"تغيير شكل النظام".. حملة لاستهداف أردوغان

Turkish President Recep Tayyip Erdogan salutes after he inaugurated a mosque on the grounds of his gigantic palace complex and opens it to the public in an apparent effort to stave off more criticism over his spending, in the Bestepe district of Ankara, Turkey, Friday, July 3, 2015. Erdogan, who has been accused of squandering state resources by building the grandiose 1,150-room presidential palace, dedicated the mosque to the people at the opening ceremony, naming it the "Bestepe People's Mosque." (AP Photo)
أسوشيتد برس

منذ أن انتخب رجب طيب أردوغان رئيسا للجمهورية في انتخابات رئاسية مباشرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية، يدور جدل لا يتوقف بين المؤيدين والمعارضين للرجل.

وفى الأيام الماضية عندما ذكّر أردوغان أن النظام قد تغير بشكل فعلي احتدم الجدل وأخذت السهام تتوجه نحوه، اتهاما له بالانقلاب على النظام وإعلان سلطنته، والاعتداء على النظام الجمهوري، وما إلى ذلك من تهم تصب البنزين على النار.

وإذا عدنا إلى مخرج هذا الجدل نجد أنفسنا أمام مشاكل دستورية تفرض نفسها على الساسة والحقوقيين والمثقفين وكذلك نحن الكتاب.

في تركيا يوجد رئيسان منتخبان من قبل الشعب، وهذا لا يتلاءم لا مع النظام البرلماني ولا النظام شبه الرئاسي. وهذا ما جعل الرئيس أردوغان يقول إن النظام البرلماني قد تغير إلى شبه الرئاسي بصورة فعلية

إن التشوش المهيمن على أذهاننا ينبثق من نقص المعلومات حول أشكال النظم وتطبيقاتها. أعني من النظم كلا من النظام البرلماني والرئاسي وشبه الرئاسي. علما بأنها لا تتنافى مع النظام الجمهوري والديمقراطي. ناهيك عن أن المهم هو النظام الديمقراطي وليس الجمهوري. وإذا شئت قارن بين النظام السوري الجمهوري والنظام البريطاني الملكي! مع ذلك فإن تلك النظم الثلاثة متلائمة مع كل من الجمهورية والديمقراطية.

وإذا أردنا التعرف عليها باختصار شديد يمكن القول إن النظام الرئاسي هو نظام يتولى فيه الرئيس المنتخب من قبل الشعب مباشرة زمام الأمور، ولا يحتاج إلى الحصول على الثقة من البرلمان. كما نراه في أميركا.

أما النظام شبه الرئاسي فهو نظام يترأس فيه رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب مباشرة، وتحت إمرته رئيس الوزراء لحكومة نابعة من البرلمان وهي بحاجة إلى الحصول على ثقة من البرلمان كما هو الحال في فرنسا.

أما النظام البرلماني فهو نظام يترأس فيه رئيس الوزراء المنتخب من قبل الشعب السلطة، مع وجود رئيس الجمهورية المنتخب من قبل النواب داخل البرلمان ويتمتع بصلاحيات روتينية، كما كان النظام في تركيا قبل انتخاب أردوغان من قبل الشعب مباشرة.

كان رئيس الجمهورية ينتخب في البرلمان حسب الدستور التركي. وعندما انتهى عهد الرئيس أحمد سزر سنة 2007 حاول مجلس النواب أن ينتخب السيد عبد الله غل رئيسا، لكن وما إن ترشح السيد غل حتى أقيمت عراقيل أمامه من طرف الدولة العميقة بعد تصريح الجيش بأنه يجب أن يكون الرئيس علمانيا حقيقيا بحياته وليس بأقواله، هذا التصريح كان ومضة انطلاق للعلمانيين المتشددين حيث تحركوا سراعا لوضع عدة معوقات أمام مرشح حزب العدالة والتنمية عبد الله غل.

أحد النواب المعارضين كان مدعيا عاما قديما، وهو صبيح قناد أوغلو، ينتمى إلى العلمانية المتشددة، قام وادعى أن النسبة اللازمة لاجتماع البرلمان بخصوص انتخاب الرئيس هي ثلثا المقاعد النيابية -ولم يكن العدد متوفرا لدى العدالة والتنمية- خلافا لكل القواعد المكتوبة والتقاليد المعروفة.

