إسرائيل إذ تذرف دموع التماسيح على لاجئي سوريا

Local police watch Syrian refugees who were rescued off the coast of Cyprus arriving at a designated accommodation area in the village of Kokkinotrimithia, near Nicosia, Cyprus, 06 September 2015. The Cypriot authorities rescued early this morning 115 people, including women and children, who were in distress in a small boat off Cyprus south east coast. The ship had departed from Syria with non - combatant refugees onboard.
وكالة الأنباء الأوروبية

موقف عنصري لا إنساني
مصلحة إسرائيلية
فزع من الفلسطينيين

أخذت بعض النخب الإسرائيلية تذرف دموع التماسيح على اللاجئين السوريين، في محاولة بائسة للظهور برداء إنساني وقيمي تفضح زيفه دفاع هذه النخب عن ممارسات الكيان الصهيوني الإجرامية، التي تسببت في إنتاج واحدة من أقسى موجات اللجوء القسري في التاريخ الحديث.

فقد حاول رئيس حزب العمل الصهيوني إسحاق هيرتزوغ توظيف صورة الرضيع السوري "أيلان" الذي قذف به البحر بعد غرق السفينة التي كانت تقله في عرض البحر، في تبرير دعوته لاستيعاب عدد من اللاجئين السوريين في إسرائيل كخطوة تعكس "إنسانية إسرائيل واختلافها عن محيطها".

كان يمكن للمرء أن يصدق هيرتزوغ وأن يثق بأن مسوغات أخلاقية وقيمية حقيقية تقف خلفها، لولا أنه قد مضى عام فقط على حرب غزة الأخيرة، التي كان هيرتزوغ بوصفه زعيما للمعارضة خلالها أحد أعمدة الدعاية الإسرائيلية التي بررت إزهاق أرواح الرضع الفلسطينيين، الذين قتلوا بصورة أبشع بكثير من الصورة المأساوية التي وثقت مقتل أيلان.

لقد دافع هيرتزوغ وبقية قادة "اليسار" الصهيوني عن قتل الأطفال الفلسطينيين الأربعة الذين كانوا يلهون على شاطئ بحر غزة عصر عيد الفطر أثناء الحرب، وحمّل المقاومة الفلسطينية وقتها المسؤولية عن هذه الحادثة المروعة، التي وثقتها كاميرات نشطاء السلام الأجانب.

كان يمكن للمرء أن يصدق هيرتزوغ لولا أنه قد مضى عام فقط على حرب غزة الأخيرة، التي كان هيرتزوغ بوصفه زعيما للمعارضة خلالها أحد أعمدة الدعاية الإسرائيلية التي بررت إزهاق أرواح الرضع الفلسطينيين، الذين قتلوا بصورة أبشع بكثير من الصورة المأساوية التي وثقت مقتل أيلان

لقد كان زعيم المعارضة الإسرائيلية، الذي تعهد قبل أسبوعين فقط، بأنه سيكون "أكثر شراسة" من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مواجهة الشعب الفلسطيني، من أبرز المهاجمين لمنظمة "يكسرون الصمت" الإسرائيلية التي وثقت شهادات لضباط وجنود أقروا فيها بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب على غزة.

ليس هذا فحسب، بل إن هيرتزوغ بارك القرار الذي اتخذه مؤخرا رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي جادي إيزنكوت بترقية قائد لواء "جفعاتي" عوفر فنتور إلى رتبة جنرال، وهو الذي أمر بتنفيذ مجزرة "الجمعة الأسود" في رفح، والتي قتل فيها 135 فلسطينيا، من بينهم 75 طفلا، حيث كان من مسوغات الترقية أداء فنتور "القيادي المتميز أثناء الحرب".

ولا حاجة للتذكير بأن هيرتزوغ وقادة "اليسار" الصهيوني لم يحركوا ساكنا إزاء المعضلة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة، ويدافعون عن سياسة الحصار الممارسة على القطاع، مع العلم أن تقريرا صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة أكد أن القطاع سيصبح مكانا غير لائق لعيش البشر بعد خمس سنوات فقط.

