رفع مستوى الدعم العسكري الروسي أم بداية غزو سوريا؟

مطار حميميم.. روسيا تديره وتسعى لتوسعته
مطار حميميم.. روسيا تديره وتسعى لتوسعته

التدخل الروسي
التدخل في سوريا
أهداف وحيثيات التدخل
القلق الأميركي 

يثير رفع مستوى الدعم العسكري الروسي للنظام السوري، ووصوله إلى درجة الوجود المباشر على الأراضي السورية، أسئلة حول التوقيت، وحول حيثيات وأسباب وأهداف وجود جنود وخبراء روس، باتوا يتحكمون بمطارات وأماكن عسكرية، فضلاً عن قيادة طيارين روس لطائرات حديثة، تقصف مواقع الثوار والفصائل العسكرية المعارضة، والحاضنة الشعبية لهم.

التدخل الروسي
لا شك أن روسيا البوتينية (نسبة للرئيس فلاديمير بوتين)، عبر تدخلها في جورجيا عام 2008 واقتطاع إقليمين منها (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا)، وفي أوكرانيا عام 2014، وفي سوريا منذ بداية الأزمة إلى اليوم، تطمح إلى لعب دور الدولة العظمى، التدخلية، ذات الأذرع الطويلة، والنفوذ الواسع، كما تطمح لأن تمسك بخيوط جميع الملفات الساخنة، فيما يكشف واقع الحال أنها ليست أهلاً لمثل هذه التحديات، ولا تملك ممكنات ومؤهلات القيام بمثل تلك الأدوار، على مختلف المستويات، الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، كونها أقرب إلى دولة ريعية، يعتمد اقتصادها، بشكل أساسي، على ما تجنيه من بيع النفط والغاز والأسلحة.

بالرغم من الصعوبات الاقتصادية، التي تواجهها روسيا، فإنها مازالت تحافظ على تدخلاتها العسكرية، من خلال الحفاظ على وجودها العسكري الواسع في الجمهوريات السوفياتية السابقة

وقد تأثر الاقتصاد الروسي كثيراً في الآونة الأخيرة، مع هبوط أسعار النفط، وتراجع قيمة الروبل (الدولار الأميركي يعادل 68 روبلا)، حيث ارتفعت معدلات التضخم بالعشرات، مع ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30%. وشهدت روسيا هجرة كبيرة لرؤوس الأموال، وصلت قيمتها إلى مئتي مليار دولار.

وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية، التي تواجهها روسيا، فإنها مازالت تحافظ على تدخلاتها العسكرية، من خلال الحفاظ على وجودها العسكري الواسع في الجمهوريات السوفياتية السابقة. 

وتنشر روسيا أكثر من تسعة آلاف جندي في شرق أوكرانيا حيث يتواجه الجيش النظامي الأوكراني مع انفصالين موالين لروسيا، حسبما أعلن ذلك الرئيس الأوكراني "بترو بوروشنكو" في المنتدى الاقتصادي العالمي الماضي، الذي عقد في دافوس (سويسرا)، إضافة إلى أكثر من خمسمئة دبابة وقطع مدفعية ثقيلة وآليات لنقل الجند.

ويورد تقرير لمجلة "نيوزويك"، في ديسمبر/كانون الأول 2014، أن عدد القوات المرابطة في أرمينيا يبلغ 3200 جندي روسي، وفي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية سبعة آلاف جندي، وفي ترانسنيستريا 1500، وفي قيرغيزستان خمسمئة جندي، وفي طاجيكستان خمسة آلاف جندي. 

وأرسلت روسيا أكثر من عشرين ألف جندي، عند احتلالها شبه جزيرة القرم، حسبما صرح الرئيس الروسي، معتبراً أن هذا العدد تجيز نشره معاهدة مع أوكرانيا في القاعدة البحرية الروسية في سيباستوبول.

أما عدد عناصر القوات المسلحة الروسية يتراوح بين سبعمئة وثمانمئة ألف عنصر، فيما لا يزال الجيش الروسي يعتمد على المجندين، في حين أن عدد العاملين (المتطوعين) فيه يبلغ حوالي ثلاثمئة ألف عنصر.

