هل يُفلِت لبنان من لعنة الموارد؟

Lebanese President-elect Michel Aoun (L) meets with Lebanese Prime Minister-designate Saad Hariri (R) at the presidential palace in Baabda, east Beirut Lebanon, 03 October 2016. Lebanese President-elect Michel Aoun asked former Premier Saad Hariri to form a new government.

بعد عامين ونصف العام من دون رئيس، انتخب البرلمان اللبناني ميشال عون لمنصب الرئيس
. والآن بات بوسع لبنان أن يحول انتباهه إلى إنتاج النفط والغاز، مع ارتفاع توقعات صناع السياسات ــ إلى حد يشارف على الوفرة الطائشة ــ بأن تكون مكاسب الطاقة غير المتوقعة كافية لدفع عجلة اقتصاد البلد الذي عانى من سوء الإدارة السياسية والاقتصادية والآثار الجانبية المترتبة على الحرب الأهلية الدائرة في سوريا.
الواقع أن الثروة الهيدروكربونية المحتملة في لبنان قد تعمل حقا على تغيير البلد، فضلا عن تقديم نموذج تقتدي به الدول الأخرى المنتجة للطاقة في الشرق الأوسط. ولكن يتعين على صناع السياسات أن ينتبهوا إلى أربعة مخاطر رئيسية. فبادئ ذي بدئ تتسم أسعار النفط والغاز بالتقلب، ومستقبل الوقود الأحفوري في عموم الأمر غير مؤكد. فقد انحدرت أسعار النفط والغاز بنحو 60% منذ يونيو/حزيران 2014، ومن غير المرجح أن تتعافى في الأمد المتوسط. فنحن نعيش الآن عصر "المعتاد الجديد" للنفط، والذي يتميز بوجود مصادر وفيرة للطاقة البديلة.

وثانيا، لا يزال حجم احتياطيات لبنان من الطاقة القابلة للاستخراج غير مؤكد. وعلى نفس القدر من الأهمية، حتى في ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلا، تظل قدرة البلاد على إدارة عمليات استخراج وإنتاج وتوزيع النفط والغاز غير مؤكدة أيضا.

ثالثا، تعمل النزاعات الإقليمية الدائرة في المنطقة ــ وغياب الاتفاق على الحدود البحرية مع قبرص وإسرائيل وسوريا ــ على خلق حالة من عدم اليقين القانوني بشأن من يملك ومن يستغل كتلا بعينها من النفط والغاز.

ورابعا، يتعين على زعماء لبنان أن يتعاملوا مع السياسة المختلة والإدارة الرديئة، والتي من المرجح أن تتسبب في إحباط أي محاولة لإدارة موارده الطبيعية بشفافية وبصورة مستدامة.
هل يتمكن لبنان إذن من الإفلات من لعنة "غائط الشيطان" (النفط الخام)، التي أصابت العديد من جيرانه في الشرق الأوسط؟

تفترض تقديرات صندوق النقد الدولي المتفائلة لعائدات لبنان المحتملة من النفط والغاز أن الإنتاج سيبدأ في عام 2021، لكي يصل إلى كامل طاقته بحلول عام 2036، ثم يستمر إلى عام 2057. في هذا السيناريو، بمجرد بدء الإنتاج، سوف تشكل عائدات الموارد نحو 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في لبنان، وتمثل نحو 9% من الإيرادات الحكومية في ذروة الإنتاج، قبل أن تتجه نحو الانخفاض تدريجيا.

ولكن حتى إذا بيعت كتل النفط والغاز على الفور تقريبا، في عام 2017، ثم استُكشِفت بنجاح، فإن العائدات الناجمة عن هذا لن تصل قبل عام 2022 في أقرب تقدير. أي أن المن والسلوى لن يهبطا على لبنان من السماء قريبا.

من ناحية أخرى، يتعين على القيادة اللبنانية الجديدة أن تعكف على معالجة المأزق المالي الكئيب، بما في ذلك عجز موازنة عام 2016 التي تبلغ نحو 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي والدين الحكومي الذي يبلغ في مجموعه 144% من الناتج المحلي الإجمالي ــ وهي واحدة من أعلى نسب الدين العام في العالَم. وهذا يعني أن لبنان لابد أن يخضع لتعديلات مالية قوية عاجلا وليس آجلا، وأن أي عائدات من النفط والغاز في المستقبل سوف يُستَقطَع منها بكثافة.

