هل تعيد تركيا النظر في تحالفاتها بعد الانقلاب؟

Supporters of main opposition Republic Public Party (CHP) shout slogans and hold Turkish flags and pictures of Ataturk, founder of modern Turkey, during a demonstration against coup at Taksim Square, in Istanbul, Turkey, 24 July 2016. Turkish parliament on 21 July formally approved a three-month state of emergency declared by Turkish President Erdogan. The 15 June's failed coup attempt's aftermath was followed by the dismissal of 50,000 workers and the arrest of 8,000

تورط أم شراكة؟
تموضع جديد
مستقبل العلاقات

 

لا يخفي القادة الأتراك خيبة أملهم وامتعاضهم من مواقف الدول الغربية، بل ذهبوا إلى حدّ توجيه أصابع الاتهام إلى جهات وقوى غربية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، التي جرت مساء الخامس عشر من يوليو/تموز الماضي.

وليست خيبة الأمل التركية ناتجة فقط عن عدم تضامن الدول الغربية مع حكومة بلدهم، وخاصة حلفاء تركي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل تكمن في أن بعض تلك الدول كان يريد، أو على الأقل، يتمنى أن تتغير الأمور في تركيا، ولو على حساب الديمقراطية والحكومة المنتخبة، الأمر الذي جعل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان يتساءل بالقول "هل يقف الغرب إلى جانب الديمقراطية أم إلى جانب الانقلابيين؟ ولم يخف اعتقاده بأنهم يقفون إلى جانب المحاولة الانقلابية الفاشلة.

تورط أم شراكة؟
ولعل خيبة أمل الأتراك من مواقف حلفائهم في الأطلسي (الناتو)، جاءت من المقارنة بين مواقفهم حيال ما حدث في باريس أو بروكسل أو لندن وسواها، وما حدث مساء الخامس عشر من يوليو/تموز المنصرم، فقد كان المسؤولون الغربيون يسارعون في التوافد إلى هذه العواصم وإظهار التضامن مع حكوماتها وشعوبها، في حين أنه بالرغم من الحدث التاريخي والمفصلي الذي هدد الديمقراطية التركية وخلف أكثر من مئتي ضحية، فلا أحد من المسؤولين الغربيين جاء إلى تركيا، ولم يزر أحد منهم مبنى البرلمان الذي قصف.

بل إن مواقفهم اتسمت في البداية، بصمت مريب أحيانا، وبتصريحات لا معنى لها في معظم الأحيان، حيث صمت الساسة الغربيون، خلال الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية، ولم يدينوها أو يستنكروها، إلا بعد ظهور بوادر فشلها، الأمر الذي جعل المراقبين والخبراء، يشيرون بشكل لا لبس فيه، إلى أن ساسة الغرب لم يكونوا في موقف المتفرج على ما كان يحدث في تركيا ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة، بقدر ما كانوا شركاء فيها بشكل أو بآخر، بل وربما كان بعضهم يتمنى نجاحها.

وفور فشل الانقلاب وقيام السلطات التركية بتوقيف واعتقال المتورطين به، تواترت تصريحات المسؤولين الأوروبيين والأميركيين الداعية إلى ضرورة الحفاظ على سيادة القانون في تركيا ضمن إطار التحقيقات، في حين أنها لم تتناول ما قام به الانقلابيون الذين أزهقوا أرواح 238 شخصا ليلة الانقلاب، لذلك لم تك مواقفهم نقدية حيال من حاولوا قلب نظام الحكم بالقوة، بل دافعت عنهم من باب الحفاظ على الحريات واحترام حقوق الإنسان، وشكلت صدمة، تحولت إلى نقمة في الأوساط السياسية والشعبية التركية، ونشرت وسائل إعلام تركية قرائن عن تورط أميركي مباشر في المحاولة الانقلابية.

وأثار موقف الولايات المتحدة الأميركية حيال المحاولة الانقلابية الفاشلة تساؤلات عديدة طالت احتمالات أن تكون الإدارة الأميركية على علم مسبق بها، وأسباب تريثها في البداية، ورفضها تسليم الداعية فتح الله غولن الذي اتهمته الحكومة التركية بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، الأمر الذي أضاف معطى جديدا إلى إشكالية العلاقة ما بين الحكومة التركية والإدارة الأميركية، جسده دفاع واشنطن عن فتح الله غولن وقيادات تنظيمه، وتشكيكها بالأدلة التي قدمتها الحكومة التركية حول تورطهم في الإعداد والتخطيط وتنفيذ المحاولة الانقلابية، مما أعطى مؤشرات على أن الإدارة الأميركية توفر حماية لما تسميه الحكومة التركية "الكيان الموازي" داخل تركيا وخارجها، وأن ذلك يكشف عمق ومتانة علاقتها به، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة التركية، بنعلي يلدريم، يقول بوضوح: "إذا لم تسلم الولايات المتحدة فتح الله غولن إلى بلاده، سوف تعتبر دولة معادية".

