المشهد الحزبي المغربي.. متغيرات ما قبل الانتخابات

رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران يصوت في الانتخابات البلدية

مؤتمر العدالة والتنمية
رسائل الأصالة والمعاصرة
إحياء الكتلة التاريخية
ما بعد الانتخابات

حُدد السابع من أكتوبر/تشرين الأول القادم موعدا لثاني اقتراع تشريعي بالمغرب في ظل مقتضيات دستور 2011، وأول انتخابات برلمانية عادية بإشراف حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية.

وينظر العديد من المراقبين إلى هذه الانتخابات كمحطة جديدة في مسار التجربة الديمقراطية الناشئة بالمغرب، أو ما بات يعرف بتجربة الإصلاح في ظل الاستقرار. وهي موعد مصيري بالنسبة لكل الأطراف الفاعلة على الساحة والتي ترنو إلى بلوغ سفينة النموذج المغربي شاطئ الأمان الديمقراطي في بحر عربي متلاطم الأمواج.

لم تجد الأمانة العامة لحزب العدالة مخرجا من مأزق انتهاء ولاية بنكيران إلا بتأجيل المؤتمر الوطني إلى ما بعد الانتخابات، فلا هي قادرة على التمديد لبنكيران لولاية ثالثة، لما يمثله ذلك من ضرب للديمقراطية الداخلية التي يُشهد بها للحزب من قبل الجميع، ولا هي مستعدة للتخلي عن الرجل في هذا المرحلة الاستثنائية جدا

لم تتوان الأحزاب السياسية من جانبها عن الاستعداد للموعد الذي تراه من ناحية فرصة للتأكيد على أن ما عرفه المغرب خلال السنوات الخمس الماضية لم يكن مجرد جملة اعتراضية، وإنما انتقالا على درجة عالية من الأهمية وتغييرا نوعيا في العديد من المجالات، والسعي من ناحية ثانية لتلافي سيناريوهات غير منتظرة من قبيل ما وقع في آخر انتخابات، حين بعثرت التحالفات حصاد صناديق الاقتراع، والعمل من ناحية ثالثة على التموقع في خريطة القوى السياسية الجديدة للمرحلة المقبلة.

مؤتمر العدالة والتنمية
وجدت قيادة وقواعد العدالة والتنمية أنفسهم أمام إشكال تجديد القيادة، فالولاية الثانية للأمين العام عبد الإله بنكيران تنتهي شهر يوليو/تموز القادم، ومعلوم أن القانون الداخلي للحزب لا يسمح بولاية ثالثة تجنبا لمعضلة الزعامة، لكن أغلب المناضلين، ومعهم فئة عريضة من المغاربة، يقرون بأن الرجل جمع من مقومات الشخصية الكاريزمية ما يجعله المناسب لقيادة المرحلة المقبلة، بما تحفل به من تحديات ورهانات في حال تصدر الحزب نتائج الانتخابات.

لم تجد الأمانة العامة للحزب مخرجا من هذا المأزق الذي وضعها بين المطرقة والسندان إلا بتأجيل المؤتمر الوطني إلى ما بعد الانتخابات، فلا هي قادرة على التمديد لعبد الإله بنكيران لولاية ثالثة، لما يمثله ذلك من ضرب للديمقراطية الداخلية التي يُشهد بها للحزب من قبل الأعداء قبل الأصدقاء، ولا هي مستعدة للتخلي عن الرجل في هذا المرحلة الاستثنائية جدا.

ولذلك كان الخيار المتاح هو تأجيل المؤتمر بدعوى أن تنظيمه في الموعد المحدد ستكون له انعكاسات على الترشيحات، إذ يجب تغيير جميع الهياكل الجهوية والمحلية للحزب وفق ما تمليه القوانين الداخلية للحزب.

بهذا القرار أرسل إخوان بنكيران إشارات إلى أكثر من جهة في مقدمتها الدولة العميقة التي تسعى للإيقاع بين الإسلاميين والمؤسسة الملكية، فبنكيران ملكي أكثر من الملك، وهذا وضع يؤرق كثيرا تلك الجهات الراغبة في دفعه للاصطدام مع الملك. ورسالة أخرى تعبر عن رغبة الحزب في أن يكون بنكيران رئيسا للحكومة المقبلة، مما سيتيح للرجل مواصلة الإصلاحات التي دشنها المغرب منذ 2011، كما أن فيه تفويتا للفرصة على الخصوم ممن يعيبون عليه تصرفه كأمين عام للحزب في إدارة ومؤسسات الدولة، في وقت ينبغي أن يتصرف فيها بصفته رئيسا لحكومة كل المغاربة.

