صفقة جديدة لصالح اللاجئين

FILE PHOTO - Refugees and migrants wade across a river near the Greek-Macedonian border, west of the the village of Idomeni, Greece, March 14, 2016. REUTERS/Stoyan Nenov/File Photo REUTERS PICTURES OF THE YEAR 2016 - SEARCH 'POY 2016' TO FIND ALL IMAGES

اليوم، هناك 21.3 مليون لاجئ في مختلف أنحاء العالم. وهذا يعني 21.3 مليون شخص دفعهم الخوف من العنف أو الاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو الجنسية أو السياسة أو الهوية إلى الخروج من بلدانهم. وكثيرون منهم يعيشون في مخيمات مكتظة وغير آمنة، ويفتقرون غالبا إلى الضرورات الأساسية، في انتظار منحهم حق اللجوء من قِبَل دولة أو أخرى.

ولكن حتى اللجوء غير كاف لتمكين اللاجئين من إعادة بناء حياتهم. ذلك أن وضعهم القانوني كلاجئين يساعد في حماية حقوقهم الإنسانية في الأمد القريب، ولكنه لا يكفل لهم الدعم الاقتصادي لتلبية احتياجاتهم في الأمد الأبعد. والآن حان الوقت لإنشاء نظام يُقر بوضع اللاجئين الخاص على المستوى الاقتصادي، فضلا عن وضعهم القانوني الخاص.

والأسس التي يستند عليها مثل هذا النظام قائمة بالفعل. فقد تأسس البنك الدولي استجابة لآخر أزمات اللاجئين التي هزت العالم خلال الحرب العالمية الثانية. فبعد الحرب، أنشأت عشرات البلدان البنك ليس لإعادة بناء أوروبا ببساطة، بل وأيضا لتلبية احتياجات أولئك الذين شُردوا.

في العقود التي تلت تأسيسه، ساعد البنك الدولي في تمويل جهود التنمية الدولية والحد من الفقر. ولا يزال حتى الآن المنصة الأفضل لجمع المال بسرعة وفعالية لتلبية الاحتياجات العالمية الملحة، والواقع أنه يعمل بالفعل على معالجة أزمة اللاجئين الحالية.

في العقود التي تلت تأسيسه، ساعد البنك الدولي في تمويل جهود التنمية الدولية والحد من الفقر. ولا يزال حتى الآن المنصة الأفضل لجمع المال بسرعة وفعالية لتلبية الاحتياجات العالمية الملحة، والواقع أنه يعمل بالفعل على معالجة أزمة اللاجئين الحالية

ويهدف مرفق التمويل الميسر التابع للبنك إلى توفير من 3 إلى 4 مليار دولار في هيئة قروض منخفضة التكلفة للحكومتين الوطنيتين في الأردن التي شهدت نموا سكانيا بنسبة 10% ولبنان الذي شهد نموا سكانيا بلغ 25%، بسبب تدفق اللاجئين السوريين. وكجزء من برنامج مرفق التمويل الميسر، يعمل البنك الدولي على جمع مليار دولار من المانحين لتمويل خفض أسعار الفائدة من المستويات المعتادة للدول المتوسطة الدخل (وهو ما ينطبق على الأردن ولبنان) إلى مستوى الدول الفقيرة.

لكن هذا النهج، حيث يجري توجيه الدعم عبر الدول ويتم تسليمه في هيئة قروض، هو نهج معيب جوهريا. ذلك أن الدول على الخط الأمامي لأزمة اللاجئين تواجه إجهادا اقتصاديا خطيرا؛ فمجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث المضيفة الرئيسية، الأردن ولبنان وتركيا أقل من 6% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الدول مدينة بالفعل وتناضل من أجل تمويل أولوياتها الاستثمارية، مثل التعليم والبنية الأساسية والأمن.

ومن غير المنطقي اضطرار الدول المضيفة إلى تحمل المزيد من الديون، من أجل دعم اللاجئين. فهذا من شأنه في أقل تقدير أن يدفع السكان المحليين إلى اعتبار اللاجئين عبئا ماليا وسببا لاستنزاف الموارد الوطنية، ولن يُفضي هذا بطبيعة الحال إلى إدماج اللاجئين، ناهيك عن ازدهارهم.

ولتجنب هذا التصور -وإعطاء اللاجئين الفرص الحقيقية للازدهار- يتطلب الأمر تقديم المنح وليس القروض، ولابد من تسليم هذه المنح ليس عن طريق الحكومات بل بشكل مباشر في هيئة برامج لتعليم اللاجئين، والإنفاق على مشاريع البنية الأساسية، والرعاية الصحية، وتشغيل العمالة. ومن الأهمية بمكان أن تكون هذه المنح مستدامة عبر ما يسمى "التمويل المرن".

