الانتخابات البرلمانية التركية واستحقاقاتها المستقبلية

Flags of different political parties and a poster of Turkey's Prime Minister Tayyip Erdogan hang in the main square of the border city of Kilis on the Turkish-Syrian border March 18, 2014. Residents on the Turkey-Syria border area say Prime Minister Erdogan's ruling AK Party has mishandled the Syria crisis and exacerbated its impact on their province, and they plan to punish the party in Turkey's municipal elections on March 30. Erdogan has strongly backed opponents of President Bashar al-Assad since Syria's civil war erupted in 2011. Turkey opened its border to let in some 900,000 Syrian refugees, built camps to house them and gave free passage into Syria for the armed fighters, now dominated by hardline Islamists, battling Assad. Picture taken March 18, 2014. REUTERS/Murad Sezer (TURKEY - Tags: POLITICS ELECTIONS)
رويترز


تشكل الانتخابات البرلمانية المقررة في تركيا يوم السابع من الشهر الحالي انتخابات مفصلية في الحياة السياسية التركية وطبيعتها المستقبلية، فمن شأن نتائج هذه الانتخابات التأثير بشكل كبير على العديد من الاستحقاقات السياسية المقبلة، من عملية السلام والمصالحة التركية الكردية وإقرار دستور جديد للبلاد، وصولا إلى الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يدعو إليه "حزب العدالة والتنمية".

ولعل أكثر ما يميز هذه الانتخابات التي يتنافس مرشحوها على شغل ٥٥٠ مقعدا، ويشارك فيها عشرون حزبا من أصل ٣١، هو قرار "حزب الشعوب الديمقراطية" ذو القاعدة الكردية الكبيرة في جنوب شرقي البلاد، خوض معركتها بصفته الحزبية والاستغناء عن تقديم مرشحين مستقلين كما دأبت عليه الأحزاب التابعة للأكراد خلال عقدين من الزمن، حيث يتم ترشيح مستقلين بهدف الالتفاف على الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة على المستوى الوطني، أي نسبة الـ10% التي تشكل العتبة البرلمانية المنصوص عليها في الدستور، ولابد لأي حزب أن يتجاوزها حتى يتمكن من دخول مجلس النواب.

يعتبر البعض ترشح حزب الشعوب مغامرة سياسية، بالنظر إلى أن نسبة مصوتيه تمثل نحو ٨% من الناخبين، مما يعني مجازفة الحزب بخسارة كل مقاعده، وبالتالي حرمان الأكراد من التمثيل في البرلمان وزيادة التوتر بينهم وبين الحكومة

وهذا أمر يعتبره البعض مغامرة سياسية، خاصة أن نسبة أصوات القاعدة الناخبة الموالية "لحزب الشعوب الديمقراطية" تمثل نحو ٦ إلى ٨% من الناخبين على المستوى الوطني، مما يعني مجازفة الحزب بخسارة كل مقاعده، وبالتالي حرمان الأكراد من التمثيل في البرلمان وزيادة التوتر بينهم وبين الحكومة، وتعريض علاقة الحزب مع بعض أحزاب اليسار التركي المتحالف معه في الانتخابات للخطر، مثلما قد يؤدي ذات الأمر إلى تضعضع مشروع حزب "الشعوب الديمقراطية" السياسي، وهو المشروع القائم في جوهره على فكرة سعي الأكراد لبناء مستقبل سياسي ضمن النظام القانوني في تركيا.

الحقيقة أن خطوة حزب "الشعوب الديمقراطية" وترشحه للانتخابات القادمة بصفته الحزبية يحتمل الكثير من القراءات والتكهنات، نظرا لحساسية القضية التي يمثلها هذا الحزب -وإن بطريقة غير مباشرة- وهي القضية الكردية في تركيا، والتي باتت التصورات السياسية الجديدة لحل هذه القضية لدى "حزب العدالة والتنمية" تفرض نفسها بقوة.

فمنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام ٢٠١٣ بين الحكومة و"حزب العمال الكردستاني" مد "حزب العدالة والتنمية" يده إلى زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان وانخرط معه في مباحثات سلام، مع ترويج صورة إيجابية عنه في وسائل الإعلام المملوكة من الدولة، مما أفرز وقائع جديدة على الساحة التركية لا يمكن تجاهلها في المعركة الانتخابية.

وهو ما جعل البعض يعتقد بأن إقدام حزب "الشعوب الديمقراطية" -الذي تأسس عام ٢٠١٢ بدعم من أوجلان- على خوض المعركة الانتخابية جاء بمباركة من أردوغان، حيث تتردد الشائعات في بعض الأوساط الكردية المحلية "بأن الرئيس أردوغان اتفق مع حزب العمال الكردستاني على تطبيق اللامركزية في المناطق الكردية مقابل تشجيع حزب الشعوب الديمقراطية على المشاركة بصفته الحزبية في الانتخابات"، على أمل خسارته وعدم تجاوزه نسبة الـ10%، مما سيؤدي على الأرجح إلى ذهاب كل المقاعد التي كانت محسوبة لحزب الشعوب الديمقراطية إلى حزب العدالة والتنمية الذي يحتل المرتبة الثانية من حيث الشعبية في المناطق الكردية.