التدخل في سوريا 
 يتسق التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، مع نمط النهج الانتقامي، الذي سلكه الرئيس بوتين حيال الثورة السورية، منذ انطلاقتها في منتصف مارس/آذار 2011، وحيال أغلب القضايا الدولية التي طرأت في السنوات الأخيرة على الصعيد العالمي. 

ولم يخف بوتين طموحه حول استعادة مجد روسيا الغابر، واعتبر أنصاره أنه أوفى بوعده في جورجيا، وفي شبه جزيرة القرم، وأوكرانيا، وسوريا، من خلال الاعتماد على لغة القوة في تنفيذ ذلك الطموح الإمبراطوري، المعادي لطموحات الشعوب، والمحاكي لماضٍ روسي في غزو أفغانستان عام 1979، وفي حرب الشيشان الأولى (1994-1996)، وحرب الشيشان الثانية (1999-2000) وسواها. 

ويثير رفع مستوى الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد، في أيامنا هذه، مخاوف من تحوله إلى تدخل عسكري مباشر، أو غزو روسي جديد، ويحاكي هذا التدخل الروسي، التدخل الإيراني في سوريا، حيث دفعت إيران إلى سوريا بعشرات آلاف المقاتلين من خبراء وعناصر في الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات الطائفية، مثل حزب الله اللبناني، والمليشيات العراقية والأفغانية وسواها.

أرسلت روسيا إلى سوريا عتاداً عسكرياً متطوراً، شمل ست طائرات مقاتلة حديثة جداً، ويقودها طيارون روس، إلى جانب مئات المدرعات وناقلات الجند الحديثة أيضا

وازداد الوجود العسكري الروسي بشكل نوعي وكمي، خلال الأيام الماضية, حيث يقدر المحللون العسكريون أن أكثر من ألف جندي روسي دخلوا إلى سوريا، عبر ميناء طرطوس، الذي توجد فيه القاعدة العسكرية الروسية، وتوزعوا على محافظات اللاذقية وحماة وإدلب، كما دخل أيضاً مئات الخبراء والطيارين الروس، الذين بدؤوا بإعادة تأهيل، وإدارة مطار "حميميم" العسكري، الواقع بالقرب من مدينة اللاذقية، بشكل كامل.

وأرسلت روسيا إلى سوريا عتاداً عسكرياً متطوراً، شمل ست طائرات مقاتلة من طراز ميغ -31، وقاذفات قنابل من طراز "سوخوي 27″، وسوخوي 34 – SU" حديثة جداً، ويقودها جميعاً طيارون روس، إلى جانب مئات المدرعات وناقلات الجند الحديثة أيضاً، وقد رصدت الفصائل المقاتلة والثوار، تحليق طائرات الميغ والسوخوي، فوق عدة مناطق في إدلب وريف حماة، وقامت بغارات على بعض المواقع خلال الأسبوع الماضي.

أهداف وحيثيات التدخل
لا شك في أن الهدف الأساس لـ موسكو من رفع مستوى الدعم العسكري هو منع تهاوي نظام الأسد، وإسناد ودعم قواته والمليشيات التي تقاتل دفاعاً عنه، التي تلقت هزائم عديدة، وآخرها فقدان السيطرة على مطار أبو الظهور، وبالتالي تمكينه على الأقل من الحفاظ على ما تبقى من المناطق تحت سيطرته.

ويأتي هذا الدعم العسكري النوعي لنظام الأسد، بعد محاولات الدبلوماسية الروسية تسويق حلّ سياسي، يبقي على الأسد، ويشرك المعارضة والأسد في قتال التنظيمات المتطرفة، ضمن تحالف رباعي إقليمي، يجمع النظام السوري مع العربية السعودية وتركيا والأردن، والهدف من ذلك تسويق الأسد، وتلميع صورته، وإعادة الشرعية الدولية إليه من باب محاربة "الإرهاب".

وأظهرت حيثيات التحرك الروسي الدبلوماسي، الذي نشط مؤخراً، أنها مبينة على فهم، يعتبر أن عناصر الحل أو التسوية التي تسعى إليها موسكو، ترى في الأسد رجلها الأوحد، وتنهض على أفكار نظرية، على طريقة الخبراء الروس في الشرق الأوسط، التي تنمذج دول المنطقة في قالب شرقي، أو بالأحرى استشراقي، مبني على تصور ثابت لطبيعة نظام الحكم، وشكل الدولة، وسوى ذلك. وهو نموذج أقرب إلى النموذج السوفياتي المندثر، والمفصول عن الواقع ومستجداته.