ولا ينبغي أن نغفل عن الأهمية البالغة للحلول الطويلة الأجل؛ فالعديد من اللاجئين اليوم نزحوا من بلادهم منذ عقود من الزمن، وقد ولِدت ونشأت أجيال جديدة من الأبناء والأحفاد في مخيمات لاجئين متزايدة الانتشار مثل مخيم داداب في كينيا. ومن الواضح أن بناء كيان جديد مخصص لتقديم الدعم الاقتصادي الطويل الأجل أمر بالغ الأهمية لتحسين حياة بعض الناس الأكثر حرمانا في العالم.

ومن الممكن أن يعمل مثل هذا الكيان في إطار برامج المنح التي تقدمها جمعية التنمية الدولية التابعة للبنك الدولي، والتي تسلم التمويل بهدف تعزيز المساواة، والنمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتوفير ظروف معيشية أفضل. وكل هذا مطلوب لتمكين مثل هذا التمويل من الذهاب ليس فقط للدول الفقيرة بل وأيضا للاجئين المشردين الفقراء.

بمجرد تأهيل اللاجئين للحصول على مِنح جمعية التنمية الدولية، يستطيع البنك الدولي أن يجمع الأموال بسرعة -ما قد يصل إلى 5 مليارات دولار أميركي سنويا- من خلال إصدار سندات باستخدام تصنيفه الائتماني الممتاز الذي ناله مؤخرا. وبمرور الوقت، يستطيع أن يسدد لمستثمريه بالاستعانة بالأموال التي جرى جمعها من خلال نداءات خاصة لتجديد الموارد المالية لجمعية التنمية الدولية.

ويبقى سؤال حاسم: من المسؤول عن تسليم الأموال للاجئين؟ عندما يسلم البنك الأموال للحكومات، يصبح الواضح من المسؤول، ولكن في حالة اللاجئين، يصبح لزاما على منظمات أخرى في الدولة المضيفة أن تضطلع بهذا الدور.

بمجرد تأهيل اللاجئين للحصول على مِنح جمعية التنمية الدولية، يستطيع البنك الدولي أن يجمع الأموال بسرعة -ما قد يصل إلى 5 مليارات دولار أميركي سنويا- من خلال إصدار سندات باستخدام تصنيفه الائتماني الممتاز الذي ناله مؤخرا

ولكن مرة أخرى لن يتطلب الحل تغييرا جذريا؛ فلن يكون من الصعب أن يعين البنك الدولي أمانة صغيرة لإضفاء الطابع الرسمي على شبكة من المنظمات العامة والخاصة وغير الحكومية الأكثر فعالية على الأرض لتلقي وتوزيع المنح على اللاجئين.

ومن الممكن أن تشمل هذه الشبكة وكالات داخل الدول، مثل وزارات التعليم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، حيث تعني فجوة قيمتها مليار دولار المجازفة بدفع مليون طفل لاجئ إلى إهدار عام دراسي آخر. وقد يشمل أيضا هيئات الأمم المتحدة مثل منظمة الأغذية والزراعة، التي كانت رائدة تشغيل اللاجئين من خلال برنامج المال في مقابل العمل والتي تساعد في إعادة تأهيل البنية الأساسية الزراعية التي تشتد الحاجة إليها في الدول المضيفة، في حين تعمل على تمكين اللاجئين اقتصاديا.

وأخيرا، من الممكن أن تشمل الشبكة شركات بادئة مبدعة. على سبيل المثال، بان كيو (BanQu) منظمة تستخدم نظام تشفير بلوك تشين لدعم "منصة الهوية الاقتصادية"، وهي بطاقة هوية افتراضية عالمية بلا حدود يمكنها تتبع المعلومات الحيوية لكل اللاجئين الذين يبلغ عددهم 21.3 مليون لاجئ، بما في ذلك حسابات التدريب على المهارات، والتاريخ الوظيفي والتعليمي، وقوائم المعاملات المالية السابقة، والسجلات الصحية.

أشار الأمين العام المقبل للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عندما كان يشغل منصب مفوض الأمم المتحدة الأعلى لشؤون اللاجئين، إلى أن النظام الذي تولى إدارته "مفلس ماليا"، وكان محقا. فبدلا من خلق فرص الاستقرار والنجاح للاجئين في دول جديدة، كان النظام الذي يفترض أن يعالج الأزمة الحالية سببا في إعاقة التقدم، وتوليد الاستياء والسخط، ومضاعفة الضغوط المفروضة على الحكومات المنهكة بالفعل. والآن حان الوقت لبناء نظام جديد على أسس النظام القديم، نظام يعمل على خلق فرص حقيقية للاجئين لتحقيق الازدهار والرخاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.