قرارات العبادي.. بين ضغط الشارع وإرادة الإصلاح

بدأ مجلس النواب العراقي اليوم جلسة للتصويت على الإجرءات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي
الجزيرة


القرارات العاجلة التي اتخذها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي والهادفة لامتصاص غضب الشارع العراقي الجنوبي (الشيعي) الناقم على تردي الخدمات، ودمار البنى الفوقية والتحتية في أكثر من ثماني محافظات، تُعد في نظر الكثير من العراقيين خطوة صحيحة في الاتجاه البناء في مسار تصحيح الأوضاع المتردية في بلاد الرافدين.

الفساد المالي والإداري بات اليوم ينخر جسد الدولة العراقية بشهادة منظمات دولية وإقليمية ومحلية، وعليه فإن هذه القرارات المعتمدة من الحكومة والبرلمان تهدف -وفق ما هو معلن- لتقليص الهدر العلني في الميزانية المتهالكة، ومحاولة الحد من الفساد والتبذير الواضح في موارد البلاد.

تتضمن ورقة العبادي، المدعومة من المرجعية الشيعية في النجف، محاور عدة تشمل محور الإصلاح الإداري، محور الإصلاح الاقتصادي، ومحور الخدمات، ومحور مكافحة الفساد. ومن أهم بنودها:

1- إلغاء مناصب نواب رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية.
يمكن النظر إلى هذا القرار باعتبارها خطوة جريئة، لأن الشخصيات الذين شُملوا بالعفو من مناصبهم هم من أركان اللعبة السياسية العراقية، ولا يمكن للعبادي أن يستهدفهم أو يهمش أدوارهم بسهولة.

يمكن النظر إلى قرارات العبادي باعتبارها خطوة جريئة، لأن الشخصيات الذين شُملوا بالعفو من مناصبهم من أركان اللعبة السياسية العراقية، ولا يمكن للعبادي أن يستهدفهم أو يهمش أدوارهم بسهولة

ومن أبرز الشخصيات الذين شملوا بالتغيير نائبا رئيس الجمهورية نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، وأسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق، وإياد علاوي، فضلا عن بهاء الأعرجي، وصالح المطلق نائبا رئيس الحكومة، فهل سيوافق هؤلاء على قرارات العبادي دون مشاغبات سياسية هنا أو هناك.

ويمكن أيضا النظر للقرار على أنه إما صفحة من صفحات الاتفاقات، أو التوافقات السياسية المستمرة في العراق، لكن هذه المرة يُراد منها تهدئة الشارع، ولو على حساب بعض التضحيات الطفيفة، أو الجسيمة التي ستلحق هذا الطرف السياسي، أو ذاك.

أو أن سياسيي بغداد تفهموا أن الغضب الجماهيري، ربما سيصل أسوار المنطقة الخضراء، وبالتالي سيقلب الطاولة على الحكومة والبرلمان، وهذا ما لا تريده إيران، التي تعتبر بغداد عاصمة تابعة لها، بحسب تصريحات أكثر من مسؤول إيراني، وما لا تريده الولايات المتحدة، على اعتبار أنها الراعي الأول للعملية السياسية، وهي التي بنتها على أنقاض الدولة العراقية السابقة.

وبعيدا عن احتمالات الاتفاق خلف الستار، فإن الدستور العراقي يمنح رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء نائبا واحدا، وبالتالي فإن إصلاحات العبادي بحاجة نظريا إلى تعديلات دستورية قبل أن تكون سارية المفعول.

قرار العبادي بإلغاء المناصب لم يتضمن أية إشارة للرواتب الخيالية، التي يتقاضاها هؤلاء المسؤولون، وكذلك لم يتناول أعداد الحمايات، التي يمكن أن تبقى حولهم!

2- القرار الثاني المتعلق بتقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، وهو قرار مهم في نظر غالبية العراقيين، لأنه سيساهم في القضاء على الهالة الزائفة، والأسوار العالية التي وضعت حول غالبية المسؤولين في الدولة.

فبعضهم -وبالذات الرئاسات الثلاث، ومعهم رئيس الوزراء السابق المالكي- محاطون بأكثر من ألف عنصر أمني. وأيضا سيساهم هذا القرار في القضاء على الفضائيين (الذين لا وجود لهم فعليا) الذين سبق لـ إياد علاوي نائب رئيس الجمهورية أن أكد أنهم أكثر من ربع مليون فضائي في وزارة الدفاع فقط!

لا شك أن هذه الإصلاحات جريئة، لكن القضايا التي عالجتها قرارات العبادي تمثل جزءا بسيطا من إشكالات المشهد العراقي المتردي، فالإصلاحات المطلوبة تتطلب تغييرا شبه جذري في عموم الأوضاع

3- القرار الثالث بـ"إبعاد جميع المناصب العليا من هيئات مستقلة، ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين عن المحاصصة السياسية والطائفية"، يمثل خطوة جوهرية، لكنه استثنى المناصب الأكبر من وكلاء الوزراء والمستشارين، وهذا يعني استمرار المناصب العليا ضمن دائرة المحاصصة السياسية.

