بوكو حرام.. عُزل "الإمام" أم انقسمت الجماعة؟

FILE - In his file image taken from video released late Friday evening, Oct. 31, 2014, by Boko Haram, Abubakar Shekau, centre, the leader of Nigeria's Islamic extremist group. Boko Haram fighters have shot or burned to death about 90 civilians and wounded 500 in ongoing fighting in a Cameroonian border town near Nigeria, officials in Cameroon said Thursday, Feb. 5, 2015. (AP Photo/Boko Haram,File)

بيعة تحت الضغط
عزل عشية البيعة
عزل أم انشقاق؟
انشقاقات متعددة

حين نشرت مؤخرا مجلة "النبأ" الأسبوعية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية مقابلة مع "أبو مصعب البرناوي" وقدمته على أنه أمير "ولاية غرب أفريقيا" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو الاسم الجديد لجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام)، سارعت وسائل الإعلام إلى التقاط الخيط، واعتبرت الأمر انقلابا جديدا داخل الجماعة، تم بموجبه عزل أميرها المثير للجدل أبو بكر الشكوي، وتصدر الخبر عناوين الأخبار في بعض وسائل الإعلام.

بيعة تحت الضغط
غير أن المعلومات المتوفرة، والتي تعود في أغلب مصادرها إلى أوساط داخل الجماعة أو قريبة منها، تؤكد أن مساعي عزل تنظيم الدولة الإسلامية لأمير بوكو حرام أبو بكر الشكوي عن قيادة الجماعة بدأت قبل سنة ونيف من الآن وذلك عشية بيعة الجماعة للتنظيم، وبالحديد بداية عام 2015، عندما وصلت إلى معاقل الجماعة في ولاية "بورنو" بشمال نيجيريا مجموعة من السودانيين المبايعين لتنظيم الدولة الإسلامية قادمين من تشاد.

وقد قابلت تلك المجموعة "إمام" الجماعة أبو بكر الشكوي، وعرضوا عليه بيعة "الخليفة" أبو بكر البغدادي، فرفض الاستجابة لهم بداية، لكنهم استطاعوا الضغط عليه عبر إقناع أغلبية عناصر مجلس شورى الجماعة وبعض المقربين منه، ووعدوه بتقديم بدعم سخي ومساندة إعلامية وعسكرية للجماعة من "تنظيم الدولة" الذي كان ساعتها في أوج قوته، فوافق الشكوي على طلبهم وأعلن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية وخليفته البغدادي في مارس/آذار من نفس العام.

عزل عشية البيعة
لكن رسل تنظيم الدولة كانت لهم مهمة أخرى غير مجرد أخذ البيعة من الجماعة، حيث كانوا يسعون لعزل أبو بكر الشكوي من زعامة الجماعة وتعيين خلف له، في مخطط دبر سلفا قبل وصولهم إلى معاقل الجماعة، الأمر الذي اكتشفه "الشكوي" مبكرا عن طريق مقربين منه في مجلس شورى الجماعة، فسارع إلى اتخاذ خطوات استباقية لإفشال المخطط قبل إكمال تنفيذه نهائيا.

فقد ظهر حينها في تسجيل مصور أعلن فيه أنه هو "الأمير الفعلي للجماعة"، دون أن يتطرق لما يحاك ضده، ثم طلب السودانيين لتصفيتهم والتخلص منهم، لكنهم استطاعوا الهروب وغادروا شمال نيجريا.

أما الرجل الذي اقترحه رسل تنظيم الدولة ليتولى زعامة الجماعة فلم يكن سوى أحد المقربين من الشكوي والمتحدث باسم الجماعة، أبو مصعب البرناوي الذي أصبح يعتبر نفسه "أميرا" للجماعة بموجب قرار "البغدادي"، لكن الظروف المحيطة به والقوة التي يحتفظ بها غريمه (الشكوي) جعلته يحجم عن إعلان ذلك للرأي العام، خوفا من صولة الأخير ومغبة استفزازه، وقد تعاطت معه قيادة تنظيم الدولة منذ ذلك التاريخ انطلاقا من كونه ممثلها الشرعي في المنطقة.

