الأردن.. قانون انتخابي جديد وتوقعات التغيير محدودة

شعار الانتخابات

الظروف المحلية والإقليمية
تعزيز صلاحيات الملك
المعارضة والانتخابات
الحكومات البرلمانية

أخيرا حسم النظام في الأردن أمره وقرر إنهاء مرحلة قانون الصوت الواحد الذي هيمن على الحياة السياسية منذ عام 1993، وهو القانون الذي جرى بموجبه انتخاب ستة مجالس نيابية.

في23 فبراير/شباط الماضي أقر مجلس النواب قانون الانتخاب الجديد الذي يأخذ بنظام القائمة النسبية المفتوحة، وهو نظام يسمح ببروز الأحزاب والتكتلات على أسس برامجية، الأمر الذي لم يكن يتيحه نظام الصوت الواحد.

ويتيح القانون للأحزاب تشكيل قوائم انتخابية بذات الشعار والاسم في جميع الدوائر.
وتعرض القانون -رغم أنه يعتبر خطوة متقدمة بالنسبة لقانون الصوت الواحد- إلى العديد من الانتقادات، ليس من المعارضة فحسب بل من تيار المحافظين الموالين للنظام كذلك، ويطلق عليهم في الأردن تيار الشد العكسي.

أما أبرز انتقادات المعارضة فكانت عدم تحديد نسبة العتبة، وهي النسبة التي تلغي الأصوات التي حصلت عليها القائمة إن لم تتجاوزها، ما يعني أن جميع القوائم ستتنافس على المقاعد مما يجعل من المستحيل فوز قائمة كاملة.

ويعارض المحافظون القانون لأنه من وجهة نظرهم قانون غامض ومعقد، وأن الناخب لن يستوعبه.
لكن الحكومة ترى أن القانون الجديد تقدمي ويوسع الفرص أمام الأحزاب في الوصول إلى المجلس الثامن عشر والمساهمة في حكومة برلمانية.

وبعيدا عن سجال المعارضة والمحافظين والحكومة، لا بد أن نعترف بأنه غالبا ما تكون المصالح السياسية في صلب الاعتبارات إن لم تكن الاعتبار الوحيد التي يؤخذ به في عملية انتقاء النظام الانتخابي.

نظام القائمة النسبية نظام مصمم للمجتمعات التي تترسخ فيها الحزبية، وهي تقوم على فكرة اختيار حزب وفق برنامج انتخابي واضح، لكن نظام القائمة في الأردن الذي يعاني ضعفا واضحا في الحياة الحزبية أربك المرشحين، لذلك فإن حوالي 6% فقط من القوائم المتنافسة وعددها 227 قائمة تشكلت على أسس حزبية، وفق دارسة لمجموعة مراقبة الانتخابات (راصد).

الظروف المحلية والإقليمية
في ديسمبر/كانون الثاني 2013 وفي ذروة الربيع العربي كتب مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن ديفيد شونيكر تحليلا مطولا بعنوان "هل سيكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط؟"، بث فيه مخاوفه من قرب سقوط النظام في الأردن.

في عام 2016 لم تخب توقعات شونيكر فقط، بل أصبح الأردن واحة الأمن والاستقرار في منطقة الهلال الخصيب، وأصبح ملاذا لمئات آلاف اللاجئين من سوريا.

المفارقة أن مطالبات السوريين بالحرية والكرامة التي تحولت إلى نزاع رهيب، تحولت في الأردن إلى مطالب بالحفاظ على الوضع الراهن بحسناته ومساوئه، وتراجعت حدة الحراك المطالب بالإصلاح إلى الحدود الدنيا.

كما أن الانقلاب العسكري في مصر انعكس على الأردن محاصرة للإسلاميين وعقابا لهم على دورهم في الربيع العربي.

وبالمحصلة لم تؤثر الظروف الخارجية في خيار إجراء الانتخابات، وربما كان العكس، فتأثير الظروف الخارجية في الوضع الشعبي، من حيث تراجع مطالب الإصلاح وكسر العمود الفقري للمعارضة أسهم في إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، كما أسهم في مغادرة مربع نظام الصوت الواحد والانتقال إلى قانون أكثر تقدمية.

تعزيز صلاحيات الملك
الظروف الخارجية التي انعكست على الوضع الداخلي جعلت من السهولة أن تتقدم الحكومة بتعديلات دستورية تعزز من صلاحيات الملك، وتضعف من صلاحية الحكومة ومجلس النواب.

ففي 18 أبريل/نيسان 2016 أقرت الحكومة تعديلات دستورية تتعلق بصلاحيات الملك، وفي 27 من الشهر نفسه أقر مجلس النواب التعديلات، بأغلبية 120 نائبا، ومعارضة خمسة نواب، وغياب 25، وبعد أسبوع صادق الملك على التعديلات.

ووفق التعديلات فإن الملك يمارس صلاحياته منفردا بتعيين: ولي العهد و نائب الملك، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، وقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك.