ويضع قبل كل ذلك حدا للأقاويل التي تروج عن بروز تيارات في صفوف إسلاميي المغرب، ولكل حديث عن أجنحة داخل الحزب تسعى لتغيير إستراتيجيته في المرحلة المقبلة بتغيير قيادته الحالية. هذه الأخيرة لم تحظ بإجماع من ذي قبل أكثر مما هي عليه اليوم؛ بالنظر لشخصية الأمين العام الذي استطاع أن يحتوي الجميع، ويخلق بشعبيته وحضوره القوي متاعب لخصومه.

رسائل الأصالة والمعاصرة
انتخب حزب الأصالة والمعاصرة قيادة جديدة في مؤتمره الوطني الثالث، وأعاد النظر في هياكله لتتوافق مع رؤية وإستراتيجية المرحلة القادمة. مؤتمر لم يحمل الكثير من المفاجئات، ما عدى انتخاب الأمين العام إلياس العمري مرشحا وحيدا وبدون منافس، إنه رجل الظل أو العلبة السوداء للحزب -كما يلقب- الذي فضل الخروج إلى العلن واللعب على المكشوف.

جاء انتخاب الرجل في مرحلة مهمة من مسار الحزب، فداخليا يعرف منعطفا لتحديد هويته الإيديولوجية وضبط اختلالاته التنظيمية، ورغبته في تجاوز مبررات التأسيس الأولى المرتبطة بكونه منتوجا سياسيا غير طبيعي، محميا من جهات عليا لخدمة أجندة معينة. إنها محاولة التخلص من لعنة "شرعية الولادة ".

جاء انتخاب العمري لقيادة الأصالة في مرحلة مهمة من مسار الحزب، فداخليا يعرف منعطفا لتحديد هويته الإيديولوجية وضبط اختلالاته التنظيمية، ورغبته في تجاوز مبررات التأسيس الأولى المرتبطة بكونه منتوجا سياسيا غير طبيعي، محميا من جهات عليا لخدمة أجندة معينة. إنها محاولة التخلص من لعنة "شرعية الولادة "

وخارجيا يراهن على إعداد وتأهيل الحزب لاستحقاق أكتوبر، إذ يراه مناسبة لإنهاء المد الإسلامي الذي لم يصمد في تجارب الربيع العربي، لكن الأمد طال عليه في السياق المغربي، خصوصا وأن قراءة خاصة لنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة (الهيمنة في البوادي، رئاسة محافظات) تحمل من المؤشرات ما يشجع على المضي قدما في هذا الطموح.

كثيرة هي الرسائل التي أعقبت المؤتمر، أولها السعي لفك الارتباط مع الدولة، إذ بانتخاب ابن الريف على رأس الحزب، يقدم الدليل بأنه لم يعد حزبا لدولة وأعيانها بل حزبا للشعب والجماهير، لتبقى الخطوة الموالية هي العمل على نيل ثقة الشارع في الحزب وفي مشروعه، خصوصا أنه يطمح لاستنساخ تجربة حزب نداء تونس في مواجهة الإسلاميين.

وثانيها إثبات الوجود في الساحة السياسية، وهو ما جاء على لسان القيادي عبد اللطيف وهبي بقوله: "بالرغم من التواجد الجماهيري الهام للحزب كما هو واضح من خلال نتائج الانتخابات، لم يستطع الحزب أن يفرض وجوده السياسي على الأحزاب الأخرى"، ليكون بذلك الحزب قد وجه دعوة على بياض -بانتخاب تلك القيادة- إلى كافة الأحزاب التي تجد نفسها ضمن قطب "حداثي ديمقراطي" بغية التصدي للإسلاميين.

وأهم الرسائل أن أسلوب مواجهة بنكيران خلف الكواليس والاستعانة بالآخرين لم تجد نفعا في ذلك، لتكون الخطوة التالية هي المواجهة المباشرة بانتخاب إلياس العماري صاحب التجربة والخبرة في الكواليس الذي لم يتردد في الإفصاح عن ذلك بعيد انتخابه.

إحياء الكتلة التاريخية
تلقت الأحزاب المغربية درسا قاسيا في الانتخابات المحلية الأخيرة بعد إدراكها أن معركة حصاد الأصوات مهمة، لكن الأهم منها يبقى تصريفه في تحالفات منطقية تعكس إرادة المواطنين المعبر عنها في الصناديق.

منذ ذلك الحين والحنين إلى إحياء الكتلة التاريخية -التي نظر لها الراحل محمد عابد الجابري– يتردد على أكثر من لسان، خصوصا مع تكشف معالم الانتخابات المقبلة بانقلاب حزب الاستقلال من موقع المعارضة إلى المساندة النقدية للحكومة، وازداد منسوب مشروع التحكم والعودة إلى ما قبل 2011.