وفي هذه الحالة سيتمتع حزب العدالة والتنمية بزخم إضافي يخوله تعديل الدستور بصورة أحادية واعتماد النظام الرئاسي، في حين ستعزز خسارة حزب الشعوب الديمقراطية دور حزب العمال كممثل وحيد للأكراد في تركيا بعد أن تجد الحكومة نفسها في مواجهته مباشرة، وبالتالي إما البدء بحرب جديدة -وهذا أمر مستبعد- أو التعامل مع ذلك كأمر واقع.

وعليه، لا بد من إدخال حزب العمال الكردستاني في الحياة السياسية التركية والتعامل معه بشكل مباشر، بعد تحقيق متطلبات واستحقاقات المصالحة من أجل إيصال عملية السلام إلى نهايتها.

صحيح أن بعض القيادات الكردية سبقت كل التوقعات، بالقول إن القاعدة الناخبة الكردية ستلجأ إلى التحركات المدنية لتحقيق أهدافها في حال حرمان الأكراد من التمثيل السياسي في البرلمان، وإنها تخطط لإنشاء برلمان كردي في ديار بكر، إلا أن ذلك لا يخرج عن خانة الضغط على أردوغان لتكثيف المفاوضات والوفاء بوعده في تطبيق اللامركزية في المناطق الكردية.

في المقابل، ثمة مؤشرات إلى أن حزب الشعوب الديمقراطية قد يتجاوز نسبة الـ10 من أصوات الناخبين لسببين: أولهما يتعلق بحصول الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطية الحالي في الانتخابات الرئاسية السابقة صلاح الدين ديميرتاش على نسبة 9% من الأصوات على المستوى الوطني. والثاني يتعلق بدعم الأوساط اليسارية الكردية والتركية لقائمة الحزب الذي يعرّف نفسه بأنه "حزب لكل مكونات وأطياف المجتمع التركي". وقد أشارت بعض استطلاعات الرأي الأخيرة إلى ارتفاع شعبية الحزب بين الناخبين إلى ٨-١٢%.

وبتجاوز الحزب عتبة الـ10%، سيحصل على أكثر من ٥٠ مقعدا في مجلس النواب، الأمر الذي يشكل سابقة جديدة في الحياة السياسية التركية، مع تعزيز دور الأكراد في المعادلات السياسية داخل تركيا، وتحولهم إلى قوة مؤثرة في القرارات والقوانين العامة.

تظل السمة البارزة لهذه الانتخابات، الحضور الكثيف للعنصر النسائي في القوائم المتنافسة، فحزب العدالة رشح ٩٩ امرأة، بينهن ٢٤ محجبة، بينما رشح حزب الشعوب ٢٦٨ امرأة مقابل ٢٦٢ رجلا، وهو أعلى عدد من النساء في قوائم الأحزاب المشاركة في الانتخابات

وإذ تتوزع المنافسة الانتخابية بشكل رئيسي بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب العدالة والتنمية الطامح إلى الفوز بـ٣٦٧ مقعدا حتى يتمكن من تمرير مشروعه السياسي الجديد في البرلمان القادم، والمتضمن تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي دون أن يضطر إلى التحالف مع أي حزب آخر، يجتهد حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية للفوز بأكبر عدد من المقاعد من أجل كسر احتكار حزب العدالة للرئاسات الثلاث (البرلمان والحكومة والجمهورية).

لذا أقدم الحزبان على بعض الخطوات أملا في تعزيز موقعهما الانتخابي، فقد رشح حزب الحركة القومية الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية أكمل إحسان الدين أوغلو على قائمة الحزب عن مدينة إسطنبول.

كما ركز حزب الشعب الجمهوري -الوريث التاريخي لحزب مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك– على طرح برنامج اقتصادي منافس لحزب العدالة، وذلك بضم العديد من رجال الأعمال والاقتصاد إلى قائمته الانتخابية.

أما تحالف حزب السعادة مع حزب الاتحاد الكبير بزعامة مصطفى ديستجي، فحاول جمع القوميين والإسلاميين المناهضين لحزب العدالة في قائمة واحدة، مع التقرب من بعض أتباع جماعة "الداعية" فتح الله غولن.

لكن تظل السمة البارزة لهذه الانتخابات، الحضور الكثيف للعنصر النسائي في القوائم المتنافسة، فحزب العدالة والتنمية رشح ٩٩ امرأة، بينهن ٢٤ محجبة، بينما رشح حزب الشعوب الديمقراطية ٢٦٨ امرأة مقابل ٢٦٢ رجلا، وهو أعلى عدد من النساء في قوائم الأحزاب المشاركة في الانتخابات. أما حزب الحركة القومية فقد رشح ٦١ امرأة ضمن قائمته، في حين حزب الشعب الجمهوري ١٠٣.

مهما تكن نتائج الانتخابات القادمة وما تحمله من مفاجآت واحتمالات، وما يتبعها من ظروف سياسية تبدل في خارطة التجاذبات، فإن كل ذلك لن يخرج عن السياق الذي فرضته سياسة حزب العدالة والتنمية منذ استلامه الحكم قبل ١٣ عاما، حيث أولوية الملف الاقتصادي والكردي، وإن اختلفت طريقة التعاطي وسبل التمكين وتعزيز الحلول. لذا يمكن القول إن الفوز سينحصر حكما بين قوتين أساسيتين: حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستاني، وإن بمستويات مختلفة ومتباينة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.