خطة لمجموعة اتصال خاصة بسوريا

Syrians stand amidst the destruction in the eastern Shaar neighbourhood of the northern Syrian city of Aleppo on May 30, 2015. Once Syria's commercial hub, Aleppo has largely become a city in ruins, split between regime forces in the west and opposition fighters in the east. AFP PHOTO / AMC / ZEIN AL-RIFAI
غيتي إيميجز

قد يبدو النزاع والأزمة أمرين فريدين في نظر الأطراف المشاركة فيهما والمعاصرين لهما، لكن مثل هذه الأحداث غالبا ما تتطور وتتوالى فصولها وفق نماذج واضحة، وإن كان ذلك يحدث عادة بعد تلاشي الوقائع التي تشكل تلك الأحداث من ذاكرتنا الجمعية. وهذه هي الحال بالنسبة للحرب الأهلية في سوريا.

يصادف العام الجاري الذكرى العشرين لتوقيع اتفاقية دايتون التي أنهت حرب البوسنة. كانت حربا وحشية من أجل الأرض، وكان المدنيون فيها أكثر عرضة للاستهداف من المقاتلين، الأمر الذي مثل استهزاء بالقانون الدولي الإنساني (الواقع أن الأمر استغرق سنين طويلة لاعتقال مجرمي الحرب المعروفين الذين لا يزال بعضهم قيد المحاكمة). وقد قسمت هذه الحرب المجتمع الدولي وخاصة الحلفاء الغربيين، حيث كانت أول أزمة يجابهها بعد الحرب الباردة.

واليوم، نادرا ما يتذكر أحد حرب البوسنة. وإذا حدث ذلك، نجد المراقبين عادة ما يستشهدون باستخدام قوة الناتو الجوية، وكأنها العامل الوحيد الذي ساعد على إنهائها.

في حرب البوسنة، كان ميلوسوفيتش في يوغسلافيا نظيرا للأسد في الأزمة السورية. ورغم معارضة بعض الدبلوماسيين الغربيين للتعامل مع ميلوسوفيتش، فإن الغالبية العظمى كانت تعي أنه يمثل مفتاح التحكم في الصرب وتحقيق السلام

لكن حرب البوسنة كانت حربا مهمة في التاريخ، فمع نزوع أوروبا والولايات المتحدة إلى التباعد، أدت هذه الحرب إلى تقريبهما في نهاية الأمر، ووضعت حدا للتساؤلات بشأن جاهزية الولايات المتحدة لقيادة الآخرين والعمل معهم. في الحقيقة، ينطبق كثير مما حدث في البوسنة -بما في ذلك الجهود التي بذلت في أعقاب الحرب لتحقيق مفاهيم العدالة الدولية- على حالات قائمة في عالمنا المعاصر.

وبالفعل يمكن لهؤلاء الذين يتذكرون حرب البوسنة أن يبصروا كثيرا من ملامحها في سوريا اليوم. فسوريا -كشأن البوسنة- تبدو مقسمة بين الفصائل المتحاربة على نحو يدعو لليأس، كما يبدو العنف هناك كأنه لا سبيل لوقفه. وقد عجز المجتمع الدولي عن تحقيق أي شكل من أشكال العمل الموحد، ناهيك عن التوصل إلى اتفاقية حول طريقة للمضي قدما والخروج من الأزمة.

لا شك أن هناك أيضا اختلافات وفوارق مهمة بين الحالتين، وإن كانت أيضا ملهمة عندما يتعلق الأمر بسوريا.

فخلال مراحل عدة من حرب البوسنة، طغت وجهة النظر التي تعارض تعامل المجتمع الدولي مع لاعبين معينين. لكن، على العكس في سوريا، لم يبرز في أي وقت الرأي الذي يعارض تماما تعامل المجتمع الدولي مع لاعبين بعينهم. وقد حدث في وقت ما إبان الأزمة البوسنية أن ذهب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إلى معقل صرب البوسنة في بيل للقاء زعيمهم رادوفان كراديتش، الذي يقبع الآن في زنزانة في لاهاي.

في حرب البوسنة، كان الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش نظيرا للرئيس السوري بشار الأسد في الأزمة السورية. ورغم معارضة بعض الدبلوماسيين الغربيين للتعامل معه، فإن الغالبية العظمى كانت تعي أنه يمثل مفتاح التحكم في الصرب وتحقيق السلام.

