أوروبا بعد الخروج البريطاني

Protestors gather outside the Houses of Parliament on the day British Prime Minister David Cameron announcing his resignation after losing the vote in the EU Referendum outside N10 Downing Street in London, Britain, 24 June 2016. Approximately 52 percent voted for Leave in the so-called Brexit referendum.

في أحدى المرات قال الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت إن "الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه". إن استفتاء المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي والذي اختار أكثر من نصف الناخبين فيه الخروج من الاتحاد الأوروبي أثبت أن كلام روزفلت غير دقيق تماما حيث يتوجب علينا أن نخاف من أشخاص مثل القادة الشعبويين في بريطانيا والذين يستغلون مخاوف الناس من أجل تحقيق نتائج مخيفة بحق، وفي هذه الحالة فإن هذه النتيجة قد تؤدي لتفكك الاتحاد الأوروبي.

بعد سنوات طويلة من عضوية الاتحاد الأوروبي قررت بريطانيا بأفضل طريقة ديمقراطية ممكنة الانغلاق على نفسها. وبغض النظر عن براغماتية وواقعية البريطانيين، فإنهم قرروا التصويت ضد مصالحهم. ربما يكون البريطانيون برفضهم للاتحاد الأوروبي قد حكموا على بلدهم بالفقر التدريجي، وربما أيضا بالتفكك الذي قد لا يكون تدريجيا حيث ذكر زعماء أسكتلندا وأيرلندا الشمالية والتي صوتت بشكل ساحق للبقاء في الاتحاد الأوروبي أنهم يريدون الخروج.

كان يتوجب على البريطانيين الخوف من الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن المنطق الذي تم الدفاع عنه بشكل ضعيف من قبل ممثلي السلطة الذين يفتقدون للإلهام والثقة لم يستطع الصمود أمام مخاوف ما قد يأتي من خلال باب تم تركه مفتوحا لبقية أوروبا وبقية العالم.

 

إن المفارقة الحقيقية هي أنه عندما قال البريطانيون لا لأوروبا (على خطى الفيتو الشهير لشارل ديغول على طلب بريطانيا الأول للمشاركة في الاندماج الأوروبي) فإنهم الأقرب من الناحية العاطفية لمواطني بقية أوروبا وهذا في واقع الأمر يعتبر مشكلة.

إن الناس في طول أوروبا وعرضها وفي جميع أنحاء العالم يخافون من العولمة والتي برأيهم قد جلبت مصدر تهديد يتمثل في "الآخرين" لحياتهم اليومية وقوضت سبل عيشهم بينما أفادت فقط النخب. إن هؤلاء الناس يشعرون بالخوف على أمنهم ووظائفهم ويشعرون بالغضب من القادة الذين فشلوا في الدفاع عن مصالحهم.

إن النتيجة هي أن "الناس الذين لا يملكون" ينقلبون بشكل متزايد على النخب التي تتمتع بالامتيازات وهكذا على الانفتاح الذي تفضله تلك النخب، حيث يطالبون بالعودة إلى ما ينظرون إليه على أنه ماض أكثر قابلية للتنبؤ وأكثر أمنا. إن الحنين كان عاملا محركا لحملة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الرغبة في معاقبة الأوغاد المسؤولين.

إن التصويت على الخروج البريطاني لم يأت بالصدفة أو كان مفاجئا بل كان نتيجة لمخاوف وإحباطات عميقة على الرغم من أن المرء لم يكن ليتوقع أنه بالنسبة للعديد من البريطانيين فإن الغريزة ستصبح نقطة وصول وليس نقطة مغادرة، وعلى أية حال فإن تلك الغرائز ما كانت لتأخذ المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي قبل بضعة سنوات. لقد كان ذلك سوء تقدير سياسي خطير جعلت هذه التراجيديا السياسية ممكنة.

إن أحد أهم الدروس من حملة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي هو أنه عندما يحاول السياسيون التلاعب بمشاعر المجتمع لغاياتهم الخاصة كما فعل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة. إن صب البنزين على نار الخوف والإحباط قد يكون قد مكن كاميرون من الفوز هو وحزبه بانتخابات 2015 ولكنه أنتج حريقا أتى على حزبه وإرثه وبلاده.

إن المشكلة بالنسبة لبقية أوروبا هي أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي لتسريع المشاعر الشعبوية مع قيام شخصيات شعبوية غير مسؤولة بصب الزيت على النار، وحتى دونالد ترامب المرشح الجمهوري المفترض للرئاسة الأميركية عبر عن دعمه للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من جهله فإنه يعرف مدى قوة الوعد "بأن يستعيد المرء بلده" والناس مثل ترامب لا يقلقون كثيرا بشأن العواقب فهؤلاء ليسوا ونستون تشرشل المعاصر.

إن مدى تفكك أوروبا وعواقب تلك العملية لا تزال في علم الغيب، ولكن من المنطقي التوقع بأن تشعر الحركات الشعبوية والاستقلالية في أوروبا وخارجها بتجدد نشاطها بسبب ذلك الخروج، ومن المؤكد أن صورة أوروبا التي تبدو في تراجع نهائي ستقوض قوتها الناعمة.

إن الدور الأوروبي على الساحة الدولية يتعرض لتهديدات، وعليه يتوجب على قادة أوروبا وبشكل عاجل أن يقوموا بتقييم ذاتي كبير، فهم بحاجة لأن يعرفوا ما الذي فعلوه -أو لم يفعلوه- لخسارة ثقة مواطنيهم وصياغة خطة على المستوى الوطني وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي لاستعادة تلك الثقة.

ومن المهم للغاية أن مثل هذا التقييم يجب أن يسبق أي دفع باتجاه المزيد من الاندماج، ولو أطلق الاتحاد الأوروبي جهودا مذعورة للتقدم للأمام فإنه سيثبت بذلك عدم فهمه لما يحدث حقا.

إن تاريخ 23 يونيو/حزيران لن يسجل في التاريخ كيوم استقلال المملكة المتحدة كما وعد بوريس جونسون عمدة لندن السابق وزعيم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل سيذكره الناس باعتباره اليوم الذي استيقظت فيه أوروبا أخيرا وأدركت فيه أنه لكي تؤمن وتحفظ مستقبلها فإن خيارها الوحيد هو الالتزام بإعادة تشكيل نفسها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.