غير أن ما أثار حفيظة الأتراك منذ البداية، هو البيان الذي أصدرته السفارة الأميركية في أنقرة ليلة الانقلاب، واعتبرت فيه أن ما يجري في تركيا "انتفاضة عسكرية"، دون تسمي ما يجري انقلابا عسكريا على حكومة منتخبة، ما يحمل إشادة بما يجري في تلك الليلة، بل وربما رضا وقبولا به. ولم تغير تصريحات الرئيس بارك أوباما بالوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية من وقع بيان سفارة بلاده، الذي حمل معنى الإشادة بالمحاولة الانقلابية، وبالتالي فإن هذه الإشكالية قد تؤدي إلى انعطافة جديدة في علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين.

تموضع جديد
ويبدو أن الصدمة وخيبة الأمل التركية ولّدت ردات فعل رسمية ضد مواقف الحلفاء الغربيين، وذهب بعض المحللين إلى عقد مقارنات بين ما حدث في عام 1960، حين كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت عدنان مندريس يعتزم زيارة الاتحاد السوفياتي (السابق)، وبين الزيارة التي يعتزم الرئيس رجب طيب أردوغان القيام بها إلى موسكو في التاسع من الشهر الجاري.

وكانت مسوغات وحيثيات زيارة مندريس تكمن في بحث ممكنات استدارة تركية نحو السوفيات بعد تردي العلاقات مع الأميركيين في ذلك الوقت، وكان مخططا أن تجري الزيارة في شهر يونيو/حزيران من العام 1960، لكن الانقلاب العسكري حدث في 27 مايو/أيار، واعتقل مندريس وأفراد حكومته، ثم أعدم بعد محاكمة عسكرية، ووجهت أصابع الاتهام إلى واشنطن بالوقوف وراء انقلاب 1960، منعا لانعطافة تركية محتملة.

وتذهب تحليلات تركية إلى مقاربة مماثلة، تشير إلى وقوف واشنطن وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة بوصفها محاولة من طرف الانقلابيين لمنع أردوغان من إحداث انعطافة كبرى مع حلفائه الغربيين.
غير أن مثل هذه التحليلات مبنية على حيثيات وقرائن، وعلى إمكانية أن تحدث الحكومة التركية قطيعة مع حلفائها الغربيين، انتقاما على مواقفهم وانتقاداتهم وعدم إظهار تعاطفهم ومساندتهم لتركيا، لكن الأمر قد لا يكون كذلك؛ فالعلاقات التركية الروسية ما زالت في الطور الأول من إعادتها إلى المستوى الطبيعي، بالرغم من أن العلاقات التركية الأميركية هي في الأصل متوترة، على الأقل منذ عام 2013، ودخلت مرحلة جديدة من التأزم والتراجع، مما يشي بأن كل الاحتمالات مفتوحة.

مستقبل العلاقات
الواقع هو أن توتر العلاقات التركية الأميركية تعود بداياته إلى 2003، حين رفض البرلمان التركي دخول القوات الأميركية الأراضي التركية لغزو العراق، ثم جاءت الأزمة السورية لتعمق الخلافات بين الطرفين، على خلفية حصر واشنطن أولوياتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وغضّ النظر عن ممارسات النظام السوري الذي تعتبره أنقرة أصل المشكلة، إضافة إلى دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعبره تركيا الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، وتخلي الغرب والولايات المتحدة عن تركيا حين توترت علاقاتها مع روسيا بعد إسقاطها إحدى مقاتلاتها أواخر العام الماضي.

وزاد الموقف الموقف الأميركي الملتبس من المحاولة الانقلابية الفاشلة من توتر العلاقات بين الطرفين، وليس من المعول عليه أن تخفف زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى أنقرة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، من حدة التوتر بين البلدين.

ويشير واقع الحال أن مستقبل العلاقات مع الغرب عموما، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص، مرهون بموقع تركيا الإستراتيجي وثقلها في المنطقة، بما فيه موقعها الجغرافي، وامتلاكها حدودا طويلة مع كل من العراق وسوريا، الأمر الذي يزيد من حاجة الولايات المتحدة لها، ومن ضرورة تخفيف التوتر معها، خاصة وأن طائرات التحالف الدولي الذي تقوده، تستخدم قاعدة إنجرليك الجوية، منذ صيف 2015، لضرب مواقع تنظيم الدولة، وبالتالي ستجد واشنطن نفسها مجبرة على تحسين العلاقات مع تركيا، خاصة وأن خيبة أمل أنقرة من الولايات المتحدة ومن حلفائها الغربيين، قد تدفعها إلى بناء علاقات أكثر قوة مع روسيا، الأمر يشكل ضربة جديدة وقوية للإدارة الأميركية، التي باتت تخسر المزيد من حلفائها في منطقة الشرق الأوسط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.