ليبيا.. اختطاف الصخيرات

A view shows pipelines at the Zueitina oil terminal in Zueitina, west of Benghazi, Libya September 14, 2016. Picture taken September 14, 2016. REUTERS/Esam Omran Al-Fetori

الهجوم على العقل
منطق المغالبة
اختطاف وطن
سيناريوهات ممكنه

كما أن الثورة الليبية قامت بين ثورتين عن اليمين وعن الشمال في تونس ومصر فإنها تعيش الآن بين معسكرين يريدان الإجهاز على ثورتها من تونس ومصر.

في تونس يبدو أن المثابات الثورية التي كونها القذافي للتبشير بجماهيريته لاتزال تحشد كل إمكاناتها لإثارة حالة من الصراع المستمر، فهي تدعم الشباب التونسي اليائس من الأوضاع في تونس للانضمام للتيارات الإرهابية وهذا سر أن كثيرا من أعضاء التنظيم جاءوا من تونس.

أما في مصر فقد دخل نظام السيسي في عقود آجله بتكوينه دولة موازية مع مجموعة من العسكريين والساسة والمثقفين الليبيين لضمان تدفق رأس مال يسمح لهم بالإنفاق على ثلة من أتباعهم الذين يحسنون الدفاع عن النظام الذي يحكم مصر الآن.

بين هذا الزخم من البيروقراطية العسكرية وتنظيم الدولة المتطرف والفكر الفوضوي تجد المؤسسات الوليدة في ليبيا في تأزم وسير نحو المجهول.

الهجوم على العقل
ما إن وقع اتفاق الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015 من الطرفين الممثلين للصراع في ليبيا حتى بدأ مجلس النواب المتواجد في طبرق بمحاولة اختطاف الاتفاق واستثماره لصالحه؛ فالاتفاق السياسي اعتبر أن أقرب الأطراف لتمثيل الشعب الليبي هما مجلس النواب والمؤتمر الوطني، ولم يعط لمجلس النواب السلطة التشريعية ويعيدها له بعد أن سقط هذا المجلس في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وفق مقترحات لجنة فبراير/شباط التي بموجبها شرع المؤتمر الوطني العام بإجراء انتخابات مجلس النواب في يونيو/حزيران 2014. بمعنى آخر فالسلطة أو الشرعية الآن في ليبيا ليست شرعية انتخابية بل هي شرعية توافقية جاءت بناء على اتفاق هذه الأطراف لحل معضلة البلد.

لكن مجلس النواب وبخطوات واضحة لكل مراقب يقوم بنشر سردية عبر وسائل الإعلام المختلفة مفادها أنه السلطة التشريعية المنتخبة وأنه يستطيع إقصاء الجميع من المشهد، لذا قام بتأجيل منح الثقة للحكومة التي قدمها المجلس الرئاسي لمجلس النواب لأكثر من ستة أشهر وبعد مناكفات وفي جلسة لا تخضع لأي معنى من المراقبة الفعلية لطريقة صناعة القرار صوت المجلس بعدم منح الثقة لحكومة الوفاق وذلك في 22 أغسطس/آب 2016.

هذا التصويت وفق الاتفاق لا يعطي لهذا المجلس أي صلاحيات تنفيذية، بل إن الاتفاق أعطى للمجلس الرئاسي حق التوقيع والتمثيل لمؤسسات الدولة، لكن السردية التي يصر عليها أعضاء من مجلس النواب وهم من يبتزون باقي الأعضاء للهجوم على الاتفاق واختطافه يصرون على أن يستغلوا هذا الفراغ في ممارسة كافة السلطات؛ لذا نراهم يصبغون هجوم قوات الكرامة المدعومة بقوات من حركة العدل والمساواة القادمة من الجنوب على منطقة الهلال النفطي ويعطون للجنرال المتقاعد خليفة حفتر الحق في إصدار قرارات مصيرية حتى دون علم المجلس نفسه، ويدينون حالة الفراغ لإقناع الجميع أنهم السلطة الوحيدة في البلد وهكذا يصبحون رغم كل بنود الاتفاق ومحاولة التوازن التي يسعى لها أن ينفذوا مشروعهم الذي صار ظاهرا بإعادة البيروقراطية العسكرية إلى ليبيا تماما كما فعل عبد الناصر بنصرة العسكر في ليبيا والجزائر.

منطق المغالبة
بعد أن جعل مجلس النواب البلاد في حالة مراوحة وسط عجز من الهيئات المنبثقة عن الاتفاق السياسي واستنكار من المجتمع الدولي لا ترتقي لحجم المخطط الذي تقوده مصر وفرنسا ودولة الإمارات، بدأ الجيش التابع لحفتر في الهجوم على الهلال النفطي وبدأ الحديث في اليوم التالي لهذا الهجوم عن التوجه لطرابلس على لسان المتحدث باسم الجنرال حفتر، و ذلك بعد يوم من السيطرة الهشة على موانئ في الهلال النفطي.