يعي هيرتزوغ أنه لا يشغل موقعا رسميا، وبالتالي بإمكانه أن يطلق مثل هذه الدعوات دون أن يترتب عليها أي التزام. ولقد أوجزت افتتاحية صحيفة هآرتس الاثنين الماضي في وصف النفاق الإسرائيلي، كما يظهره ردود بعض نخبهم تجاه مأساة اللاجئين السوريين. فقالت: "ردود الإسرائيليين على ما يتعرض له اللاجئون السوريون يبرز فقط نفاقهم لأنهم يشعرون بالتضامن والتعاطف مع غير اليهود، وضمنهم العرب، فقط عندما يكونون بعيدين عن حدود إسرائيل وعندما لا يترتب على هذا التعاطف أي إجراء عملي".

ولا حاجة للتذكير بأن هناك أكثر من عشرة ملايين لاجئ فلسطيني تشتتوا في أصقاع الأرض بعد أن طردتهم إسرائيل التي كانت تحت قيادة الجيل المؤسس المنتمي كله لحزب العمل، الذي ورث هيرتزوغ قيادته.

موقف عنصري لا إنساني
من المفارقة أن وسائل الإعلام اختارت التركيز على دعوة هيرتزوغ، ولم تعر اهتماما لردود دوائر الحكم والنخب الإسرائيلية التي سفهت هذه الدعوة. فقد رفض نتنياهو دعوة هيرتزوغ، على اعتبار أن إسرائيل "تفتقد العمق الجغرافي والديمغرافي الذي يسمح باستيعاب لاجئين". أي بكلمات أخرى، فإن إسرائيل يكون لديها عمق جغرافي فقط عندما يفد إليها اليهود من أصقاع العالم.

وإن كانت مقتضيات "الدبلوماسية" منعت نتنياهو من التعبير بشكل واضح عن موقفه من الدعوة لاستيعاب اللاجئين السوريين، فإن الكاتب اليميني عومر دستوري كتب مقالا في عدد الاثنين الأخير من صحيفة "يسرائيل اليوم" أوضح فيه أن إسرائيل لا يمكنها التعاطي بأي شكل من الأشكال مع قضية اللاجئين السوريين.

لا حاجة هنا للتذكير بأن هناك أكثر من عشرة ملايين لاجئ فلسطيني تشتتوا في أصقاع الأرض بعد أن طردتهم إسرائيل التي كانت تحت قيادة الجيل المؤسس المنتمي كله لحزب العمل، الذي ورث هيرتزوغ قيادته

وبرر ذلك بأنها "دولة اليهود التي وجدت من أجل حل مشاكل اليهود فقط ولمنحهم الشعور بالأمن، في حين أن هناك دولا إسلامية ومسيحية بإمكانها استقبال اللاجئين السوريين من مسلمين ومسيحيين".

من هنا، فإن خلفية التعاطي الرسمي الإسرائيلي مع قضية اللاجئين السوريين عنصرية وليست إنسانية.

مصلحة إسرائيلية
إن إسرائيل التي تتصنع التأثر بأوضاع اللاجئين السوريين، تجاهر بأن استمرار المأساة السورية يمثل مصلحة إستراتيجية لها. فقد نقلت صحيفة هآرتس في عددها الصادر بتاريخ 13-3 عن مصادر في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي قولها إن مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تتمثل في تواصل المواجهات بين نظام الأسد ومعارضيه، على اعتبار أن تواصل هذه المواجهات يضمن أطول فترة من الهدوء على الحدود.

لكن عند المفاضلة بين نظام بشار الأسد المسؤول المباشر عن مأساة اللاجئين وبين المعارضة السورية المسلحة، فإن إسرائيل لا تتردد في تفضيل انتصار وبقاء النظام. إن أكثر ما يدلل على تفضيل إسرائيل لبقاء نظام الطاغية ما جاء في تقدير الموقف الذي نشره "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، الذي يرأس مجلس إدارته وكيل وزارة الخارجية دوري غولد، بتاريخ 31-5، والذي اعتبر غياب نظام الأسد بمثابة "تهديد للبيئة الإقليمية" لإسرائيل.

وينقل الصحافي آفي سيخاروف في تقرير نشره في موقع "وللا" بتاريخ 23-7 عن محافل إسرائيلية وأميركية قولها إن نظام الأسد تحوّل من مشكلة إلى "جزء مهم من الحل". وقد أظهرت بعض النخب العسكرية الإسرائيلية حماسا كبيرا لبقاء نظام الأسد لدرجة أن الجنرال عيزر تسفرير، الذي شغل مواقع مهمة في شعبة الاستخبارات العسكرية، كتب مقالا في صحيفة هآرتس بتاريخ 4-7 دعا فيه إلى ضرورة أن تبادر إسرائيل لمد نظام الأسد بالسلاح، على اعتبار أن السماح بسقوطه وتمكين الحركات الإسلامية من الحلول محله يمثل تهديدا جدّيا لمصالح إسرائيل.

