المواجهة المقبلة مع كوريا الشمالية

A rally celebrating the success of a recent nuclear test is held in Kim Il Sung square in this undated photo released by North Korea's Korean Central News Agency (KCNA) in Pyongyang September 13, 2016. KCNA/via Reuters ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. EDITORIAL USE ONLY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THIS IMAGE. NO THIRD PARTY SALES. SOUTH KOREA OUT.


تخيل معي أنه في عام 2020 سوف يطلب مدير وكالة الاستخبارات المركزية عقد اجتماع عاجل مع رئيس الولايات المتحدة. السبب هو صنع كوريا الشمالية لقنبلة نووية صغيرة يمكن أن تدخل رأس صاروخ باليستي عابر للقارات يستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة.

وتسرب الخبر بعد ذلك إلى الرأي العام، وتم عقد اجتماعات رفيعة المستوى لصياغة رد ليس فقط في واشنطن، ولكن في سول وطوكيو وبكين وموسكو أيضا.

قد يبدو هذا السيناريو غير واقعي اليوم، لكنه ذو صلة بالعلوم السياسية أكثر منه بالخيال العلمي. لقد أجرت كوريا الشمالية مؤخرا تجربتها الخامسة -والناجحة على ما يبدو- لجهاز تفجير نووي، وذلك بعد أيام من اختبار عدة صواريخ باليستية. وفي ظل غياب أي تدخل رئيسي، فإنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن تزيد كوريا الشمالية من ترسانتها النووية (تقدر الآن ب 12/8 من الأجهزة) ومن كيفية تصغير وتطوير أسلحتها لتزويد الصواريخ بزيادة مداها ودقتها.

من الصعب أن نبالغ في تقدير المخاطر الآتية من كوريا الشمالية، البلد الأكثر عسكرة وانغلاقا في العالم. وقد يُستنتج من قدرة كوريا الشمالية على تهديد الأمن القومي الأميركي أنها لا تخشى الجيش الأميركي، وهو الحكم الذي يمكن أن يؤدي إلى شن هجوم تقليدي على كوريا الجنوبية. وحتى إذا انتهت هذه الحرب بهزيمة كوريا الشمالية، فإنها ستكون مكلفة للغاية.

وليس من الضروري أن تشن كوريا الشمالية حربا نووية وصاروخية حتى يكون لها تأثير حقيقي. وإذا خلُصت كوريا الجنوبية أو اليابان أن كوريا الشمالية يمكنها ردع التدخل الأميركي في الحرب على شبه الجزيرة، فإنها ستفقد الثقة في الضمانات الأمنية الأميركية، مما سيزيد من احتمال تطويرها أسلحة نووية خاصة بها. وتُعتبر مثل هذه القرارات بمثابة إنذار للصين وتمهيد لأزمة إقليمية أو صراع في هذا الجزء من العالم الذي يتميز بكثافة سكانية وثروة ضخمة وقوة عسكرية هائلة.

وهناك خطر آخر أيضا. قد تميل كوريا الشمالية التي تعاني من ضائقة مالية إلى بيع أسلحة نووية لمن يدفع أكثر، سواء كان جماعة إرهابية أو بلاد قررت أنها -أيضا- في حاجة إلى السلاح في نهاية المطاف. بحكم التجربة، فإن الانتشار النووي يزيد من فرص انتشار الأسلحة النووية، ومعها الاستخدام الفعلي لهذه الأسلحة.

وهناك خيارات لدى الولايات المتحدة، ولكن ليست جذابة بالفعل. أما بالنسبة للمفاوضات، فهناك شكوك أن كوريا الشمالية لن تتخلى عما تعتبره أفضل ضمان لقدرتها على البقاء. في الواقع، فهي كثيرا ما تَستخدم المفاوضات لكسب الوقت لتحقيق مزيد من التقدم في قدراتها النووية والصاروخية.

وثمة خيار آخر يتمثل في الاستمرار في سياسة العقوبات الحالية. في حين أن العقوبات لن تكون فعالة بما فيه الكفاية لإجبار كوريا الشمالية على التخلي عن برامجها النووية والصاروخية. ويرجع هذا جزئيا لكون الصين -التي تخاف من تدفقات كبيرة للاجئين في حالة انهيار كوريا الشمالية، ومن كوريا موحدة تحت النفوذ الإستراتيجي الأميركي- مستمرة في علاقتها مع كوريا الشمالية لضمان حصولها على الوقود والمواد الغذائية التي تحتاجها.

ونتيجة لذلك، فإنه من المنطقي أن يتم التركيز على الدبلوماسية مع الصين. بعد التشاور عن كثب مع كوريا الجنوبية واليابان، ينبغي على الولايات المتحدة أن تجتمع مع المسؤولين الصينيين لمناقشة إشكالية كوريا الموحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الصينية. على سبيل المثال، يمكن لكوريا الموحدة أن تكون غير نووية، وأن تبقى أية قوات عسكرية أميركية في شبه الجزيرة أبعد إلى الجنوب مما هي عليه الآن.

وبالطبع فإنه من الممكن أو حتى من المحتمل أن هذه الضمانات لن تؤدي إلى أي انتقاص في دعم الصين لكوريا الشمالية. في هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة لديها ثلاثة خيارات أخرى. ويمكن للمرء أن يقبل امتلاك كوريا الشمالية للصواريخ التي يمكن أن تجلب القنابل النووية إلى الأراضي الأميركية.

وستصبح السياسة الأميركية دفاعية (مع نشر أنظمة إضافية مضادة للصواريخ) تعتمد على الردع، مع جعل كوريا الشمالية تعي أن أي استخدام أو انتشار للأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى نهاية النظام وربما الانتقام النووي. ويمكن أيضا استخدام الأسلحة السيبرانية لعرقلة وإعاقة تقدم البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

أما الخيار الثاني فهو اللجوء إلى الهجوم العسكري التقليدي لاستهداف القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. ويكمن الخطر في كون مثل هذا الهجوم قد لا يحقق جميع أهدافه ويؤدي إما إلى هجوم عسكري تقليدي في كوريا الجنوبية (حيث يتمركز ما يقرب من 30 ألف جندي أميركي) أو حتى إلى هجوم نووي من كوريا الشمالية. وغني عن القول إن على اليابان وكوريا الجنوبية أن تكونا على استعداد تام لدعم أي رد عسكري للولايات المتحدة قبل القيام به.

ويتمثل الخيار الثالث في إطلاق مثل هذا الهجوم العسكري التقليدي فقط إذا أظهرت الاستخبارات أن كوريا الشمالية تضع الصواريخ في حالة تأهب وتستعد لاستخدامها الوشيك. ومن شأن هذا الهجوم أن يكون ضربة وقائية كلاسيكية. يكمن الخطر هنا في أن المخابرات قد لا تكون واضحة بما فيه الكفاية، أو قد تأتي في وقت متأخر.

ويعيدنا كل هذا إلى ذلك اليوم من عام 2020. ورغم أننا نعرف الكثير، فيبدو أن الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني سيواجه اتخاذ قرار مصيري بشأن كوريا الشمالية في وقت ما خلال ولايته الرئاسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.