أطفال سوريا ووعود لم تحترم

Syrian refugee children stand at a fence after German Chancellor Angela Merkel, EU Council President Donald Tusk and Turkish Prime Minister Ahmet Davutoglu (none pictured) visited the refugee camp in Nizip district near Gaziantep, Turkey, 23 April 2016. Merkel travelled to Turkey with the President of the European Council, Donald Tusk, to get informed about the implementation of the EU-Turkey Refugee Agreement.


إذا فقدت إيمانك بقوة الأمل، ناهيك عن أهمية عدم الاستسلام أبدا، فما عليك إلا أن تُذكر نفسك بقصة محمد كوشا؛ فهو لاجئ سوري يبلغ من العمر ستة عشر عاما ويعيش في لبنان، نجح في التغلب على عقبات لا يستطيع أغلبنا حتى مجرد تصورها، لكي يتسنى له التفوق في دراسته. وينبغي لزعماء العالم أن ينتبهوا إلى هذا الإنجاز.

قبل أربع سنوات، فر محمد وأسرته من منزلهم في بلدة داريا، إحدى ضواحي مدينة دمشق، هربا من القصف المتواصل من قبل القوات المسلحة السورية. وبعد أن فقد بالفعل عاما كاملا من تعليمه الابتدائي في بلدته، حيث كان مجرد الذهاب إلى المدرسة مغامرة بالغة الخطورة، أنفق عاما آخر خارج المدرسة عندما وصلت أسرته إلى لبنان، حيث يقيمون الآن.

تغيرت حياة محمد عندما فتحت حكومة لبنان المدارس العامة في البلاد للاجئين. ولم تكن الفصول مزدحمة فحسب؛ بل كانت المناهج أيضا تُدَرس باللغة الإنجليزية، وهذا يعني أنه كان مضطرا إلى تعلم لغة جديدة. ولكن محمد اغتنم الفرصة للتعلم، وكرس نفسه للدراسة. وفي الشهر الماضي، سجل رغم كل العقبات ثاني أعلى درجات في امتحانات القبول بالمدارس الثانوية. وهو لم ينته بعد.

فهو يدرك أن التعليم هو المفتاح إلى بناء مستقبل أفضل. وعلى حد تعبيره فإن "التعلم يعطينا الأمل". ولا أملك إلا أن أتمنى أن يتحلى زعماء العالم ولو بقدر ضئيل من حكمته.

الحق أن بعض الإشارات كانت مشجعة؛ ففي اجتماع استضافته لندن في فبراير/شباط، أقَرت جهات مانحة دولية بأهمية التعليم للاجئين، ووعدت بإلحاق كل الأطفال اللاجئين من سوريا بالمدارس بحلول نهاية عام 2017، بل وتعهدت حتى بتخصيص 1.4 مليار دولار لتحقيق هذا الهدف.

كان وعدا طموحا قُطع لمجموعة من الأطفال المعرضين للخطر الشديد. واليوم، لا يزال نحو مليون طفل لاجئي سوري في سن خمس سنوات إلى سبع عشرة سنة خارج المدرسة. ومن المنتظر أن يتسرب أغلب الملتحقين بالمدارس قبل بدء تعليمهم الثانوي. في غضون جيل واحد من المدارس الابتدائية، عانت سوريا ما قد يكون أعظم تراجع في مجال التعليم في التاريخ. فالآن أصبحت معدلات التحاق الأطفال بالمدارس في البلاد أقل كثيرا من المتوسط الإقليمي في دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.

ولكن الآن، بعد مرور ستة أشهر فقط، يوشك وعد التعليم لجميع اللاجئين أن يتحول إلى حبر على ورق، وهذا كفيل بتحطيم آمال الملايين من السوريين. فقد تم تمويل 39% فقط من مبلغ 662 مليون دولار أميركي كمساعدات عاجلة للتعليم، والتي سعت إلى جمعها وكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة هذا العام. وكما وَثق تقرير Theirworld الذي نُشر قبل أيام، فلم يتم تسليم إلا قسم ضئيل فقط من أصل 1.4 مليار دولار تعهدت بها الجهات المانحة في لندن.

وفي حين يتهرب المجتمع الدولي من مسؤولياته، يواصل جيران سوريا بذل جهود غير عادية لمعالجة الأزمة؛ فقد فتحت لبنان والأردن، وبدرجة أقل تركيا، مدارسها العامة للاجئين السوريين.

