الانتخابات المغربية.. شوط في مسار الإصلاح

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران في أحد التجمعات أثناء الحملة الانتخابية للبلديات والجهات 2015
الجزيرة

حياد الدولة
معارك حزبية
ما بعد الانتخابات

كان المغاربة يوم الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري على موعد مع ثاني استحقاق انتخابي تشهده البلاد بعد دستور 2011، الذي جاء بفعل حراك مغربي بطعم خاص ومميز. محطة انتخابية حبلى بالتوجسات والمخاوف، من عودة المشروع الإصلاحي في نسخته المغربية إلى المربع الأول، والردة على ربيع المغاربة، سيرا على خطى باقي الدول العربية.

يتعلق الأمر بالانتخابات المحلية والجهوية (المحافظات) التي جاءت في سياق استثنائي داخليا، مرتبط في الجانب المؤسساتي بإتمام تنزيل مقتضيات الدستور الجديد؛ ومن ضمنها مشروع الجهوية المتقدمة حيث أفرزت هذه الاستحقاقات مجالس ستكون أول تطبيقاته العملية. وفي الجانب السياسي بلوغ شعار "نهاية الإسلاميين" بالمغرب ذروته من قبل خصومهم في الداخل والخارج على السواء.

تمت تزكية هذا السياق المتفرد بتزكية العرس الانتخابي في حد ذاته، إذ لأول مرة يستدعى ما يربو على 15 مليون مغربي للاقتراع من أجل انتخاب 31 ألفا و503 ممثلين عنهم داخل المجالس الجماعية والجهوية، ضمن قائمة مرشحين تضم 130 ألفا و925 مرشحا، يحملون لون أكثر من ثلاثين هيئة سياسية، فضلا عن لوائح للمستقلين. وبلغ عدد الترشيحات الخاصة بالانتخابات الجهوية 7577 ترشيحا، توزعت على 895 لائحة لشغل 678 مقعدا.

مجريات هذه الانتخابات أكدت صدق نوايا الأطراف الفاعلة في مسلسل الإصلاح بالمغرب، حيث بقيت الدولة شبه محايدة في هذا الاستحقاق النوعي عكس ما توقع العديد من المراقبين، مما أفسح المجال أمام مختلف الفرقاء السياسيين لقياس شعبيتهم

بلغت نسبة حضور الشباب كمرشحين في هذا الاستحقاق 27%، في حين وصلت حصة النساء 40%، وتشكل الوجوه الجديدة التي لم يسبق لها التباري في أي استحقاق انتخابي 72%.

تداخلت عناصر إلى جانب أخرى لتعطي هذا الاقتراع المحلي والجهوي الصرف المتصل بتدبير الشأن اليومي للمواطن (تدبير النفايات، والإنارة العمومية، ووسائل الترفيه، وخدمات القرب) أضعاف حجمه الحقيقي، إذ أضحى فرصة لتقييم أداء حكومة الإسلاميين ومن معهم في التحالف الحكومي، وفي ذات الوقت رسم معالم خريطة الانتخابات التشريعية السنة المقبلة.

حياد الدولة
أكدت مجريات هذه الانتخابات صدق نوايا الأطراف الفاعلة في مسلسل الإصلاح بالمغرب، حيث بقيت الدولة (المخزن) شبه محايدة في هذا الاستحقاق النوعي، عكس ما توقع العديد من المراقبين، مما أفسح المجال أمام مختلف الفرقاء السياسيين ليقيس كل واحد منسوب شعبيته، ويضع حصيلته في ميزان التقويم من قبل المواطن المغربي.

وللإشارة، فهذه الانتخابات عرفت التأجيل مرتين، إذ كان من المقرر أن تجرى أواسط سنة 2012، لكن الخوف من تقدم الإسلاميين في عز الثورات العربية، وعلى غرار تشريعات نوفمبر/تشرين الثاني 2011 فرض تأخيرها بدعوى عدم جاهزية النصوص القانونية المنظمة لها، ثم تحول موعدها مجددا بداية هذه السنة من شهر يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول بطلب تقدمت به أحزاب المعارضة إلى الحكومة.