بيد أن حُكم لبنان هو القضية الأكثر أهمية الآن، لأن البلاد لابد أن تعمل على إرساء الأساس اللازم لإدارة ثروته من الوقود الأحفوري على النحو اللائق. ويتلخص الدرس الرئيسي المستفاد من دول أخرى غنية بالموارد في أن غياب الحكم الرشيد ــ المؤسسات القوية، وسيادة القانون، والقواعد التنظيمية الفعّالة ــ يعني أن مكاسب الطاقة المفاجئة التي ينتظرها لبنان من المرجح أن تُفضي إلى المزيد من الفساد، في ظل محاولة أصحاب المصالح الخاصة والساسة الاستئثار لأنفسهم بالريع.
في وجود المستنقع الذي تظل السياسة اللبنانية غارقة فيه بلا انقطاع، يتعين على القيادة الجديدة أن تعمل على إنشاء نظام مالي سليم وإطار متين للحكم لضمان الشفافية في استغلال وإنتاج الطاقة، والاستدامة المالية، والعدالة بين الأجيال. ولن يتسنى لها تحقيق هذه الغايات من دون الاستعانة بخريطة طريق صحيحة.

أولا، لضمان الإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية في لبنان، ينبغي للحكومة أن تنضم رسميا إلى مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية. تشترط هذه المبادرة إفصاح الهيئات الحكومية والشركات عن المعلومات المتعلقة باستخراج وإنتاج النفط والغاز. ويشمل هذا العقود والتراخيص؛ والتفاصيل حول كيفية عرض الكتل ــ وحقوق الاستكشاف والإنتاج ــ في المزاد أو منحها؛ وأرقام العائدات، لضمان التزام الشركات بمبدأ "انشر ما تدفع"؛ ودراسات الآثار البيئية (البحرية والبرية)؛ والتقارير حول كيفية تخصيص الحكومة لإيراداتها.

ثانيا، ينبغي للبنان أن يتبنى رسميا ميثاق الموارد الطبيعية. وينبغي إدماج أحكام الميثاق الاثني عشر، التي ترشد أصحاب المصلحة في اتخاذ القرار، في التشريعات والقواعد التنظيمية ذات الصلة من قِبَل الحكومة اللبنانية، والبرلمان، والهيئات التنظيمية المعنية، ومنظمات المجتمع المدني مثل مبادرة الغاز والنفط في لبنان.

ثالثا، ينبغي للبنان أن يؤسس هيئة تنظيمية مستقلة للطاقة، عن طريق جعل إدارة البترول اللبنانية مستقلة عن وزارة الطاقة والمياه وتوسيع تفويضها بحيث يشمل موارد لبنان الطبيعية. والاحتياج إلى هذا الانفصال والاستقلال واضح لحماية إدارة الموارد الطبيعية وعملية اتخاذ القرار من التدخل السياسي.

وأخيرا، ينبغي للبنان أن يتبنى إطارا قانونيا لفرض قيود طويلة الأمد على السياسة المالية. وبشكل خاص، لابد من تحديد الإنفاق الحكومي وفقا لتقدير للدخل الدائم (بما في ذلك المساهمة المستدامة من عائدات الموارد)، في حين يجري ادخار العائدات الدورية في صندوق للثروة السيادية.وينبغي لهذه القاعدة المماثلة لسوابق معروفة جيدا في شيلي والنرويج أن تنص على ادخار كل المكاسب غير المتوقعة من أسعار الطاقة بشكل تلقائي، وأن يتحدد الإنفاق الحكومي وفقا للعائدات الضريبية المعدلة دوريا، فضلا عن حصة من عائدات الطاقة.

الواقع أن المخاطر التي تواجه لبنان مرتفعة. ولن يتسنى لهذا البلد المضطرب في هذه المنطقة العاصفة أن يحول نفسه إلا إذا أدار ثروته المرتقبة من النفط والغاز بكفاءة وعلى النحو السليم. أو قد يخضع لتلك اللّعنة التي من شأنها أن ترسخ ثقافة الإهدار والمحسوبية والفساد وعدم المساواة في البلاد.

إن ثروة النفط والغاز في لبنان تنتمي إلى كل مواطنيه،الحاليين والقادمين في المستقبل. وإذا أسست القيادة الجديدة عملية اتخاذ القرار على الإجماع الوطني ــ وضمن إطار إداري يضمن الشفافية والإفصاح والمساءلة ــ فسوف تزول اللعنة. وربما يرى آخرون في المنطقة أن مثل هذا النجاح يستحق المحاكاة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.