مَخرَج من أجل اليونان

ناخبون أمام مدخل مركز الاقتراع ويظهر نسبة كبيرة من كبار السن بينهم
الجزيرة

تمثل الأزمة اليونانية كارثة بالنسبة لليونان، وتفرض على الاقتصاد العالمي خطرا داهما. فـألمانيا تطالب باستمرار اليونان بسداد ديونها بالكامل، رغم أن اليونان مفلسة بوضوح ورغم إشارة صندوق النقد الدولي إلى ضرورة التخفيف من أعباء الدين.

وكان من المحتم أن يفضي التصادم بين الواقع (عجز اليونان عن الوفاء بالتزامات الدين) والسياسة (مطالب ألمانيا) إلى الكارثة. والواقع أن هذا هو ما حدث: الانهيار الصادِم المروع هذا الأسبوع للنظام المصرفي اليوناني.

ولكن يظل هناك وسيلة للخروج من هذه الفوضى. فلا بد من خفض ديون اليونان بشكل حاد، ولا بد أن تظل اليونان داخل منطقة اليورو. في المفاوضات مع دائنيها هذا الربيع، أدركت اليونان هذا، فأصرت على خفض ديونها، فرفضت ألمانيا. ورغم وقوف الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي في صف اليونان سرا، كانت الغَلَبة لألمانيا، كما هي حال الدائنين عادة.

لا بد من خفض ديون اليونان بشكل حاد، ولا بد أن تظل اليونان داخل منطقة اليورو. في المفاوضات مع دائنيها هذا الربيع، أدركت اليونان هذا، فأصرت على خفض ديونها. فرفضت ألمانيا. ورغم وقوف أميركا وصندوق النقد الدولي مع اليونان سرا، كانت الغَلَبة لألمانيا، كما هي حال الدائنين عادة

غير أن فوز الدائنين في مثل هذه الأحوال يأتي ضد مصلحتهم أحيانا، فمن خلال دفع المدين إلى نقطة الانهيار، تنتهي بهم الحال إلى التسبب في عجز المدين تماما عن السداد. وكان الخطأ الذي ارتكبته ألمانيا الأسبوع الماضي هو دفع الاقتصاد اليوناني -الذي يمر بظروف تماثل تلك التي صاحبت أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين- إلى الانهيار المالي التام.

يتبنى وزير المالية الألمانية فولفغانغ شويبله إستراتيجية تفاوضية واضحة تهدف إلى حمل اليونان على الموافقة على ترك منطقة اليورو. ومن سوء حظه أن اليونان لا تريد الخروج، ولا يمكن إرغامها على الخروج بموجب المعاهدات التي تحكم الاتحاد الأوروبي. فاليونان تريد البقاء في منطقة اليورو، وبأعباء ديون أقل، وهو موقف ذكي يتسم بالمهارة والدهاء على المستوى الاقتصادي وتحميه المعاهدات.

الواقع أن الخروج من اليورو سوف يكبد اليونان تكاليف باهظة، ويكاد يكون من المؤكد أن خروجها سوف يخلق حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية -وربما التضخم الجامح- في قلب أوروبا. وسوف يطرأ انخفاض كبير على قيمة مدخرات سكان اليونان، مع تحويل اليورو فجأة إلى الدراخما الجديدة. وسوف تتضرر الطبقة المتوسطة بشدة. ولن يوفر تحويل العملة للبلاد سنتا واحدا من ديونها الخارجية، والتي سوف تظل بطبيعة الحال مقوَّمة باليورو.

ويظل عبء الديون المستحقة على اليونان غير مستدام. فهذا الأسبوع، تخلفت اليونان عن سداد أقساط الدين لصندوق النقد الدولي، مفضلة تغطية التزامات معاشات التقاعد على سداد أقساط الدين. وينبغي لدائني البلاد الآن أن يتفاوضوا على خفض توافقي للدين من خلال الجمع بين خفض أسعار الفائدة (وتثبيتها)، وخفض القيمة الاسمية للدين، ومد مواعيد الاستحقاق لفترات طويلة للغاية.

وهناك الكثير من السوابق لمثل هذا المسار. فقد أعيدت هيكلة الديون السيادية مئات وربما آلاف المرات، بما في ذلك لمصلحة ألمانيا. والواقع أن المطالب المتشددة من قِبَل دائني ألمانيا من حكومة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، أسهمت في إحداث حالة من عدم الاستقرار المالي العميق في ألمانيا وأجزاء أخرى من أوروبا، وساعدت بشكل غير مباشر في صعود أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا عام 1933.

ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، استفادت ألمانيا من تنازلات أكثر حكمة من قِبَل حكومة الولايات المتحدة، والتي توجت بالتخفيف التوافقي لأعباء الدين في عام 1953، وهو التصرف الذي عاد بفوائد كبرى على ألمانيا والعالم. غير أن ألمانيا فشلت رغم ذلك في تعلم الدروس من تاريخها.

وأنا أقترح مسارا من أربع خطوات للخروج من الأزمة اليونانية. فأولا، أوصي بأن يصوت الشعب اليوناني بالرفض القاطع المدوي لمطالب الدائنين في الاستفتاء عليها (صوت اليونانيون بـ"لا" على خطة الدائنين).

وثانيا، ينبغي لليونان أن تستمر في الامتناع عن سداد أقساط ديونها الخارجية للدائنين الرسميين في الفترة السابقة لإعادة هيكلة الديون توافقيا في وقت لاحق من هذا العام. ونظرا للكساد العميق في اليونان، فينبغي لها أن تستخدم مدخراتها للدفع لأصحاب المعاشات، وتوفير الإغاثة الغذائية، وإجراء الإصلاحات التي تحتاج إليها البنية الأساسية بشدة، وتوجيه السيولة نحو النظام المصرفي.

ينبغي لليونان أن تستمر في الامتناع عن سداد أقساط ديونها الخارجية لإعادة هيكلة الديون توافقيا في وقت لاحق. ونظرا للكساد العميق، فينبغي أن تستخدم مدخراتها للدفع لأصحاب المعاشات، وتوفير الإغاثة الغذائية، وإجراء الإصلاحات التي تحتاج إليها البنية الأساسية بشدة

وثالثا، يتعين على رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس أن يستخدم قدرته على الإقناع لإقناع عامة الناس -على غرار ما فعله الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت– بأن الشيء الوحيد الذي ينبغي لهم أن يخافوه هو الخوف ذاته. وبشكل محدد، ينبغي للحكومة أن توضح لكل اليونانيين أن ودائعهم باليورو آمنة، وأن البلاد سوف تظل داخل منطقة اليورو (رغم الادعاءات الكاذبة التي يطلقها بعض أعضاء مجموعة اليورو بأن التصويت بالرفض يعني خروج اليونان)، وأن بنوكها سوف يُعاد فتحها بعد الاستفتاء.

وأخيرا، ينبغي لليونان وألمانيا أن يسارعا إلى التقارب بعد الاستفتاء والاتفاق على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية وتخفيف أعباء الدين. لا ينبغي لأي بلد -بما في ذلك اليونان- أن تتوقع أن يُعرَض عليها التخفيف من أعباء الدين على طبق من فِضة، فتخفيف أعباء الدين لا بد أن يكون مكتسبا ومبررا بإصلاحات حقيقية قادرة على استعادة النمو، بما يعود بالفائدة على كل من المدين والدائن.

ومع ذلك فإن جثة هامدة لا يمكنها أن تنفذ الإصلاحات. ومن الأهمية بمكان -لهذا السبب- أن يتم تقديم فرصة تخفيف أعباء الدين والإصلاحات معا، وليس الإصلاحات "أولا" مع بعض الوعود الغامضة بقدوم التخفيف من أعباء الدين بكميات غير محددة وفي أوقات غير محددة في المستقبل (كما قال البعض في أوروبا لليونان).

من المؤكد أن كلا الجانبين ارتكبا عددا لا يحصى من الأخطاء في الكارثة اليونانية، فضلا عن سوء التقدير وسوء السلوك على مدى العقد الماضي، بل حتى قبل ذلك. والحق أن أي بلد ما كان ليصل إلى الحالة الخطيرة التي بلغها اليونان لولا جيل من سوء الإدارة الفاضح. ولكن من غير الممكن أيضا أن يفلس أي بلد من دون أخطاء خطيرة يرتكبها الدائنون، أولا بإقراضه أموالا أكثر مما ينبغي، ثم المطالبة بدفعات سداد مفرطة إلى الحد الذي يجعل البلد المدين ينهار. وما دام الجانبان على خطأ، فمن الأهمية بمكان لكل منهما أن يحرص على عدم خسارة المستقبل بالانخراط في مشاجرات لا تنتهي حول الماضي.

إن تخفيف أعباء الديون اليونانية والإبقاء على اليونان داخل منطقة اليورو في الوقت نفسه هو المسار الصحيح الذي يمكن سلوكه للخروج من الأزمة، ومن الممكن تحقيق هذه الغاية بسهولة من خلال الاتفاق المتبادل بين ألمانيا واليونان، والذي تقره بقية أوروبا. وسوف تكون النتيجة الفوز الأكيد، ليس فقط لصالح هذه البلدان، بل أيضا لصالح الاقتصاد العالمي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.