وقد كانت الحكومة في السابق هي من تختص بتلك التعيينات باستثناء ولي العهد.
تلك التعديلات عززت صلاحيات الملك وزادت قبضته على مقاليد الحكم، وأضعفت صلاحيات أي حكومة قادمة سواء جاءت عبر الطريقة التقليدية أم عبر طريقة الحكومات البرلمانية.

المعارضة والانتخابات
من المتغيرات الهامة التي ستشهدها انتخابات 2016 إضافة إلى طي مرحلة قانون الصوت الواحد، هو إنهاء المعارضة الإسلامية مقاطعتها للانتخابات البرلمانية.

فقد دأبت المعارضة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، على مقاطعة الانتخابات مطالبة بتغيير قانون الانتخاب وببعض المطالب الإصلاحية.
إلا أن الظروف التي تشارك بها المعارضة الإسلامية هذه الأيام مختلفة تماما عن الظروف السابقة.

استغل النظام الأردني الظروف الخارجية المتمثلة في الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم الإخوان في مصر، والحرب التي شنتها عليهم بعض دول الإقليم، كما استغل الخلافات الداخلية التي عصفت بالجماعة وانشقاق عدد من القيادات، في محاصرة وسحب الشرعية من جماعة الإخوان المسلمين.

ورخصت الحكومة لجمعية بذات اسم جماعة الإخوان المسلمين، تزعمها مراقب عام سابق مفصول من الجماعة، وعملت من خلال دائرة الأراضي، ودون صدور أحكام قضائية على إحالة بعض أملاك الجماعة إلى الجمعية الجديدة، كما أغلقت الحكومة المقر الرئيسي لها.

ورغم كل هذه الظروف الصعبة استطاع حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الإخوان تشكيل أكبر تحالف انتخابي ليخوض به الانتخابات، وتشكل التحالف من شخصيات أعضاء في جماعة الإخوان وشخصيات وطنية مستقلة وشخصيات مسيحية.

تشير معظم التوقعات إلى أن المعارضة لن تستطيع الفوز بمقاعد في البرلمان تمكنها من التأثير في مجريات العملية النيابية.

وبالنظر إلى مشاركة المعارضة في الانتخابات فإنه يتبين أن المعارضة الإسلامية تشارك بـ117 مرشحا في 19 قائمة، من أصل 1243 مرشحا يخوضون الانتخابات، بينما فضلت الأحزاب اليسارية المشاركة عبر رموزها بـ12 مرشحا في 8 قوائم فقط، إضافة إلى بعض الشخصيات المعارضة في عدد من القوائم لا تزيد على أصابع اليد الواحدة.

هذا يعني أن قوائم المعارضة لا تزيد على 30 قائمة من أصل 227 قائمة ترشحت في جميع أنحاء المملكة.

وإذا أخذنا بالاعتبار أن القانون الانتخابي الجديد وطريقة الاحتساب التي اعتمدتها الهيئة المستقلة للانتخاب وحسب مجمل الدراسات لا تتيح فوز أكثر من مترشح واحد على الأغلب في القائمة، وإذا افترضنا فوز نصف أو ثلثي قوائم المعارضة فإنها لن تحظى بأكثر من 25 مقعدا في البرلمان من أصل 130.

الحكومات البرلمانية
تقوم فكرة الحكومات البرلمانية التي طرحها الملك عبد الله الثاني في أوراقه النقاشية على أن يقوم الملك بتكليف أكبر كتلة في البرلمان – حزبا أو تكتلا- بتشكيل الحكومة.

وهذا الأمر -كما تقول الأوراق النقاشية- يحتاج إلى تعزيز الحياة السياسية وتعزيز قدرات الأحزاب ذات البرامج وتطويرها لتمكينها من الوصول إلى البرلمان.

والواقع يقول إن 94% من القوائم تشكلت على أسس غير حزبية، بينما ما زالت العشائرية هي المهيمنة على المشهد السياسي.

هذا يعني أنه يصعب أن نرى وجودا حزبيا مؤثرا في المجلس القادم، ما يعني أنه لن يختلف عن المجالس السابقة من حيث "المطواعية" للسلطة التنفيذية، وعدم وجود كتلة معارضة صلبة، ومحدودية التأثير على القرار الاقتصادي والسياسي للدولة.

ترى نخب ليبرالية وإعلامية أن المشكلة ليست في القانون بقدر ما هي في البيئة السياسية، وتعترف تلك النخب بأن البيئة السياسية الحالية هي نتاج 23 عاما من قانون الصوت الواحد الذي أوصل البلاد والعباد إلى ما هي عليه الآن من فقر سياسي مدقع، وعدم قدرة البرامج السياسية على منافسة العشائرية.

ولكن يبقى السؤال هو: هل هناك إرادة حقيقية لتطوير البيئة السياسية لإنتاج حياة سياسية تنتج برلمانا قادرا على تفعيل دوره الذي أناطه به الدستور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.