الانسجام الجديد بين الديمقراطيات العظيمة

A handout image provided by the Press Information Bureau (PIB) of the Government of India on 25 January 2015 of US President Barack Obama (2-L) and Indian Prime Minister Narendra Modi hugging each other as the US President and First Lady Michelle Obama (L) are greeted on their arrival at Palam airport, New Delhi, 25 January 2015. Others are not identified officials. Obama is in New Delhi for a three-day visit to hold talks with Indian Prime Minister Narendra Modi and attend meetings with US and Indian business leaders. Obama also is the first US president to be a guest of honor at India's annual Republic Day parade, an occasion steeped with symbolism and indicative of a new energy in the relationship between the world's two largest democracies. EPA/PRESS INFORMATION BUREAU/HANDOUT
وكالة الأنباء الأوروبية


عندما قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بدعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما لحضور احتفالات بلاده بيوم الجمهورية في وقت سابق من هذا العام كانت تلك الدعوة تعكس تغيرا مهما في العلاقات بين أكبر بلدين ديمقراطيين بالعالم.

لقد حاولت ثلاث إدارات أميركية منذ التسعينيات تحسين العلاقات الثنائية وكانت النتائج متباينة، وبينما شهدت التجارة السنوية بين البلدين ارتفاعا كبيرا خلال تلك الفترة وذلك من عشرين مليار دولار إلى أكثر من مئة مليار دولار فإن التجارة السنوية الأميركية الصينية تساوي ستة أضعاف، كما أن العلاقة السياسية كانت تتأرجح بين الصعود والهبوط.

من الطبيعي أن يكون أي تحالف مع قوة عظمى هو تحالف غير متساو، مما يعني أن الجهود المبذولة لتأسيس علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة كانت دائما تتعارض مع التقليد الهندي بالاستقلالية الإستراتيجية

يتمتع البلدان بتاريخ طويل من إرباك بعضهما البعض، ومن الطبيعي أن يكون أي تحالف مع قوة عظمى هو تحالف غير متساو، مما يعني أن الجهود المبذولة لتأسيس علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة كانت دائما تتعارض مع التقليد الهندي بالاستقلالية الإستراتيجية، ولكن الأميركيين لا ينظرون إلى الهند الديمقراطية كتهديد بل على العكس من ذلك فـنجاح الهند يعتبر مصلحة أميركية مهمة، وهناك عوامل عديدة تبشر بمستقبل أفضل للعلاقات الثنائية.

إن أهم عامل هو تسارع النمو الاقتصادي في الهند، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أنه سوف يتجاوز 7،5% حتى سنة 2020.

لقد عانت الهند لعقود مما يطلق عليه البعض "المعدل الهندوسي للنمو الاقتصادي" أي أكثر بقليل من 1% سنويا، وربما كان من الأفضل أن يطلق عليه المعدل الاشتراكي البريطاني للنمو خلال حقبة الثلاثينيات، ولقد تبنت الهند بعد الاستقلال سنة 1947 نظاما تخطيطيا ذا طابع داخلي كان يركز على الصناعات الثقيلة.

إن إصلاحات السوق في أوائل التسعينيات غيرت هذا النمط، وتسارع النمو السنوي ليصل إلى 7% إبان فترة حكم حزب المؤتمر قبل أن يهبط إلى 5%، ومنذ الانتخابات العامة سنة 2014 -التي أعادت حزب بهارتيا جانتا الذي يتزعمه مودي للسلطة- تمكنت الحكومة من عكس اتجاه ذلك التباطؤ.

إن هناك آفاقا قوية لتحقيق المزيد من النمو، فالهند لديها طبقة متوسطة صاعدة تتكون من عدة مئات من ملايين البشر، واللغة الإنجليزية هي لغة رسمية يتحدث بها من خمسين إلى مئة مليون شخص، وبإمكان صناعات المعلومات الهندية البناء على تلك القاعدة ولعب دور رئيسي على الصعيد العالمي.

إن الهند بشعبها الذي يبلغ تعداده 1،2 مليار شخص هي أكبر بأربعة أضعاف من الولايات المتحدة، ومن المرجح أن تتفوق على الصين بحلول سنة 2025، وسوف تتزايد أهمية حجمها الهائل ليس فقط للاقتصاد العالمي ولكن أيضا من أجل تحقيق التوازن مع النفوذ الصيني في آسيا بالإضافة إلى إدارة قضايا عالمية، مثل التغير المناخي والصحة العامة وأمن الإنترنت.

