الدروس الخاطئة من حرب العراق

تصميم توني بلير وجورج دبليو بوش وبينهما السير جون تشيلكوت

*آن ماري سلوتر ونُسيبة يونس

 

 

أخيرا، صدر تقرير تشيلكوت هذا الشهر، بعد مرور سبع سنوات منذ أمرت الحكومة البريطانية بإعداده بهدف "تحديد الدروس" المستفادة من مشاركة المملكة المتحدة في حرب العراق. ولكن في التركيز المحموم على الأخطاء التي ارتكبها رئيس الوزراء الأسبق توني بلير في الحكم على الأمور والنهج الذي سلكه بإدخال المملكة المتحدة في الحرب جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، نخاطر بإهدار الدروس الحقيقية.

يرى العديد من المنتقدين أن فشل حرب العراق يثبت أن السياسات الخارجية الغربية الداعمة للتدخل غير مجدية وغير أخلاقية، ولكن لا ينبغي لنا أبدا أن نبني تقييمنا للتدخلات على أساس نجاح أو فشل التدخل الأخير. فهذا هو المنطق الذي دفع إدارة بيل كلينتون، في أعقاب فشل تدخل الولايات المتحدة في الصومال عام 1993، إلى التقاعس عن التحرك في العام التالي لمنع الإبادة الجماعية في رواندا، والتي نستطيع أن نقول الآن إن منعها كان في حكم الممكن بقدر محدود للغاية من التدخل.

في حالة حرب العراق، تسبب التدخل في مقتل مئات الآلاف من العراقيين وتفتيت البلاد، هذا فضلا عن إزهاق أرواح الآلاف من الجنود الأميركيين والبريطانيين، ولكن يظل الإرث المأساوي الذي خلفه التدخل في العراق باقيا حتى يومنا هذا لأنه يمثل الآن حكاية تحذيرية ضد كل تدخل.

برر الرئيس باراك أوباما مرارا وتكرارا رفضه لاستخدام القوة في سوريا، في غير التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، بضرورة تجنب عراق آخر. وعلاوة على ذلك، تأثرت قراراته بردود الفعل البريطانية إزاء التدخل في العراق.

الواقع أن أوباما اقترب من استخدام القوة في سوريا في صيف عام 2013 عندما اطلع على أدلة قاطعة على استخدام الرئيس بشار الأسد للأسلحة الكيميائية ضد مواطنيه، ولكنه غير رأيه جزئيا بسبب فشل رئيس وزراء المملكة المتحدة ديفيد كاميرون في الفوز بالدعم البرلماني للتحرك ضد نظام الأسد.

ورغم تحذير كاميرون: "هذه ليست مثل العراق.. لا ينبغي لنا أن نسمح لشبح أخطاء الماضي بإصابتنا بالشلل"، انضم أعضاء حزب المحافظين إلى حزب العمال المعارض في رفض الاقتراح بشن غارات جوية في سوريا في الرد على هجمات الأسد التي استخدم فيها الأسلحة الكيميائية. وبعد رفض الاقتراح، اعترف وزير الدفاع فيليب هاموند بأن حرب العراق هي التي "سممت بئر" الرأي العام، في حين قال زعيم حزب العمال البريطاني السابق إن الرأي العام البريطاني "يريدنا أن نتعلم من دروس العراق".

خلص تقرير تشيلكوت إلى أن الحجة لصالح غزو العراق أقيمت على "أساس معلومات استخباراتية خاطئة"، وأن الموارد المخصصة لم تلب الأهداف المعلنة، وأن المتدخلين فشلوا في التخطيط للعواقب غير المقصودة. ونتيجة لهذا، أنهت بريطانيا التزامها الذي دام ست سنوات في العراق "قبل مسافة طويلة للغاية من النجاح". لا ينبغي لنا أن نقرأ بيان الفشل هذا باعتباره تقريرا ضد كل تدخل، بل بوصفه مجموعة من المعايير التي يتعين علينا الالتزام بها لإحراز النجاح في المستقبل.

فأولا، لابد من التحقق الكامل من المعلومات الاستخباراتية من كل زاوية ممكنة. ولم يطبق هذا المبدأ في ليبيا أيضا، فحتى التقارير الأولية عن مجزرة محتملة لمئات الآلاف من الناس في بنغازي كانت منذ ذلك الوقت موضوعا لهجوم جدير بالثقة ويستند إلى براهين.