لا بد هنا من التذكير أن المتابع لعموم العملية السياسية، التي جرت في العراق منذ العام 2003، يجد أنها جرت وفقا للمحاصصات الطائفية والمذهبية، وبالتالي فإن هذا القرار -إن أراد السيد العبادي تطبيقه بصورة عملية- يوجب حل الحكومة والبرلمان، وتشكيل حكومة تصريف أعمال، تقوم بمهمة إجراء انتخابات نزيهة، وبإشراف دولي وعربي، وتشكيل برلمان وطني، وبعدها يتم اختيار رئيس للجمهورية يكلف بدوره رئيس الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.

4- قرار العبادي الرابع: يتعلق باعتماد عدد من القضاة المهنيين المعروفين بالنزاهة التامة بالتحقيق في قضايا الفساد، ومحاكمة الفاسدين، وفتح الملفات السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا في مكافحة الفساد.

أهم ما في هذا القرار هو تشكيل "اللجنة العليا المكلفة بالفساد"، التي إن أريد لها أن تعالج بعضا من الفساد المستشري في البلاد، فيجب أن تكون في منأى عن الضغوط السياسية لكتل المتهمين بالفساد، لأن هذه اللجنة -إن لم تعط صلاحيات قانونية قوية- فإنها ستولد ميتة، ولن تتم محاسبة أي متهم، لأن سلطة وسطوة الضغوط السياسية أقوى من سلطة القانون المهمشة بالضغوط السياسية، وهذا من أهم أسباب عدم مكافحة الفساد في العراق حتى الآن.

والسؤال الآخر الذي يطرح هنا: هل هذه الإصلاحات جوهرية، وتلبي مطالب الشارع العراقي؟
لا شك أن هذه الإصلاحات جريئة، لكن القضايا التي عالجتها قرارات العبادي تمثل جزءا بسيطا من إشكالات المشهد العراقي المتردي، فالإصلاحات المطلوبة تتطلب تغييرا شبه جذري في عموم الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والتعليمية في البلاد، وباعتقادي فإنه يمكن لحكومة العبادي أن تنطلق بالعراق نحو بر الأمان إن هي حاولت تطبيق الآتي:

1- حل الحكومة وتشكيل حكومة تصريف أعمال وفقا للخطوات التي ذكرت آنفا.
2- تشكيل لجان قضائية مهنية غير مسيسة تزور السجون والمعتقلات وتعيد التحقيق في ملفات السجناء الأبرياء، الذين يشكلون بحسب شركاء الحكومة نسبة ليست قليلة من أعداد هؤلاء السجناء، لأن إنصاف المواطنين جزء من الحلول الجذرية.

من الضروري تشكيل لجان قضائية مهنية غير مسيسة تزور السجون والمعتقلات وتعيد التحقيق في ملفات السجناء الأبرياء، الذين يشكلون نسبة ليست قليلة من السجناء، فإنصاف المواطنين جزء من الحلول الجذرية

3- كف يد المليشيات من عموم المشهد العراقي، وتقديم القتلة والمجرمين منهم لمحاكم وطنية.

4- إطلاق مبادرة وطنية للمصالحة الشاملة والكاملة، تكون برعاية الجامعة العربية وتهدف للم شمل القوى العراقية المعارضة والمشاركة في العملية السياسية، على أن يستثنى من المشاركة كل من تلطخت أيديهم بدماء وأموال العراقيين.

5- منع سفر المسؤولين من درجة مدير عام فما فوق وجميع المتهمين بقضايا القتل والفساد حتى تنهي لجنة مكافحة الفساد أعمالها.

6- تشكيل لجنة إنصاف للمظلومين من جميع المحافظات، وإقرار قانون العفو العام، وترتيب خطة وطنية لإعمار المدن، وإعادة الأموال المنهوبة، وإعادة جميع الموظفين إلى دوائرهم، سواء كانوا داخل العراق أو خارجه، واحتساب سنوات الهجرة ضمن الخدمة الفعلية لهم.

هناك خطوات أخرى ضرورة ومهمة ولم يركز عليها الإعلام، ومنها، "ترشيق" الوزارات والهيئات، وإخضاع الوزارات إلى المساءلة والمحاسبة، وإلغاء مواقع المستشارين في الوزارات، وإلغاء الفوارق في الرواتب، وتخويل رئيس مجلس الوزراء صلاحية إقالة المحافظين، أو رؤساء المجالس المحلية، ومعالجة التهرب الضريبي، وحسم مشاكل الكهرباء.

أعتقد أن هذه الخطوات العملية وغيرها -إن طبقتها الحكومة- يمكن أن تكون أساسا متينا لبناء أرضية صلبة لعراق جديد خال من الإرهابيين والمجرمين والسراق والقتلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.