اللاجئون والفقر في المناطق الريفية

Syrian refugees, who are stuck between the Jordanian and Syrian borders, watch a group of them cross into Jordanian territory, near the town of Ruwaished, at the Hadalat area, east of the capital Amman, May 4, 2016. REUTERS/Muhammad Hamed

يركز خبراء التنمية وصناع السياسات على الهجرة إلى المناطق الحضرية والحاجة إلى التوسع الحضري المستدام. وهو أمر مفهوم، ولكن ينبغي أن لا يغفلوا عن التغيرات الجذرية الجارية في المناطق الريفية، والتي هي موضع تجاهل غالبا.

ففي حين يعمل الطلب المتزايد على الغذاء ــ مدفوعا بزيادة أعداد السكان والدخول ــ على خلق الفرص لسكان الريف، يستمر تركز الجوع والفقر في المناطق الريفية من البلدان النامية. وما لم تحصل قضية التنمية الريفية على المزيد من الاهتمام، فسوف يستمر الشباب في هجر الزراعة والمناطق الريفية بحثا عن سبل عيش أفضل في المدن أو في الخارج.

في العام الماضي، تبنى زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة أجندة 2030 للتنمية المستدامة وأهداف التنمية المستدامة، التي تتضمن الالتزام "بعدم إهمال أي مجموعة". ومع وصول عدد النازحين قسرا إلى أعلى المستويات على الإطلاق هذا العام، فسوف تعقد الأمم المتحدة قمة خاصة في التاسع عشر من سبتمبر/أيلول لمناقشة المشكلة.

بيد أن أي جهد لمعالجة القضايا المحيطة بالارتفاع العالمي في أعداد المهاجرين واللاجئين لن ينجح إلا إذا استهدف على وجه التحديد محنة الفقراء في المناطق الريفية على مستوى العالم.

كان نحو 37% من سكان المناطق النامية في عام 1990 يعيشون على أقل من 1.9 دولار يوميا. وبحلول عام 2012، انخفضت النسبة إلى 12.7%، وهو ما يعادل أكثر من مليار شخص أفلتوا من براثن الفقر المدقع. ورغم ذلك، اتسعت فجوة التفاوت بين سكان المناطق الريفية والمناطق الحضرية

وفقا لتقارير البنك الدولي، كان نحو 37% من سكان المناطق النامية في عام 1990 يعيشون على أقل من 1.9 دولار يوميا. وبحلول عام 2012، انخفضت النسبة إلى 12.7%، وهو ما يعادل أكثر من مليار شخص أفلتوا من براثن الفقر المدقع. ولكن برغم هذا، اتسعت فجوة التفاوت بين سكان المناطق الريفية والمناطق الحضرية. فاليوم يعيش ثلاثة أرباع أفقر سكان العالم وأكثرهم جوعا في مناطق ريفية.

تدعم المزارع الصغيرة 2.5 مليار شخص في مختلف أنحاء العالم، وتمثل قرابة 80% من الغذاء المنتج في آسيا ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. ولكن أغلب المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة ما زالوا يعملون في غياب الكثير من الشروط الأساسية اللازمة لتطوير أعمالهم والاستثمار في مجتمعاتهم، مثل التمويل، والبنية الأساسية، والقدرة على الوصول إلى الأسواق، وتأمين ملكية الأراضي، والحق في الموارد.

وهذا يعني أن الجهود الرامية إلى تحويل المناطق الريفية لابد أن تستهدف هذه العوامل المؤسسية (جنبا إلى جنب مع تحسين المساواة بين الجنسين وحماية سيادة القانون)، مع تقديم تكنولوجيات جديدة للمجتمعات المحلية في الوقت نفسه. والأمر الأكثر أهمية هو أن سكان الريف أنفسهم لابد أن يشاركوا، ليس فقط باعتبارهم أصحاب مصلحة أو مستفيدين من المساعدات، بل بوصفهم شركاء.

