إسرائيل كحاجة أميركية

FILE - This Sept. 30, 2013 file photo shows President Barack Obama meeting with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu in the Oval Office of the White House in Washington. Netanyahu plans to visit President Barack Obama next month amid tension between the allies on diplomatic matters. The White House announced the March 3 visit on Wednesday and said the two leaders would discuss Mideast peace efforts, Iran's nuclear program and other regional issues. (AP Photo/Charles Dharapak, File)
أسوشيتد برس

تناقضات ثانوية
الحاجة الأميركية
ماذا عن المستقبل؟

تواترت التحليلات في الآونة الأخيرة حول توصيف العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وذهب بعض المحللين السياسيين إلى نعت تلك العلاقات بأنها "على كف عفريت"، خاصة بعد رفض بنيامين نتنياهو خلال فترتي ترؤسه الحكومة الإسرائيلية طلب إدارة أوباما تجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، تمهيدا لانطلاق مفاوضات مع الطرف الفلسطيني تفضي لإقامة دولة فلسطينية.

وقد تخوف سياسيون إسرائيليون من احتمال تراجع العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بسبب الخلاف حول الملف النووي الإيراني، واحتمال استمراره بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة برئاسة نتنياهو للمرة الثالثة على التوالي.

وفي هذا السياق اعتبرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية رد البيت الأبيض على نتائج انتخابات الكنسيت العشرين التي جرت يوم الثلاثاء 17 مارس/آذار 2015، مؤشرا على امتعاض إدارة أوباما من مواقف إسرائيل، فإلى جانب التهنئة الباردة لنتنياهو من قبل أوباما، أوضح الرئيس الأميركي أن فريقه سيفحص من جديد سياسته في السياق الفلسطيني.

تناقضات ثانوية

اعتبرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية رد واشنطن على نتائج الانتخابات الأخيرة مؤشرا على امتعاض إدارة أوباما من مواقف إسرائيل، فإلى جانب التهنئة الباردة لنتنياهو من قبل أوباما، أوضح الأخير أن فريقه سيفحص من جديد سياسته في السياق الفلسطيني
لم يخلُ تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية من تناقضات ثانوية، وتشير دراسات ومتابعات سياسية إلى محطات عديدة شهدت مثل تلك التناقضات، ففي عام 1956 عبّر الرئيس الأميركي آنذاك "دوايت أيزنهاور" عن غضب بلاده من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملة مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، وقد يكون مرد الموقف الأميركي الخوف من ازدياد النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الأوسط.
 
وعلى الرغم من موقف الولايات المتحدة المنحاز لإسرائيل في حربها ضد الدول العربية المجاورة في عام 1967، فإن العلاقات خيم عليها التوتر أثناء هجوم إسرائيل على سفينة التجسس الأميركية (ليبرتي) في المياه الدولية.
 
وقد هددت إدارة الرئيس الأميركي "جيرالد فورد" في عام 1975 بإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل ما لم توقع إسرائيل على اتفاقية "فك اشتباك" مع مصر لتنسحب من سيناء. وأدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في عام 1981، حيث دعمت الولايات المتحدة العراق إبان حرب الخليج الأولى ضد إيران.

وفي عام 1982 عبّر الرئيس "رونالد ريغان" في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن عما وصفه متحدث "بالغضب" من قصف إسرائيل لبيروت خلال اجتياح لبنان، وأجبره على وقف إطلاق النار.

وفي عام 1990، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك "جيمس بيكر" إن غضب الولايات المتحدة يزداد بسبب تباطؤ إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، كما أنه ذكر رقم هاتف البيت الأبيض ودعا الجانبين "إلى الاتصال بنا عندما تكونان جادين بشأن السلام".

 
وكتب "بوش" في عام 2004 خطابا لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أرييل شارون" قال فيه إن المراكز السكانية الكبرى القائمة -في إشارة غير مباشرة للجيوب الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية- تجعل التوقعات بعودة إسرائيل لخطوط الهدنة لعام 1949 "غير واقعية".

ويلحظ المتابع للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، أن الفترة ما بين 2012-2015 قد شهدت أزمة عكست حالة من عدم الثقة بين كل من الرئيس الأميركي "أوباما" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" بسبب الخلاف حول ملفي المستوطنات الإسرائيلية والنووي الإيراني، وازدادت العلاقات توترا عشية الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في 17 مارس/آذار 2014.