وقد توسع الكاتب جاكي حوكي في مقال نشره موقع "يسرائيل بالس" بتاريخ 14-7 في الحديث عن مسوغات التدخل الإسرائيلي من أجل الحفاظ على نظام الأسد. من هنا، فإن أي سيناريو يضمن التخلص من حكم الطاغية وتطبيع حياة السوريين في بلادهم يمثل في نظر إسرائيل الرسمة تهديدا يتوجب عدم السماح به.

فزع من الفلسطينيين
إن الرد الإسرائيلي الرسمي العملي على دعوة هيرتزوغ تمثل في الشروع في تدشين الجدار الإسمنتي على طول الحدود مع الأردن. فحسب الدعاية الإسرائيلية، فإن هذا الجدار سيحول دون تدفق اللاجئين من سوريا والعراق، الذين يمكن أن يتجهوا لاقتحام الحدود. وإن كان هذا التسويغ يكشف طابع الاعتبارات التي تحكم المنظومة الحقيقية التي توجه دوائر الحكم في تل أبيب، فإنه لا يعبر كثيرا عن طابع المخاوف من تداعيات موجة النزوح القسري التي تتواصل في سوريا.

قصارى القول إنه لا يمكن لآخر كيان استيطان إحلالي على وجه الأرض، الذي لا ينفك عن التسبب بوقوع المأساة تلو المأساة للعرب والفلسطينيين خصوصا، أن يظهر بمظهر الحريص على التخفيف من وقع مأساة لاجئي سوريا

وفي الواقع، فإن اللاجئين الفلسطينيين هم من يثير الفزع في صفوف القيادة الإسرائيلية. فإنْ كان المسوغ "الإنساني"، في نظر إسرائيل، لا يصلح مبررا للسماح باستيعاب اللاجئين السوريين، فإنّ إسرائيل تعي أنه سيكون من الصعوبة بمكان عليها تبرير التصدي لموجات من اللاجئين الفلسطينيين، الذين سيطالبون بحقهم في العودة إلى الأراضي الفلسطينية التي شردت عائلاتهم منها عشية وأثناء حرب 1948.

لقد ظل هذا السيناريو هاجسا يقض مضاجع قادة إسرائيل، لا سيما بعدما بادر عدد كبير من الشباب الفلسطينيين قبل سنوات عدة باقتحام الحدود مع سوريا باتجاه فلسطين. ومن الواضح أن أكثر من ما يقلق إسرائيل أن يتوجه اللاجئون الفلسطينيون من سوريا لاقتحام الحدود مع فلسطين، فهؤلاء اللاجئون يجمعون بين الحق الوطني والقانوني في العودة لأرضهم، علاوة على أن طابع المعاناة الإنسانية يساهم فقط في تعزيز التعاطف الدولي والتضامن الإنساني مع أية خطوة من هذا القبيل يقدمون عليها.

وعلى الرغم من أنه لم يسجل حتى الآن رد إسرائيلي رسمي على دعوة رئيس السلطة الفلسطينية بالسماح باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة، فإنه سبق لدوائر صنع القرار في تل أبيب أن رفضت مثل هذا الاقتراح. إن إسرائيل التي تقدم على كل الخطوات التي تهدف إلى تقليص قدرة الفلسطينيين على الصمود والثبات على أرضهم في الضفة الغربية، لن تسمح باستقدام اللاجئين الفلسطينيين من سوريا حتى لدواع إنسانية.

إن الحكومة الإسرائيلية التي يبدي العديد من أعضائها حماسا لسن تشريع يضمن ضم مناطق "ج" -التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية- إلى إسرائيل لا يمكن أن توافق على أي تغيير في موازين القوى الديمغرافية في الضفة الغربية يؤثر سلبا على مخططاتها المستقبلية للاستحواذ على أكبر مساحة من الأرض لبناء المزيد من المستوطنات ولضمان إسدال الستار على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية.

قصارى القول، لا يمكن لآخر كيان استيطان إحلالي على وجه الأرض، الذي لا ينفك عن التسبب في وقوع المأساة تلو المأساة للعرب والفلسطينيين خصوصا، أن يظهر بمظهر الحريص على التخفيف من وقع مأساة لاجئي سوريا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.