وفي عشرين من الشهر الماضي وفي لقاء مع قائد عملية الكرامة خليفة حفتر بدأ المشروع أكثر وضوحا فقد ذكر أنه ينسق مع رئيس مصر عبد الفتاح السيسي في كل خطواته، وصرح المستشار الخاص لحقتر على إحدى القنوات المصرية أنهم مستعدون لتصدير النفط لمصر بالجنيه المصري وهذا ينفي كل الإشاعات التي يروجها أنصار حفتر بأن الهجوم على الهلال النفطي جاء من أجل الوطن الليبي ولإعادة تصدير النفط.

اختطاف وطن
ما يقوم به حفتر والرئيس السيسي ظاهر لكل متابع لتكوين البيروقراطية العسكرية في الوطن العربي؛ فالرجلان يريدان استمرار تدفق الأموال لخزينتيهما حتى يتسنى لهما الاستمرار في دفع الأموال لأتباعهما ولجنودهما وفوق جماجم الآلاف الذين سقطوا في بنغازي، أو أجدابيا أو عبر الاستهتار بآدمية العائلات العالقة في منطقة قنفودة غرب بنغازي التي صدرت في حقهم تقارير من منظمات حقوقية دون استجابة من مليشيات حفتر.

يبدأ الرجلان في محاولة بناء النموذج المحبب لدى العسكر وهو استقلال المؤسسات العسكرية عن السلطات المدنية، لذا فالنزاع الحقيقي الآن يكمن في رغبة حفتر أن يظل منصب القائد العام كما هو. هذا المنصب الذي لا يتماهى مع مفهوم الدولة المدنية إذ يعطي للمؤسسة العسكرية الحرية في التصرف في القرار والأموال، وهو النموذج ذاته الذي جعل دولا مثل مصر وليبيريا وسوريا.. تقبع في خانة التخلف والفساد والفشل منذ عقود في كافة المؤشرات الدولية.

هذا المشروع تدعمه غرف من أنصار القذافي في تونس ومصر. ويجب ملاحظة أن الخلاف بين المشروعين كبير، لكن الدعم مستمر ففريق حفتر لا يستطيع أن يجهر بكفره بثورة فبراير ورموزها كالعلم والنشيد والمشروع الذي جعله قائدا للجيش العام وفق النموذج الذي يريد، بينما تريد مجموعات أنصار القذافي -التي تؤكد معلومات أنهم وراء انتشار تنظيم الدولة في سرت، وفق بعض التحقيقات مع من أسروا في سرت- عودة نظام القذافي بكل جنونه ورموزه. ولكن هذا الخلاف لم يمنعهم من التنسيق الاستخباراتي والعسكري فمحمد بن نائل أحد رموز القذافي الذي أفرج عنه من مصراته في أبريل/نيسان السابق، لم يكد يخرج من السجن حتى التحق بجنود حفتر، وكان على رأس القوات التي دخلت الهلال النفطي.

العمل الآن جار على تأمين طريق الجنوب لإحضار جنود آخرين من تشاد، فقد زار حفتر تشاد هذا الشهر وقصفت طائرة يبدو أنها تابعة له يوم الثلاثاء 20 سبتمبر/أيلول مواقع في هون جنوب ليبيا حيث تتمركز القوة الثالثة الموالية لحكومة الوفاق.

سيناريوهات ممكنه
الحسابات التي ذكرنا طرفا منها لبعض الأطراف تنسى حقيقة مهمه وهي انتشار السلاح في ليبيا وغموض الولاءات فيها، فكما ذكر أكثر من باحث مراقب لشؤون ليبيا أن الأخطر في ليبيا هو عدم اليقين من شيء، مما يصعب توقع حجم القوة لدى الأطراف المختلفة واستجلاء حقيقة الرأي العام أو التخمين بالنوايا.

وسينعكس هذا على المشهد الليبي لأن الحديث عن دستور أو شرعية في حالة من غياب العقل ومحاولات الاختطاف واستباحة كافة القيم المكونة للمجتمع هو نوع من الاستخفاف بالعقول؛ لذا فإن السيناريوهات المتوقعة في الحالة الليبية تبقى على النحو التالي:

– سيناريو التقسيم، وسيتعزز هذا السيناريو أكثر إذا لم يضع المجتمع الدولي قوة ليبية محايدة لحماية الهلال النفطي.

-انتشار الصراع، فالمناطق الملتهبة في وسط البلاد في الهلال وسرت وقريبا في الجنوب تعزز من سيناريو انتشار الصراع، كما أن نشاط وجود بوكر حرام والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في المنطقة يزيد المخاوف من انهيار الأوضاع إلى حالة مشابهة للحالة السورية.

ورغم ذلك فهناك عوامل تجعله مرجوحا أهمها الاتفاق المبدئي بين القوى الدولية حول وضع هذه المنطقة في حالة سكون، بمعنى تأجيل البت فيها لحين الانتهاء من المسألة السورية. ولذا نجد أن الاتفاق السياسي صار كالمعلقة لم ينفذ ولم يلغ من الأساس وهذا هو المطلوب ولا يمنع ذلك تدخلا هنا أو هناك كلما اقتضى الأمر.

– السيناريو الأخير هو انتقال الصراع لحالة أدنى مما هي عليه؛ فيقر مجلس النواب حكومة الوفاق ويظل الوضع أفضل حالا، ويستمر الأمر لحين تقوى مؤسسات الدولة ويجد الجميع موضع قدم في السياسة الليبية والمشهد الدستوري القادم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.