قدرت المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال الفترة (1948-2014) بنحو 119 مليار دولار، منها نحو 60% مساعدات عسكرية و40% مساعدات اقتصادية، ومن المقدر أن تصل هذه المساعدات إلى نحو 123 مليار دولار في نهاية العام الحالي 2015
لكن رغم أن المحطات المذكورة شهدت تناقضات، فإنها لم تمس بجوهر العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، حيث لعبت وتلعب إسرائيل دورا هاما في إطار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وقد أكدت ذلك وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية على حد سواء.

الحاجة الأميركية
تجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل كحاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية، التي تساهم بنحو 30% من إجمالي إنتاج النفط في العالم، فضلا عن استئثارها بحوالي 60% من احتياطي النفط العالمي.

وتبعا لذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بترسيخ علاقاتها مع إسرائيل في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأميركي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام قرار النقض الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

وقد توضح التوجه الأميركي لدعم إسرائيل خلال فترتي الانتفاضتين الأولى والثانية، وقبل ذلك الضغط الأميركي على المنظمة الدولية التي ألغت بدورها القرار الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأميركية لإسرائيل عرفت بكونها الأهم في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل، فحلت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية، أو حدت منها على الأقل، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأميركية المتطورة.

وفي هذا السياق، قدرت قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال الفترة (1948-2014) بنحو 119 مليار دولار، منها نحو 60% هي قيمة المساعدات العسكرية، أما 40% المتبقية فهي قيمة المساعدات الاقتصادية، ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل إلى نحو 123 مليار دولار في نهاية العام الحالي 2015.

ماذا عن المستقبل؟

رغم الحديث المتكرر حول تراجع العلاقات الأميركية الإسرائيلية نتيجة الخلافات في ملفي الاستيطان والنووي الإيراني، فإن الثابت أن العلاقات لا تزال إستراتيجية، وستبقى في سياقها العام، لأن إسرائيل أولا وأخيرا حاجة أميركية
بالنسبة لمستقبل مكانة إسرائيل في إطار العلاقات الأميركية الدولية، فهذا مرهون ومرتبط إلى حد كبير بالعلاقات الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية من جهة، وبنفوذ اللوبي اليهودي في مراكز القرار الأميركي من جهة أخرى.
 
والمتتبع لتلك العلاقة يلحظ أن نفوذ اليهود المنظم في الولايات المتحدة، وكذلك أهمية دور إسرائيل في إطار المصالح الأميركية الشرق أوسطية -رغم التناقضات الثانوية- سيبقي على مكانة هامة لإسرائيل في إطار العلاقات الأميركية الإسرائيلية في المدى البعيد، وبالتالي على أهمية إسرائيل كحاجة وذخر إستراتيجي لأميركا في نفس الوقت.

كما يلاحظ أن الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن إمكان استغناء إسرائيل عن تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية، في ظل تحقيق إسرائيل لمعدلات نمو اقتصادي يفوق معدلات النمو السكاني فيها، هو ضرب من ضروب الخيال، خصوصا وأن الإدارات الأميركية المتعاقبة قدمت مساعدات سخية لإسرائيل، ساعدت في استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين اليهود.

 
وساهمت في نفس الوقت أيضا في تمويل حملات إسرائيل العسكرية العدوانية على الدول العربية، خلال الأعوام: 1956، 1967، 1982، 2006، وكذلك خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع، في نهاية عام 2008 وبداية 2009، وفي عام 2012، وأيضا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في صيف العام المنصرم 2014، الذي ذهب ضحيته آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين، جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء. كما ساهمت الإدارات الأميركية المتعاقبة في تعويض إسرائيل عن خسائرها المالية والعسكرية بعد حروبها التي شنتها على الدول العربية.

ويبقى القول إنه على الرغم من الحديث الإعلامي المتكرر حول تراجع العلاقات الأميركية الإسرائيلية نتيجة التعارضات في ملفي الاستيطان والنووي الإيراني، فإن الثابت أن العلاقات لا تزال إستراتيجية، وستبقى في سياقها العام، وقد أكد على ذلك أكثر من مسؤول في إدارة أوباما، وكذلك سياسيون إسرائيليون من كافة الأطياف السياسية، وإسرائيل أولا وأخيرا حاجة أميركية في المقام الأول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.