وقائع خندقت الجميع في صف واحد، فالأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط الذي كان وراء خروج حزبه من النسخة الأولى للحكومة يقر ولأول مرة بأن عبد الإله بنكيران يفتقد إلى الدعم اللازم حتى يُفعل الصلاحيات القوية التي منحها الدستور الجديد لرئيس الحكومة، قائلا: "بنكيران مطالب بحماية الشعب المغربي، نحن معه ونؤيده، فليتدخل ويمارسه اختصاصاته الدستورية".

إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض من جهته يؤكد على أن المرحلة تستدعي وحدة الصف، "فنحن بصدد لحظة تاريخية، ونريد ذبح التماسيح من الوريد ومحو العفاريت من الوجود، لكن بالقوانين.. التحكم لا يحارب بالشعارات، هناك إجماع بيننا على أن الأمور ليست على ما يرام". ويضيف الرجل في حديثه عن مشروع إحياء الكتلة التاريخية "الكتلة مفتوحة لكل الديمقراطيين من أجل محاربة الفساد والتحكم".

أما نبيل بنعبد الله زعيم التقدم والاشتراكية المشارك في التحالف الحكومي فله بادرة إثارة الموضوع في حواره مع يومية مغربية حين قال: "نحن في حاجة إلى كتلة قوية.. وإذا تمكنا من إعادة لم شمل الكتلة، وكانت هناك إمكانية للتعامل مع العدالة والتنمية، كما فعلنا منذ أربع سنوات، فليكن. إن مصلحة البلاد تقتضي السير في هذا الاتجاه"، قبل أن يضيف في تفسير أسباب التحالف الحالي قائلا: "لقد وجدنا العدالة والتنمية في الخندق نفسه مدافعا عن المؤسسات وعن الديمقراطية، وعن إبعاد كل مصادر التحكم في القرار السياسي، وهذا ما يفسر وجودنا في حكومة بنكيران".

ينتظر المغاربة من الحكومة فتح النقاش حول العديد من المسائل العالقة، منها: نمط الاقتراع، التقطيع الانتخابي، جدوائية اللوائح، الجهة المشرفة على الانتخابات.. إلى غير ذلك من النقاط التي سيساهم حسمها في التهيئة لموسم انتخابي جيد يتطلع المشاركون فيه إلى حصاد ديمقراطي وافر يجعل تجربتهم فعلا "استثناء مغربيا"

بهذا تكون فكرة الإحياء أقصد السبل لتحصين المكتسبات، وحماية ما تم تحقيقه منذ انطلاقة الربيع في نسخته المغربية، وأفضل مشروع سيخول للأحزاب اصطفافا جيدا في الانتخابات القادمة بدخولها في جبهة موحدة.

ما بعد الانتخابات
بعثرت فكرة إحياء الكتلة جزء من أوراق المعارضة، والسيناريوهات الممكنة لما بعد أكتوبر محدودة على رؤوس الأصابع؛ فالمشهد الحزب المغربي يكشف عن نفسه بشكل يُظهر إلى حد كبير ما تعد به صناديق الاقتراع.

وهكذا يكون الاحتمال الأول هو تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات؛ خصوصا وأن زعيمه استثمر جيدا طيلة ولايته معادلة فريدة في تاريخ السياسة بالمغرب، وهي ترأس الحكومة والاستمرار في انتقاد "نوع من الحكم"؛ بمقتضاه صار يحكم ويعارض في الوقت نفسه.

فالرجل خلق لنفسه هامشا للحركة السياسية وهو في الحكومة، وقد ازداد مدى هذا الهامش مع وصول إلياس العماري إلى قيادة الأصالة والمعاصرة، فالعديد من المتتبعين يرون أن انتخابه جاء هدية على طبق من ذهب للعدالة والتنمية، وخدمة سياسية ودعائية له، لأن العماري يعطي حزب صديق الملك هوية تساعد بنكيران على توضيح شكل التحكم الذي يحدث الناس عنه.

أما الاحتمال الثاني فهو نزول إسلاميي المغرب من السفينة، وصعود حزب الأصالة والمعاصرة الذي يمني نفسه بالسير على خطى حزب نداء تونس في الفوز على الإسلاميين، وسيعتمد في تحقيق ذلك على عنصرين هما خلو سيرتهم السياسية من أي مسؤوليات في الحكومات السابقة، والقرارات غير الشعبية للحكومة الحالية من أجل الإصلاح، والذي دفعت الطبقات الشعبية القسط الأكبر من كلفته.

قبل تحقق أي من السيناريوهين ينتظر المغاربة من الحكومة فتح النقاش حول العديد من المسائل العالقة، منها: نمط الاقتراع، التقطيع الانتخابي، جدوائية اللوائح، الجهة المشرفة على الانتخابات.. إلى غير ذلك من النقاط التي سيساهم حسمها في التهيئة لموسم انتخابي جيد يتطلع المشاركون فيه إلى حصاد ديمقراطي وافر يجعل تجربتهم فعلا "استثناء مغربيا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.