وقد سعا أبوبكر الشكوي إلى ثني البغدادي وقيادات تنظيم الدولة الإسلامية عن عزله وتنصيب "البرناوي" خلفا له، وذلك عبر مراسلات عديدة حاول فيها أن يؤثر على قناعة قيادة التنظيم بأفضلية "البرناوي"، من خلال اتهامه بالإخلال بمنهج أهل السنة الجماعة، والتلبس ببعض الكفريات ونواقض الإسلام، كرفضه تكفير الكافر حسب قوله.

غير أن قيادة تنظيم الدولة كانت متمسكة بقرارها اعتمادا على تقارير وصلتها تؤكد استحالة استمرار الشكوي قائدا للجماعة بسبب تصرفاته الاستبدادية، وصعوبة انقياده، واعتزازه بنفسه وغروره، واعتبرت أن رفضه الانصياع لقرار عزله، يشكل مخالفة تستحق التعزير والعقاب، لذلك قررت قيادة تنظيم الدولة المضي قدما في قرار عزل الشكوي وتعيين أبو مصعب خلفا له، وتجاهلت مراسلات الشكوي لها فترة من الزمن قبل أن ترد عليها، بنشر مقابلة مع أبو مصعب البرناوي في مجلة النبأ التابعة للتنظيم، قدمته خلالها على أنه "أمير ولاية غرب إفريقيا".

عزل أم انشقاق؟
وانطلاقا من ذلك يمكن القول إن تنصيب تنظيم الدولة لأبي مصعب البرناوي أميرا أو واليا على "ولاية غرب إفريقيا" ليس بالقرار الجديد، وإن أعلن عنه مؤخرا، فقد مضى على اتخاذه أكثر من سنة، لكنه تحول في النهاية إلى مجرد انشقاق داخل الجماعة، قد يؤدي اشتراك العدو اليوم إلى منع الاحتكاك والقتال بين طرفيه، أو تأجيله حتى حين، وهو ما ألمح إليه الشكوي في تسجيله الأخير الذي رفض فيه تنصيب أمير غيره لبوكو حرام، قائلا "يجب أن يعرف الناس أننا مازلنا موجودين"، وأضاف "لن نسبب فتنة بين المسلمين"، وهاجم الشكوي الأمير الجديد أبو مصعب البرناوي واصفا إياه بالانحراف عن المنهج والعقيدة.

انشقاقات متعددة
والواقع أنهاليست المرة ألأولى التي يواجه فيها أبو بكر الشكوي انشقاقات في صفوف جماعة بوكو حرام، بل إن توليه لقيادة الحركة سنة 2010 جاء ليضع حدا لانشقاق مسبق على زعامته، بعد إعلان القيادي في الجماعة "مامان نور" تنصيب نفسه "إماما" للجماعة عقب مقتل مؤسسها "محمد يوسف" عام 2009.

لكن الشكوي الذي كان يشغل منصب نائب الإمام محمد يوسف، أعلن نفسه "إماما" للجماعة، ووصف "مامان نور" بالمارق المستولي على إمارة لا تحق له، مهددا بقتله، ليفر الأخير إلى الصومال حيث لجأ إلى مقاتلي "حركة الشباب المجاهدين"، ينما استمر "الشكوي" يقود "بوكو حرام" معتمدا نهج النزوع نحو الخصوصية والاستقلالية، وفك الارتباط مع باقي التنظيمات الجهادية، خصوصا تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي كان وثيق الصلة بجماعة بوكو حرام، تدريبا وتكوينا وتعليما وتمويلا وتسليحا وتنسيقا.