عودا إلى النتائج، وبلغة الأرقام، شارك نحو 8.12 ملايين ناخب في هذا الاقتراع، وهو ما يمثل نسبة 52.36% من المسجلين في اللوائح الانتخابية. ولهذا الرقم دلالتان: فهو أولا مؤشر على تزايد حجم ثقة المغاربة في العملية السياسية التي انطلقت بعد الحراك المغربي الذي جاء بدستور جديد، تنازل فيه الملك محمد السادس عن جزء مهم من سلطاته لصالح الحكومة والبرلمان.

وثانيا يكشف مدى وعي الناخب بتحديات المرحلة التي ستعرف تنزيلا لمقتضيات الفصل 146 من الدستور المتعلق بتحديد الاختصاص، وشروط تدبير الجهات والجماعات الترابية وتطبيق قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع وإقرار ضوابط المحاسبة.

كانت حصيلة المشاركة النسائية مهمة جدا في هذه الانتخابات بما مجموعه 6673 مقعدا، أي ما يعادل تقريبا ضعف العدد المسجل خلال الاقتراع الجماعي لسنة 2009، بينما أفرزت ذات النتائج وجود 15 ألفا و28 منتخبا جماعيا جديدا، أي ما يعادل تقريبا نصف العدد الإجمالي للمنتخبين. وبلغت الثلث تقريبا بالنسبة للجهة برقم حدد في وجود 242 منتخبا جهويا جديدا.

معارك حزبية
تظهر نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية أن الناخب المغربي انتصر للتصويت السياسي، خاصة أن الحملة الانتخابية قدمها قادة الأحزاب السياسية في قالب حملة برلمانية لانتخابات جماعية، أي عِوَض التنافس في البرامج حول من له الأفضلية لإدارة المدن والقرى، ومن يُجوّد خدمات القرب للمواطنين، أصبحنا أمام من يحافظ على الاستقرار، ومن يهدد الديمقراطية ويتحالف مع الفساد والاستبداد… إلى غير ذلك.

يعن أمر هذا التصويت بجلاء في النتائج النهائية لانتخابات مجالس الجماعات والمقاطعات متى قرئت قراءة مغايرة لتلك السائدة، وجاء حصاد الأحزاب السياسية وفق الترتيب التالي:

الترتيب

اسم الحزب

عدد المقاعد

النسبة %

الموقع

1

الأصالة والمعاصرة

6655

21.12

المعارضة

2

الاستقلال

5106

16.22

المعارضة

3

العدالة والتنمية

5021

15.94

الحكومة

4

التجمع الوطني للأحرار

4408

13.99

الحكومة

5

الحركة الشعبية

3007

9.54

الحكومة

6

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

2656

8.43

المعارضة

7

التقدم والاشتراكية

1766

5.61

الحكومة

8

الاتحاد الدستوري

1489

4.73

المعارضة

9

تحالف فيدرالية اليسار الديمقراطي

333

1.06

المعارضة

10

الحركة الديمقراطية الاجتماعية

297

0.94

المعارضة

11

جبهة القوى الديمقراطية

193

0.61

المعارضة

12

العهد الديمقراطي 

142

0.45

المعارضة

 

بقية المقاعد موزعة بين 12 حزبا سياسيا واللامنتمين

تكشف القراءة السطحية لهذه الأرقام أن أحزاب المعارضة هي التي انتصرت في هذا الانتخابات، غير أن واقع الحال ليس كذلك؛ فالتقطيع الانتخابي المعمول به في المغرب لا يسمح بفرز خارطة انتخابية واضحة الملامح بعد أي مشهد انتخابي برلماني أو محلي، فهو لا يعطي الفائز بأكبر عدد من الأصوات أكبر عدد من المقاعد، مما يسوغ قراءة أخرى لهذه النتائج، والتي يظهر فيها فوز العدالة والتنمية الذي جاء ثالثا في الترتيب أعلاه فيما يلي:

أولا: اكتساحه العديد من المدن (الدار البيضاء، وفاس، ومكناس، وطنجة، والقنيطرة، وأكادير، والراشدية، …) بأغلبية مطلقة على مستوى مجالس المقاطعات التي لم يحتج فيها لتحالفات.

ثانيا: حصد حزب العدالة والتنمية الصدارة من حيث عدد الأصوات، والتي ناهزت مليون ونصف مليون صوت، متقدما بذلك على حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على مليون صوت، وحزب الاستقلال الذي لم يصل مجموع أصواته عتبة المليون.

