التضليل Breitbart News- علنا مساعدة لوبان في الفوز بانتخابات الرئاسة الفرنسية في الربيع المقبل.

وتعترف مصادر روسية رسمية بأنها أنفقت 1.2 مليار يورو (1.25 مليار دولار أميركي) على حملات إعلامية أجنبية هذا العام فقط. ففي الاتحاد الأوروبي، ظَهَرَت آلاف المواقع المتخصصة في الأخبار الوهمية والزائفة، والعديد منها بلا ملكية واضحة: تضاعف عدد مواقع التضليل في المجر خلال عام 2014؛ وفي جمهورية التشيك وسلوفاكيا هناك نحو 42 من المواقع الجديدة تعمل الآن على تلويث البيئة المعلوماتية في الاتحاد الأوروبي.

وبشكل أقل خفية، أنفق الكرملين مئات الملايين من الدولارات لتمويل منافذ الدعاية ــمثل وكالة "سبوتنيك" للأخبارــ رغم انهيار الاقتصاد الروسي.

والواقع أن حملات التضليل الروسية معقدة ومتعددة الأوجه، ولكن المهمة التي تشترك فيها تتمثل في تقويض الثقة بالسلطات الديمقراطية الغربية. ويتخلص أحد الأساليب في التصيد بالاستعانة بوسائل الإعلام الاجتماعية.

كما تعمل وسائل الإعلام الاجتماعية كناقل رئيسي للإستراتيجية الروسية التي تعتمد على الرجعية التاريخية (يمثل الزعم بأن روسيا وحدها هي التي فازت بالحرب العالمية الثانية العنصر الرئيسي في هذا النهج)؛ وعلى نظريات المؤامرة التي يُرَوَّج لها بين الحركات القومية الأوروبية والأميركية، وتلقي اللوم على الغرب مثلا في التحريض على الحرب بأوكرانيا؛ وتنتهج إنكار الحقائق مثل وجود قوات روسية في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا.

لكي يدافع الغرب عن نفسه ضد هذه الهجمة، ينبغي له أن يحرص على تشجيع حرية وسائل الإعلام، ومكافأة المساءلة، وتوفير السبل القانونية لإغلاق قنوات التضليل النظامية.

وما يبشر بالخير أن الاتحاد الأوروبي عَدَّل مؤخرا ميزانية 2017 لتعزيز فريق "ستارت كوم" التابع لهيئة العمل الخارجي الأوروبية، التي كانت تعاني بشدة من نقص التمويل، على الرغم من مهمتها الحرجة المتمثلة في الكشف عن التضليل وفضحه.

ولكن ينبغي للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي أيضا أن يستفيدا من درس الانتخابات الأميركية، من خلال تعزيز الدفاع السيبراني الأوروبي الجماعي، والضغط على الدول الأعضاء لحملها على توسيع قدراتها السيبرانية.

وعلى الجبهة السياسية، لابد أن يعلم بوتين أن التدخل الخارجي في الانتخابات الوطنية لن يمر بلا عواقب سلبية وخيمة على المصالح الاقتصادية الروسية.

الواقع أن الديمقراطيات الغربية دخلت فترة من التقلبات، ولم تعد روسيا تلعب وفقا لقواعد اللعبة التي كانت مطبقة حتى في أحلك أيام الحرب الباردة. ويشن بوتين بنشاط حربا هجينة ضد الغرب، وهي الحرب التي بدأنا استيعابها للتو.. ناهيك عن مواجهتها

وإلى جانب التحرك من قِبَل الحكومات، ينبغي للقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني أن تعمل على تصعيد الجهود الرامية إلى التحقق من دقة الأخبار على الإنترنت وتوازنها ومصداقيتها. وبوسع المنظمات التي تعمل معا أن تُحدِث الفارق المطلوب. فعلى سبيل المثال، أوقفت روسيا الطبعة السويدية من مجلة "سبوتنيك" لأن المنظمات الإعلامية السويدية لم تستخدم موادها.

وفي حين أفاد موقع فيسبوك بأنه يسعى إلى تحسين عملية تدقيق وفحص محتواه، فإن التدابير الطوعية قد لا تكون كافية؛ فقد اقترح بعض المشرعين الألمان أن الأمر ربما يتطلب استصدار تشريع لتنظيف منصات وسائل الإعلام الاجتماعية. ومع هذا، تُعَد الصحافة الحرة في أوروبا أقوى دفاعاتها، جنبا إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية التي تعمل على فضح الأكاذيب.

لا ينبغي للأوروبيين أن يتهاونوا أبدا في التصدي للحالة الراهنة التي آلت إليها صحافتهم الحرة. فقد أصبحت"Breitbart News"  بالفعل في بريطانيا، وهي تخطط للتوسع إلى مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي.

وفي غضون أيام من انتخاب ترمب، ذكرت نيويورك تايمز في تقرير أن "ماريون ماريشال لوبان (ابنة أخ مارين لوبان وقوة صاعدة في الجبهة الوطنية) نشرت تغريدة مفادها أنها توافق على دعوة ستيفن بانون… للعمل معا".

الواقع أن الديمقراطيات الغربية دخلت فترة من التقلبات، ولم تعد روسيا تلعب وفقا لقواعد اللعبة التي كانت مطبقة حتى في أحلك أيام الحرب الباردة. ويشن بوتين بنشاط حربا هجينة ضد الغرب، وهي الحرب التي بدأنا استيعابها للتو.. ناهيك عن مواجهتها.

والآن حان وقت الدفاع عن قيمنا. ولابد أن عامنا هذا جعلنا على دراية تامة بحجم التحدي الذي يفرضه بوتين على الديمقراطية الغربية. وفي عام 2017، يتعين علينا أن نواجه ونهزم تكتيكاته بشكل مباشر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.