معاناة الجمهوريين

Businessman and Republican presidential candidate Donald Trump gestures as he speaks a special event to benefit veterans organizations at Drake University instead of participating in a Fox News debate in Des Moines, Iowa, USA, 28 January 2016. Trump pulled out of the debate over a dispute of who the moderators would be.


إنها أوقات عصيبة على الحزب الجمهوري الأميركي، فبينما تبنت معظم قواعد الحزب دونالد ترامب كمرشح رئاسي فإن أعضاء الكونجرس الجمهوريين يجدون صعوبة في قبوله كحامل لرايتهم، علما أن ذلك لم يسبق له مثيل في تاريخ السياسة الأميركية.

سيكون من الجيد أن نعتقد أن الجمهوريين الذين لم يؤيدوا ترامب -أو عبروا عن تحفظات بشأنه- يقومون بذلك بسبب المبادئ، ولكن الحقيقة هي أنه بينما يشعر هؤلاء بالقلق من سلوكه ومدى صلاحيته للمنصب، فإن معظمهم أكثر قلقا من تأثير ترشيحه على مستقبلهم السياسي.

فهم يشعرون بالتشتت بين تحفظاتهم على قلة خبرة ترامب وعدم قدرتهم على التنبؤ بأفعاله وأسلوبه السوقي، وبين حقيقة أن معظم قاعدتهم الانتخابية تحبه. وعلى الرغم من الكلام عن الوحدة بين الجمهوريين فإن 11 فقط من بين 54 عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ أيدوا ترامب، وفي الكونجرس أيد 27 عضوا فقط ترامب من بين 247 عضوا جمهوريا في الكونجرس.

وحتى لو لم يفز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري فإن سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ معرضة للخطر هذا العام، فهناك 24 عضوا جمهوريا سيواجهون إعادة الانتخاب، وهو رقم مرتفع بشكل غير اعتيادي، وعلى أقل تقدير هناك خطر يتمثل في أن يخسر عشرة منهم مقاعدهم، من بينهم ستة أيدوا ترامب.

 

إن الشكوك الرئيسية المتعلقة بترامب -بين الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين على حد سواء- هي أنه ليس لديه معرفة كافية بالقضايا ليصبح رئيسا، والأكثر مدعاة للقلق هو أنه متهور ومتسرع ومغرور بشكل غير طبيعي، كما أن حقيقة أنه ليس لديه مشكلة في استخدام العنصرية من أجل تعزيز طموحاته هي مصدر قلق آخر لمنتقديه الذين يشعرون أنه يستعدي أقليات كبيرة.

إن إلقاء اللوم في قتل 49 شخصا في حانة للمثليين الجنسيين في أورلاندو بفلوريدا على المهاجرين المسلمين على الرغم من أن مطلق النار ولد في منطقة كوينز بنيويورك مثل ترامب نفسه هو فقط مثال آخر على تكتيكاته.

عندما يتعلق الأمر بالجمهوريين فهناك درجة معينة من النفاق والرياء في التعبير عن القلق من إهانة الأقليات، فالمرشحون الجمهوريون كان لديهم تعاطف مع المشاعر العنصرية منذ الحملة الرئاسية لباري جولدواتر سنة 1964 ولكن عادة ما يقومون بذلك بشكل خفي حتى يتجنبوا الإدانات الواسعة.

ريشارد نيكسون على سبيل المثال أشار للجنوبيين والعمال الشماليين بأنه لا يؤمن بمحاولات إنهاء التمييز في المدارس بالقوة، كما أطلق رونالد ريغان حملته الانتخابية سنة 1980 بالقرب من بلدة في الميسيسبي تم فيها قتل ثلاثة من نشطاء الحقوق المدنية من قبل العنصريين البيض سنة 1964.

إن مثل تلك التكتيكات المبطنة سمحت للمرشحين وأنصارهم بإنكار أنهم يدعمون العنصرية بشكل
صريح، ولكن ترامب تجاوز الخطوط، فعندما وصف ترامب المهاجرين المكسيكيين بأنهم "مغتصبون" وأقترح منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية فإنه بذلك قد ضرب على الوتر الحساس لأعداد كافية من القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري ولكنه لم يترك لمؤيديه أي مجال للإنكار.

إن كلا من ميتش مكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ وبول رايان رئيس مجلس النواب يحاولان حماية جماعتهم؛ وذلك بالنأي بأنفسهم إلى حد ما عن ترامب. إن رايان أقل شعورا بالقلق مقارنة بمكونيل من خسارة أغلبيته ولكنه لا يريد المخاطرة، كما أن غالبية الأعضاء المحافظين في الكونجرس يضغطون عليه لتأييد ترامب دون تحفظ.

ورغم عدم تلقيه أية تنازلات من ترامب فيما يتعلق بالاختلافات الأساسية المتعلقة ببرنامج الحزب (وخاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات التجارية وبرامج الدعم الحكومي مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية) أو حتى التخفيف من حدة لهجته، قام ريان بكتابة مقال يفتقد للحماسة يوم 2 يونيو/حزيران ذكر فيه أنه سيصوت لترامب.

وفي اليوم نفسه أطلق ترامب هجوما عنصريا على جونزالو كوريل القاضي الفيدرالي المسؤول عن قضيتي احتيال ضد جامعة ترامب، وهي مؤسسة كانت تشجع الناس على إنفاق مبالغ ضخمة من أجل تعلم ما يفترض أن يكون تكتيكات الاستثمار العقاري التي جعلت ترامب غنيا. إن ترامب بشعر بالاستياء الشديد عندما يصف الناس جامعته الفاشلة بأنها احتيال.

لقد جادل ترامب في خطبه أمام حشود كبيرة بأن كوريل لن يكون عادلا معه لأنه مكسيكي (كوريل مولود في ولاية إنديانا)، وقد كانت هذه الدعوة الصريحة للتعصب من أجل خدمة مصالحه الذاتية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير لبعض الجمهوريين والذين تحملوا بالسابق هجماته السابقة على اللاتينيين، والآن وبعد أن أصبح مرشحهم فمن المرجح أن يقلل من فرص حزبه في الفوز بأصوات من أكثر المجموعات السكانية نموا في البلاد.

لكن رايان تظاهر بأنه تفاجأ وقال إن التعليقات غريبة وغير متوقعة، ووصف الهجمات المتجددة على كوريل بأنها "حالة واضحة من العنصرية"، ولكنه رغم ذلك أعاد التأكيد على دعمه لترامب لأن المرشحة الديمقراطية المفترضة هيلاري كلينتون ليست بديلا مقبولا.

إن الهدف الأسمى لمكونيل هو حماية الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ولكن ورغم تأييده لترامب فقد انتقده مرارا وتكرارا، وذكر مؤخرا بأنه يشعر بالقلق من أن ترامب لا يعرف الكثير عن القضايا. إن مارك كيرك وهو أحد أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري الذي يواجه معركة شرسة لإعادة انتخابه قد تراجع عن تأييده لترامب وقد ذكر مكونيل أنه لن يستبعد أن يعمل الشيء نفسه كذلك.

لقد أحيت هجمات ترامب العنصرية على كوريل بالإضافة إلى ردة فعله على مأساة أورلاندو الحديث عن محاولة إيقافه في مؤتمر الحزب في يوليو/تموز، ولكن مرة أخرى هناك مشكلة إيجاد الشخص الذي يمكن أن ينقذ الحزب من ضيفه غير المرغوب فيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.