تقدم دراستان حديثتان وجهات نظر مهمة في التصدي للتحدي المتمثل في الحد من الفقر والجوع والتفاوت بين الناس في مختلف أنحاء العالم. فيجمع تقرير التنمية الريفية الصادر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) الذي من المقرر أن يُنشَر في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول، عددا من الأبحاث الجديدة لصناع السياسات وغيرهم من القائمين على جهود استئصال الفقر. وقد عكفت مجموعة من كبار المفكرين على تحليل جهود التنمية الريفية في أكثر من ستين دولة نامية، واستخلاص النتائج حول الجهود الناجحة وغير الناجحة.

حان الوقت الآن للنظر إلى التنمية بشكل أكثر شمولية، والاعتراف بأن التنمية الريفية والتنمية الحضرية لا تستبعد أي منهما الأخرى، بل تحتاج كل منهما إلى الأخرى. فإذا أهملنا المناطق الريفية، فسوف يستمر الفقر والجوع في دفع تدفقات الهجرة، ليس فقط إلى المناطق الحضرية، بل وأيضا إلى الدول المجاورة

تتلخص إحدى النتائج المركزية في أن التنمية التي تركز بشكل خاص على المجتمعات الريفية تخلف تأثيرا إيجابيا كبيرا على الدخل، والأمن، والغذاء والتغذية. ثم يُترجَم هذا التحسن في نوعية الحياة إلى تحسن في الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية وغير ذلك من الخدمات الأساسية. وفي الوقت نفسه، لم يكن توزيع هذه المكاسب متساويا، وكان التقدم في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا أقل كثيرا من غيرها من المناطق.

أما الدراسة الثانية التي مولها الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، والتي أطلقها مؤخرا المعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية، فتبحث في التراجع الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم بدءا من عام 2012 في سياق سكان الريف. وقد وجدت الدراسة أن 38 مليون شخص إضافيين سوف يظلون في فقر مدقع نتيجة لهذا الانكماش في عام 2030، وسوف تكون أسر المزارعين في الدول ذات الدخل المتوسط عُرضة للخطر بشكل خاص.

ويشكل هذا تحديا جسيما لأهداف التنمية المستدامة المعنية بإنهاء الفقر "بجميع أشكاله في كل مكان"، كما يعزز الحجة لصالح السياسات والاستثمارات التي تستهدف المناطق الريفية على وجه التحديد، حيث تشتد الحاجة إلى تدابير الحد من الفقر وحيث من المنتظر أن تخلف هذه التدابير تأثيرا أكبر.

يكشف تقدم المناطق الريفية حتى الآن عن إمكاناتها في المستقبل. ففي العديد من الحالات، تنوعت اقتصادات هذه المناطق وأصبحت أكثر ديناميكية، كما عملت الطرق وشبكات الاتصال الجديدة على تقليص المسافة المادية والثقافية بين سكان الريف والحضر. وفي البلدات والقرى الصغيرة، تنشأ الآن أنماط جديدة من المجتمعات حيث لم تعد الزراعة -رغم أنها تظل مهمة- الشيء الوحيد الذي يحدد الحياة الاقتصادية والثقافية.

لقد حان الوقت الآن للنظر إلى التنمية بشكل أكثر شمولية، والاعتراف بأن التنمية الريفية والتنمية الحضرية لا تستبعد أي منهما الأخرى، بل تحتاج كل منهما إلى الأخرى. فإذا أهملنا المناطق الريفية، فسوف يستمر الفقر والجوع في دفع تدفقات الهجرة، ليس فقط إلى المناطق الحضرية، بل وأيضا إلى الدول المجاورة والقريبة وإلى وجهات أبعد في الخارج. ولن يُفضي إهمال المناطق الريفية إلى دفع الدول النامية إلى الأمام؛ بل على العكس من ذلك، يهدد إهمالها بدفع محركات التقدم في الاتجاه المعاكس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.