وعندما سافر السفير الأميركي ريتشارد هولبروك وفريقه -الذي كنت ضمنه- إلى بلغراد لمقابلة ميلوسوفيتش في أغسطس/آب 1995 (أي قبل شهر من التوافق على خطة سلام ووقف إطلاق النار)، كانت هناك شكوك في جدوى الزيارة، لكن معظم الأصوات الجادة كانت تدرك الحاجة إلى لقائه.

ولو افترضنا اليوم أن هناك قرارا مشابها بلقاء الأسد، لما حظي بأي تأييد. ولعلي أتصور صرخات الاستهجان والسخرية الموجهة إلى إدارة الرئيس باراك أوباما لو أرسلت مبعوثا إلى دمشق لإجراء لقاء كهذا.

لم تكن فترة التسعينيات أخف وطأة حتى يكون ذلك سببا لإتاحة إمكانية الاقتراب من ميلوسوفيتش (فحملة التطهير العرقي التي شنها الصرب، والتي شملت معسكرات اعتقال، وبلغت ذروتها بمذبحة يوليو/تموز 1995 ضد مسلمي البوسنة في سربرينتشا، كفيلة بدحض هذا التصور). لكن، كان مفتاح ذلك التوجه وجود خارطة طريق للسلام عرفت باسم خطة مجموعة الاتصال، والتي وضعت حلا نهائيا لأزمة البوسنة.

الواقع أن خطة مجموعة الاتصال لم تلق قدرا كبيرا من الاستحسان، ولكن لم يخرج أحد بحل أفضل من إنشاء دولة بوسنية اتحادية داخل حدودها القائمة، تكون قادرة على توفير ضمانات للأقليات.

ربما تكون سوريا متجهة إلى حكم سُنّي في نهاية المطاف يزيح السيطرة السياسية لطائفة الأسد العلوية، لكن لن يتسنى لحزب سياسي واحد أو طائفة بعينها حكم سوريا. ومن ثم فإن هذا البلد بحاجة إلى نظام لتقاسم السلطة وهياكل حكم تحمي هذا النظام

وقد نُفذت تلك الخطة في النهاية ضمن اتفاقية دايتون. وحتى يومنا هذا، لا يزال هناك كثيرون أيضا ممن ينتقدون الخطة ويذمونها، خاصة في أوساط هؤلاء الذين يعتقدون أنه كان ينبغي إعطاء البوسنيين الوسائل اللازمة لأن يفعلوا بالصرب ما حاول الصرب أن يفعلوه بهم. لكن قِلة من المراقبين قد يزعمون أن عملية مجموعة الاتصال لم تنجح في إنهاء واحدة من أكثر الحروب دموية في أوروبا، وخلق الظروف الموائمة لدمج دول البلقان في كيانات عابرة للأطلسي في نهاية المطاف.

يتطلب النزاع السوري جهدا وتركيزا دوليين مشابهين. أما "موازنة ميدان المعركة" بتزويد الأطراف المعتدلة بالسلاح، فليست إلا وصفة لعنف ممتد في أفضل الأحوال، بل ومزيد من الضحايا المدنيين واللاجئين. هناك حاجة إلى خطة سياسية للأزمة السورية، تضع في تصورها الهياكل السياسية اللامركزية داخل الحدود الدولية القائمة، رغم ما قد تثيره هذه الهياكل من إشكاليات.

إن الديمقراطية لا تستلزم حكم الأغلبية فحسب، بل تستلزم أيضا ضمان حقوق الأقليات. وربما تكون سوريا متجهة إلى حكم سُنّي في نهاية المطاف يزيح السيطرة السياسية لطائفة الأسد العلوية، لكن لن يتسنى لحزب سياسي واحد أو طائفة بعينها حكم سوريا. ومن ثم فإن هذا البلد بحاجة إلى نظام لتقاسم السلطة وهياكل حكم تحمي هذا النظام.

من المستبعد أن يصدر ذلك المفهوم من المقاتلين أنفسهم، ومن هنا تنشأ الأهمية الشديدة لخطة دولية تتسق مع هذه الخطوط. وقد يسهم إنشاء مجموعة اتصال على الطريقة البوسنية أيضا في إبراز توجهات جميع اللاعبين -المجتمع الدولي وفصائل سوريا المتحاربة- بتقديم اختبار مصداقية بسيط لتحديد "المعتدلين". ويمكن ببساطة استبيان الأمر بالسؤال عن من يدعم الخطة ومن لا يدعمها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.