وجاء التدخل الروسي العسكري في سوريا كردة فعل كيدي على فشل المسعى السياسي الروسي، وعدم قبوله من قبل قوى المعارضة السورية والفصائل المعارضة، إلى جانب رفض المملكة العربية السعودية وتركيا وسواها لمنطلقات وتصورات الحل الروسي.

غير أن الهدف الأعمق للتدخل الروسي في سوريا، ليس محاربة "الإرهاب" كما يحاول الساسة الروس قوله للعالم، بل إنهم يريدون أن يتخذوا الأزمة السورية مثلاً لإظهار مدى قوتهم وتأثيرهم في الأزمات الدولية، بعد أن أعلنوا عودة اللاعب الروسي من جديد إلى مسرح الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الثورة الليبية، التي أحسوا من خلالها أن الغرب أبعدهم وتجاهلهم، ويريدون من الدول الغربية أن تحسب حسابهم وتشركهم في حّل القضايا والأزمات الدولية.

يبدو أن الساسة الروس يهدفون إلى إعطاء تمركزهم في المنطقة العربية بعداً إستراتيجياً جديداً، يطل على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، بحيث تتحول اللاذقية إلى سيباستوبول

لكن، هنالك فرق شاسع ما بين أن تعود روسيا دولة قويّة، كي تؤكد حضورها في منطقة الشرق الأوسط، بحيث لا تتجاهل مصالحها الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول الاتحاد الأوروبي، وبين أن تكون روسيا المعرقل لأي حلّ سياسي في أزمة دولية، مثل الأزمة السورية.

ويبدو أن الساسة الروس يهدفون إلى إعطاء تمركزهم في المنطقة العربية بعداً إستراتيجياً جديداً، يطل على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، وقد تتحول اللاذقية إلى سيباستوبول (مدينة أوكرانية توجد بها القاعدة البحرية الروسية منذ القياصرة)، خاصة أن قوات النظام السوري فقدت كامل محافظة إدلب تقريباً، بحيث أصبح ميناء اللاذقية يواجه خطر المعارضة، ما يعني خسارة القاعدة الروسية في طرطوس أيضاً، لذلك ليس مصادفة أن تكون ذراع التدخل الروسي هي ذراع بحرية في سوريا، امتدت حتى مطار حميميم القريب من اللاذقية.

القلق الأميركي
لا شك في أن التدخل الروسي المتزايد في سوريا، والذي وصل إلى حدّ إنزال أعداد كبيرة من الجنود والمستشارين الروس، كان من المفترض به أن يلقى ردّ فعل قوي من طرف الإدارة الأميركية، بوصفها إدارة الدولة العظمى في العالم، لذلك استغرب العديد من المراقبين ردة فعل الإدارة الأميركية، التي لم تبد سوى قلقها حيال التدخل العسكري الروسي في سوريا، بل إن بعضهم يذهب إلى القول إن الأمر تمّ بالتنسيق ما بين واشنطن وموسكو، خاصة أن إدارة الرئيس، باراك أوباما، لم تبذل جهداً حقيقياً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بالرغم من أنها تنادي به على الدوام، كما أنها لم تقدم ما يكفي لمساعدة مقاتلي المعارضة السورية والشعب السوري.

ولعل الساسة الروس يريدون إرسال رسالة للإدارة الأميركية، مفادها أن أي عملية تسوية دولية مقبلة، لا يمكنها أن تنجح دون ضمان حصة كبرى لهم فيها، بعد أن اكتشفوا تردد وتخلي إدارة أوباما عن تقديم دعم حقيقي للمعارضة السورية، مع بداية قبولها لبقاء الأسد، مقابل أولوية الحرب على تنظيم الدولة، ولعل ما هو مبطن أيضاً هو عدم رغبة موسكو أن تترك الكعكة السورية كلها لنظام الملالي في إيران، وعلى هذا الأساس حرص ساسة موسكو على الاجتماع ليس فقط بمسؤولين غربيين وعرب وسوريين، بل بقاسم سليماني المسؤول العسكري عن معركة الدفاع الإيرانية عن بشار الأسد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.