ثانيا، لابد أن تكون الوسائل متسقة مع الغايات ولو بعض الشيء على الأقل. إن تحويل نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي في دولة لم تعرف الديمقراطية من قبل قط وتفتقر إلى الموارد الاقتصادية والمدنية اللازمة للحفاظ عليها ودعمها، مسعى يستغرق جيلا كاملا في أقل تقدير (وإن كانت حقيقة الأمر أن لا حكومة الولايات المتحدة ولا حكومة المملكة المتحدة بررت التدخل في مستهل الأمر على هذا الأساس). وربما كانت الغاية المعلنة الأصلية المتمثلة في إزالة أسلحة الدمار الشامل ستتحقق بتكلفة أقل كثيرا، لو كان لها وجود في واقع الأمر.

ثالثا، كان من الواجب على من خططوا للتدخل أن يفترضوا أسوأ السيناريوهات وليس أفضلها؛ فلابد أن تكون تكلفة عدم التدخل مرتفعة بنفس القدر أو أعلى من التكاليف المتوقعة للتدخل (حيث كثيرا ما تسوء الأمور المرشحة للسوء).

تضع هذه الدروس سقفا عاليا لأي تدخل في المستقبل. ولكنه السقف الذي لبت شروطه على الأقل بعض التدابير المقترحة في سوريا. فالمعلومات بشأن الفظائع التي يرتكبها الأسد ضد شعبه لا يمكن دحضها، ولابد أن يكون الهدف المعلن من التدخل في سوريا منع الأسد من ارتكاب القتل الجماعي ضد شعبه، والذي أجبر الملايين على الفرار من البلاد، وإقناعه هو وأنصاره بأنهم من غير الممكن أن يفوزوا بأي حال من الأحوال، وعلى هذا فمن الأفضل لهم أن يتفاوضوا على تسوية سلمية حقيقية، حتى وإن كانت هشة.

والسبل لتحقيق هذه الغاية على وجه التحديد متاحة ومختبرة: فلابد أن يكون الهدف سلاح الأسد الجوي والمطارات. وبالفعل، تقصف الولايات المتحدة وحلفاؤها مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا، ولكن فقط عندما ينتمي أولئك الجناة لتنظيم الدولة الإسلامية وليس الحكومة السورية.

وأخيرا، إذا فشل مثل هذا التدخل في وقف مجزرة الأسد للمدنيين أو تهيئة الظروف للتوصل إلى السلام عن طريق التفاوض، فلن تكون سوريا أسوأ حالا مما هي عليه اليوم. ومكمن الخوف هنا هو أن يؤدي إضعاف الأسد إلى تعزيز قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومن المؤكد أن اجتياح داعش لسوريا نتيجة أسوأ كثيرا في نظر الغرب، ودول أخرى في الشرق الأوسط، والسوريين.

بيد أن الأسد يستفيد بشدة من وجود داعش في سوريا؛ إذ يعزز هذا الوجود على وجه التحديد السرد المناهض للإرهاب الذي أطلقه الأسد منذ بدأت أول احتجاجات سلمية ضد حكومته في مارس/آذار 2011. وسوف يحارب السوريون في مختلف أنحاء البلاد تنظيم داعش بنفس الشراسة سواء في وجود أو غياب قوات الأسد الجوية. وسوف تستمر روسيا وإيران أيضا في محاربة داعش.

الواقع أن إحدى النتائج الرئيسية التي توصل إليها تقرير تشيلكوت صحيحة بكل تأكيد: "فلابد أن تكون كل جوانب أي تدخل محسوبة، وخاضعة للمناقشة والأخذ والرد بكل صرامة وقوة". ولكن مع هذا ربما يظل التدخل هو المسار الصحيح.
———————————-
*آن ماري سلوتر المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية (2009-2011)، ورئيسة مركز نيو أميركا البحثي ومديرته التنفيذية.
*نُسيبة يونس كبيرة زملاء المجلس الأطلسي، حيث تتولى أيضا إدارة فريق العمل المعني بمستقبل العراق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.