ولم يعبأ "الشكوي" بملاحظات وتعليمات قيادة القاعدة التي كانت تصله تباعا، بل كان يقابلها أحيانا كثيرة بالتجاهل وعدم الرد، إلى أن كانت المفاصلة بين الطرفين في بداية عام 2012 عندما أرسل "قاضي الصحراء" في تنظيم القاعدة "عبد الله الشنقيطي" رسالة مناصحة إلى الشكوي يحذره فيها من مغبة الاستمرار في تصرفاته وينصحه بالعودة إلى "المنهج"، فقرر الأخير الرد بفك الارتباط مع تنظيم القاعدة نهائيا، ليواجه ساعتها أكبر انشقاق في تاريخ الجماعة، حين أعلنت مجموعة كبيرة من قيادات بوكو حرام بزعامة خالد البرناوي المكنى "أبو حفصة الأنصاري"، انشقاقهم بحجة انحراف القيادة وزيغها، وأسسوا تنظيما جديدا يسمى "أنصار المسلمين في بلاد السودان" (أنصارو).

وقد تنبأ كثير من المراقبين حينها بأن ذلك الانشقاق قد يؤدي إلى إضعاف "بوكو حرام" ويضع حدا لقوة الشكوي المستفحلة، لكنه كان أشد قوة وراديكالية بعد ذلك، واستمر في تصعيد عملياته وهجماته التي توجت بحوادث اختطاف لمئات من الفتيات في شمال نيجريا، وتوسيع مسارح عمليات الجماعة العسكرية وهجماتها الدموية إلى جنوب النيجر وتشاد وشمال الكاميرون.

ومع مطلع عام 2013 وفي أوج المواجهة بين الجماعة والجيش النيجيري، واجه الشكوي انشقاقا آخر، هذه المرة يقوده "أبو محمد عبد العزيز" الذي سارع إلى الإعلان باسم قيادة "بوكو حرام" عن وقف غير مشروط لإطلاق النار مع الحكومة النيجرية، دون أن يعلق الشكوي على تلك التصريحات، الأمر الذي أدى إلى ظهور انشقاق جناح آخر أكثر راديكالية بزعامة محي الدين مروان، يرفض وقف إطلاق النار ويتوعد باستمرار الحرب ضد الحكومة النيجرية.

ورغم ذلك استطاع الشكوي القضاء على الانشقاقين، واعتبر تصريحات "أبو محمد عبد العزيز" تطاولا على الجماعة وخروجا على إجماعها، مهددا بتصفيته، ثم صعد من حملته العسكرية ضد الحكومة ردا على تلك التصريحات.

كما أن بيعة أبو بكر الشكوي لتنظيم الدولة الإسلامية سنة 2015 جعلته في مواجهة انشقاق آخر كان أكبر من الانشقاقات السابقة داخل الجماعة، وذلك عندما أعلن عضو مجلس الشورى والمسؤول الأمني لبوكو حرام محمد داوود رفضه لتلك البيعة وأيده عشرات من قيادات الجماعة وعناصرها، معتبرين أن الشكوي بقراره مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية، قد خرج على إجماع مجلس الشورى، وأكدوا تمسكهم باسم الجماعة القديم (جماعة أهل السنة للدعوة والقتال)، معتبرين أن قرار البيعة لاغ ولا شرعية له.

كل هذه الانشقاقات وغيرها واجهها الشكوي بصلف وعدم مبالاة، وخرج منها في كل مرة أكثر قوة وعصبية واعتزازا بالنفس وتصعيدا للعمل المسلح، الأمر الذي يجعل كثيرا من المراقبين ينظرون إلى إعلان عزله من طرف تنظيم الدولة الإسلامية وتنصيب أمير جديد بدلا عنه، باعتباره مجرد حركة انشقاق داخل الجماعة كسابقاتها، قد تقود في أسوء الحالات إلى اقتتال داخلي، هذا إذا لم يحاول الشكوي الاستقواء بتنظيم القاعدة والعودة إلى أحضانه، وهو أمر مستبعد نظرا لأن شخصية الرجل النرجسية تجعل من العصي عليه الاعتراف بالضعف أو العودة إلى الوراء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.