ثالثا: مضاعفة الإسلاميين مرتين مجموع الأصوات المحصل عليها في انتخابات 2009، والمحددة في 460 ألف صوت إلى 1.5 مليون صوت في 2015، وهذا رقم يفوق حصادهم في تشريعات 2011 في عز الربيع المغربي.

رابعا: تصدر حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال المراتب عائد إلى الهجرة للقرى حيث التصويت الفردي، المحكوم بمنطق القبيلة والنفوذ والأعيان وأحيانا المال، في حين حصد الإسلاميون أصوات المدن حيث الطبقة الوسطى تنتخب على أساس الحزب والبرنامج والخطاب.

وعليه يظهر أن الانتصار الانتخابي بلغة الأرقام المضللة أحيانا في صالح حزب الأصالة والمعاصرة، لكن الانتصار السياسي ذي المفعول بعيد الأمد في كفة حزب العدالة والتنمية.

وفيما يتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الجهوية، التي تقلص عددها إلى 12 جهة بموجب التقسيم الجهوي الجديد عوض 16 جهة المعتمدة في التقسيم الجهوي القديم، وخلافا لما ذهبت إليه أغلب الآراء التي توقعت تصويتا عقابيا على العدالة والتنمية بعد أربع سنوات من التسيير، فقد كشفت هذه النتائج عن تفويض شعبي لهذا الحزب في الجهات.

يبدو أن إسلاميي المغرب حين امتنعوا كحزب عن الدخول في حراك "20 فبراير" كانوا يؤمنون بواقع سياسي آخر، يمكن فيه ابتداع نموذج مغربي يؤكد فعلا "الاستثناء المغربي" في السياق العربي، أساسه "المساعدة في الحكم"، وهو أمر لم يكن تحصيله سهلا في السياق المغربي المكتظ بالمتناقضات

تشير المؤشرات إلى أن الاسلاميين حريصون على تدبير تشكيل مجالس الجهات مع الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي (التقدم والاشتراكية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية) بالدرجة الأولى، وهو أمر له أكثر من دلالة لدى المواطن العادي، وفيه إشارة قوية إلى "عقلنة" التحالفات وعودة العمل السياسي لرشده في المغرب.

ما بعد الانتخابات
يبدو أن الاسلاميين بالمغرب حين امتنعوا كحزب عن الدخول في حراك "20 فبراير"، كانوا يؤمنون بواقع سياسي آخر، يمكن فيه ابتداع نموذج مغربي يؤكد فعلا "الاستثناء المغربي" في السياق العربي، أساسه "المساعدة في الحكم"، وهو أمر لم يكن تحصيله سهلا في السياق المغربي المكتظ بالمتناقضات.

نسبيا، نجح إخوان المغرب في هذا الأمر بعد هذه الاستحقاقات التي قوت موقعهم في دواليب التدبير، غير أن التحديات التي تواجههم -ومعهم التجربة المغربية برمتها- تزداد يوما بعد آخر، وتزداد معها المخاطر التي تهدد مسارهم في ظل التراجع الكبير للإسلام السياسي في المنطقة. ويمكن إيراد البعض منها على سبيل المثال لا الحصر:

– انتخاب بعض الوزراء على رأس الجهات (البيضاء، والقنيطرة، وفاس، …) سوف يفرغ الحكومة من الأطر والكفاءات التي راكمت من التجربة الشيء الكثير.

– وجوب اعتماد مبدأ "المشاركة لا المغالبة" في التسيير لأن عمر الإسلاميين في التدبير قصير، وليست لهم من الكفاءات ما يمكنهم من تغطية شاملة لكل المواقع والمناصب.

– الحرص على ترجمة أصوات المواطنين إلى إصلاحات عملية عميقة تمس حياتهم اليومية، وإدارة المدن التي سوف يتولونها بطريقة جديدة وفعالة ومنتجة ونزيهة.

تتعدد إذن الأخطار التي تحيط بالتجربة الديمقراطية المغربية مما يتعين معه على الجميع الذود عنها حتى تكون نموذجا يعيد الأمل إلى التجارب الثورية الموءودة بالمنطقة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.