وقد دعم حزب الشعب الجمهوري هذا الرأي ولم يشارك في الاجتماع الأول في البرلمان لانتخاب الرئيس (وكان يومذاك في المجلس حزبان فقط حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري)، ثم رفع الاجتماع الأول إلى المحكمة الدستورية للطعن فيه، وحكمت المحكمة ببطلان اجتماع المجلس بأقل من ثلثي المقاعد، وكانت النتيجة احتقانا وانسدادا تاما وجاء بعد ذلك بيان من الجيش يهدد حزب العدالة والتنمية بانقلاب عسكري.

كانت الدولة العميقة تضغط على الحكومة من كل الجوانب، من الجانب البرلماني بواسطة حزب الشعب الجمهوري، ومن الجانب القضائي بواسطة المحكمة الدستورية، ومن الجانب المسلح بواسطة الجيش.

في تلك الظروف المتأزمة قرر حزب العدالة والتنمية تعديلا دستوريا ينص على انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة للخروج من الأزمة وتقديم الانتخابات.

استطاع حزب العدالة والتنمية بالتعديل الدستوري تعديل المواد (96، و101، و102)، مع دعم بعض المستقلين رغم ضغوط شديدة كان يواجهها من كل جانب، وقد كنت في ذلك الوقت نائبا وعاينت الصعوبة بنفسي، ولم نكتف بتعديل البرلمان للمواد السابقة، بل حولنا التعديل إلى استفتاء عام ملزم للدولة العميقة، أو بعبارة أخرى ملزم النظام الوصائي، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2007.

وقد أجريت الانتخابات البرلمانية قبل الاستفتاء وازداد دعم الشعب لحزب العدالة والتنمية حيث حصل على 47% من الأصوات، وكانت نتائج الانتخابات ردا قويا رادعا من الشعب على الدولة العميقة.

يجب التذكير بأن الدستور مهما عدل، فهو دستور وضعه الانقلابيون سنة 1982، وحاول حزب العدالة والتنمية صياغة دستور جديد يلبي حاجات البلد، لكن المعارضة لم تقترب منه وفشلت اللجنة الدستورية المكونة من ممثلين عن أربعة أحزاب في تمريره

وبموقف إيجابي من حزب الحركة القومية تم انتخاب السيد عبد الله غل رئيسا للجمهورية قبل الاستفتاء.

وبتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2007 أُجري الاستفتاء وتم قبول التعديل الدستوري بـ69%.

بهذا التعديل يكون النظام البرلماني التركي قد تغير واقترب من النظام شبه الرئاسي، وقد تم التغيير دستوريا في ذلك الوقت، ودون حاجة إلى تطبيقه، إذ تمّ انتخاب رئيس الجمهورية قبل الاستفتاء.

ولما انتهى عهد الرئيس عبد الله غل سنة 2014 تمّ تفعيل ذلك التعديل، وأجريت الانتخابات الرئاسية من قبل الشعب مباشرة وفاز السيد أردوغان في الانتخابات بـ52% من الأصوات.

بهذه الحالة أصبح رئيس الجمهورية أقوى شعبية من رئيس الوزراء، ناهيك عن أن الصلاحيات الموجودة له في الدستور منذ عام 1982 كانت كافية لممارسته لرئاسة السلطة الإجرائية. في هذه النقطة بالذات تبدو الإشكالية التي تعيشها تركيا الآن. 

هناك رئيسان منتخبان من قبل الشعب، وهذا لا يتلاءم لا مع النظام البرلماني ولا النظام شبه الرئاسي. وهذا ما جعل الرئيس أردوغان يقول إن النظام البرلماني قد تغير إلى شبه الرئاسي بصورة فعلية، ولكن الدستور يسمي النظام البرلماني، تعالوا نعدّل هذه الإشكالية دستوريا.

يجب التذكير بأن الدستور مهما تعرض لتعديلات متعددة فإنه دستور وضعه الانقلابيون سنة 1982، وحاول حزب العدالة والتنمية صياغة دستور جديد يلبي حاجات البلد، لكن المعارضة لم تقترب منه وفشلت اللجنة الدستورية المكونة من ممثلين عن أربعة أحزاب متمثلة في البرلمان.

هذا هو محور الجدل الدائر في تركيا. الأمر حقوقي ولكن الساسة يستغلون هذا المحور لانتقاد أردوغان لتشويه سمعته وإضعافه أمام الرأي العام الداخلي والعالمي.

وللأسف تتضامن المعارضة الداخلية بشتى كياناتها والقوى الخارجية المنزعجة من النمو والنهضة والازدهار المستمر، تتضامن وتتعاون لزعزعة الاستقرار السياسي ولإضعاف الدولة التركية، ولا سيما في هذه الأيام التي تواجه تركيا عمليات إرهابية من قبل تنظيمات إرهابية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.