بيد أن أنظمة التعليم في هذه البلدان، والتي كانت مُجهدة حتى قبل الأزمة، لا يمكنها أن تتعامل مع العبء الذي يُلقى على كاهلها رغما عنها؛ إذ يشكل اللاجئون السوريون الآن ثلث جميع طلاب المدارس العاملة اللبنانية. وهذا يعادل اضطرار نظام المدارس الابتدائية في الولايات المتحدة فجأة إلى استيعاب جميع أطفال المكسيك. ولا يوجد ببساطة العدد الكافي من المعلمين، أو الفصول الدراسية، أو الكتب المدرسية، لتوفير تعليم لائق لمثل هذا العدد من الأطفال اللاجئين.

كان المفترض أن يُسفر مؤتمر فبراير/شباط عن التوصل إلى حلول من شأنها تخفيف العبء عن جيران سوريا. وقد قامت حكومات الدول المضيفة بواجبها، فأعدت مسبقا الخطط اللازمة لتوفير التعليم الشامل للأطفال اللاجئين، ثم عملت مع الجهات المانحة على وضع إستراتيجيات شاملة للوصول إلى الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ورفع جودة التعليم.

ولكن مع فشل المجتمع الدولي في تنفيذ جانبه من الصفقة، لم تتعطل البرامج فحسب؛ بل وقد تتراجع أيضا. فالآن، هناك أكثر من 800 ألف لاجئ سوري ملتحقين بالمدارس في لبنان أصبحوا عرضة لفقدان أماكنهم.

الواقع أن العواقب الإنسانية المترتبة على أزمة التعليم بين اللاجئين السوريين من المستحيل التغافل عنها؛ فهي جلية واضحة في الجيش المتنامي من العمال في سن الطفولة الذين يجمعون الخضراوات في وادي البقاع في لبنان، أو الذين يعملون في مصانع الملابس في تركيا، حيث نصف مليون لاجئ خارج المدارس. كما تنعكس في التدفق المستمر من أسر اللاجئين التي تخوض غمار الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، يدفعها الأمل في حصول أطفالها على الفرص التعليمية هناك. غير أن العديد من الحكومات الأوروبية تواصل الاستثمار في الأسلاك الشائكة ومراكز الاحتجاز، بدلا من الاستثمار في المدارس والمعلمين.

والبديل متوفر ولكن الوقت يمضي. في الشهر المقبل، تستضيف الأمم المتحدة والولايات المتحدة جولة أخرى من اجتماعات القمة الخاصة باللاجئين. وهذه المرة، تستطيع الحكومات أن تترك الوعود المكررة والخطب العصماء في الداخل، ويتعين عليها بدلا من ذلك أن تحمل معها خططا ملموسة لتوفير 1.4 مليار دولار، وهو المبلغ الذي تعهدت به بالفعل.

ويتعين على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في كيفية تسليم المساعدات، فلن تنتهي الأزمة السورية في أي وقت قريب. وبدلا من تسليم المساعدات من خلال مناشدات إنسانية لا يمكن الاعتماد عليها وتمويلها بشكل كامل، ينبغي للهيئات المانحة أن تعمل على توفير التمويل المتعدد الذي يمكن التعويل عليه لعدة سنوات، كما فعلت المملكة المتحدة. وفي عموم الأمر، ينبغي للاتحاد الأوروبي والبنك الدولي أن يعملا على توسيع وتكثيف دعمهما للتعليم.

بطبيعة الحال، لا تشكل زيادة تمويل الجهات المانحة للتعليم سوى جزءا من المعادلة. فبوسع حكومات الدول المضيفة، بل ينبغي لها، أن تفعل المزيد. فبادئ ذي بدء، ينبغي لها أن تعمل على إزالة حواجز اللغة التي تواجه الأطفال السوريين. وبوسعها أيضا معالجة نقص المعلمين المزمن من خلال توظيف المعلمين من اللاجئين السوريين. وفي المقام الأول من الأهمية، تستطيع حكومات الدول المضيفة مساعدة اللاجئين على أن يصبحوا أكثر شعورا بالأمان وقدرة على الاعتماد على الذات، وخاصة من خلال رفع وضعهم القانوني وتوسيع حقهم في العمل.

ولكن في نهاية المطاف، لابد أن تشمل أي استجابة ذات مصداقية لأزمة تعليم اللاجئين الاستعانة بنهج أكثر عدلا في تقاسم الأعباء. وقبل التوجه إلى قمة الأمم المتحدة في الشهر المقبل، ينبغي للحكومات أن تراجع الوعود التي قطعتها في مؤتمر لندن. وعليها أن تتذكر مقولة نيلسون مانديلا: "الوعود المبذولة للأطفال ينبغي أن لا يُحنث بها أبدا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.