إن الناتج المحلي الإجمالي الهندي البالغ تريليوني دولار هو فقط خمس الناتج المحلي الإجمالي الصيني الذي يبلغ عشرة تريليونات دولار، وتسع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي البالغ 17،5 تريليون دولار
تتمتع الهند كذلك بقوة عسكرية كبيرة، حيث تقدر أسلحتها النووية بين تسعين ومئة سلاح نووي، بالإضافة إلى صواريخ متوسطة المدى، و1،3 مليون عسكري، ونفقات عسكرية سنوية تصل إلى حوالي خمسين مليار دولار تقريبا (3% من إجمالي الإنفاق العالمي)، وبالنسبة للقوة الناعمة تتمتع الهند بديمقراطية راسخة وشتات مؤثر وثقافة شعبية نابضة بالحياة ذات تأثير انتقالي.

إن صناعة الأفلام الهندية بوليود تنتج أفلاما كل عام أكثر من أي بلد آخر حيث تتفوق على منافستها الأميركية هوليود في بعض أجزاء آسيا والشرق الأوسط.

لكن يتوجب على المرء ألا يستخف بمشاكل الهند، فلا يعتبر السكان بحد ذاتهم مصدرا للقوة ما لم تتم تنمية تلك الموارد البشرية، والهند تتخلف بشكل كبير عن الصين في مجال معرفة القراءة والكتابة والنمو الاقتصادي.

وعلى الرغم من تقدم الهند فإن حوالي ثلث السكان يعيشون في فقر مدقع، مما يجعل البلاد وطنا لثلث فقراء العالم.

إن الناتج المحلي الإجمالي الهندي البالغ تريليوني دولار هو فقط خمس الناتج المحلي الإجمالي الصيني الذي يبلغ عشرة تريليونات دولار، وتسع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي البالغ 17،5 تريليون دولار (مقيس حسب أسعار الصرف في السوق).

إن نصيب الفرد من الدخل في الهند والذي يبلغ 1760 دولارا أميركيا هو فقط خمس نصيب الفرد في الصين، والأكثر إثارة للانتباه هو أنه بينما يعرف 95% من الشعب الصيني القراءة والكتابة فإن تلك النسبة تصل إلى 74% فقط في الهند و65% فقط بين النساء.

إن من أعراض هذه المشكلة هو الأداء السيئ للهند في المقارنات الدولية الخاصة بالجامعات، حيث لا توجد جامعة هندية من بين أفضل مئة جامعة في العالم، كما أن الصادرات ذات التقنية العالية تشكل فقط ما نسبته 5% من إجمالي صادراتها مقارنة بنسبة 30% بالنسبة للصين.

من غير المرجح أن تطور الهند القوة اللازمة من أجل أن تصبح منافسا عالميا للولايات المتحدة في النصف الأول من هذا القرن، فحتى بالنسبة للقوة الناعمة وضعت دراسة أجرتها شركة بورتلاند للاستشارات في لندن مؤخرا الهند خارج قائمة أفضل ثلاثين بلدا، حيث جاءت الصين في المركز الثلاثين وحلت الولايات المتحدة في المركز الثالث خلف المملكة المتحدة وألمانيا.

يجب ألا يتوقع أحد أن يكون هناك حلف هندي أميركي في أي وقت قريب نظرا للرأي العام الهندي التاريخي، ولكن يمكن للمرء أن يتوقع في السنوات القادمة علاقة فريدة من نوعها وأكثر قوة

ومهما يكن من أمر فإن لدى الهند أصول كبيرة تؤثر فعليا على ميزان القوى في آسيا، وبينما قامت الهند والصين بالتوقيع على اتفاقيات سنة 1993 و1996 والتي وعدت بتسوية سلمية للنزاع الحدودي الذي أدى لنشوب حرب بينهما سنة 1962 فإن المسألة طفت مجددا على السطح بسبب بعض التصرفات الصينية في السنوات الأخيرة.

إن الهند والصين عضوتان في مجموعة بريكس التي تضم الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، لكن التعاون ضمن ذلك التكتل محدود، وبينما يكون المسؤولون الهنود متحفظين في العلن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الصين ويريدون -وهم محقون في ذلك- نمو التجارة البينية والاستثمار فإن مخاوفهم الأمنية لا تزال كبيرة، وكجزء من مجموعة من البلدان الآسيوية -التي ترغب في تحقيق توازن مع الصين- بدأت الهند بالفعل بتقوية علاقاتها الدبلوماسية مع اليابان.

إن من الخطأ حصر آفاق تحسين العلاقات الأميركية الهندية فقط على ضوء القوة الصينية الصاعدة، فنجاح الهند الاقتصادي هو مصلحة أميركية في حد ذاته بالإضافة إلى النهج المفتوح الذي تبنته الهند والبرازيل في ما يتعلق بمسائل، مثل إدارة الإنترنت، في وقت تسعى فيه روسيا والصين إلى المزيد من الرقابة السلطوية.

يجب ألا يتوقع أحد أن يكون هناك حلف هندي أميركي في أي وقت قريب نظرا للرأي العام الهندي التاريخي، ولكن يمكن للمرء أن يتوقع في السنوات القادمة علاقة فريدة من نوعها وأكثر قوة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.