مستقبل الصفقة النووية الإيرانية

Iranian Foreign Minister Javad Zarif (2-L), the European Union's negotiator Catherine Ashton (C) and US Secretary of State John Kerry (R) sit at a conference table prior to their talks between the E3+3 (France, Germany, UK, China, Russia, US) and Iran in Vienna, Austria, 21 November 2014. Others are not identified. High-level negotiators are working on a deal that would cut back Tehran's civilian nuclear programme and reduce the risk that it could be used for making nuclear weapons. Kerry on 20 November had warned that the six powers negotiating the nuclear deal with Iran would not be rushed into closing an agreement that does not meet their standards.


يقول المثل الإنجليزي القديم "There’s many a slip twixt the cup and the lip" (من يدري ماذا تخبئ الأقدار). أي أن ما قد يبدو في الظاهر محسوما ومؤكدا قد لا يكون كذلك في واقع الأمر. وإذا لم يكن لمثل هذا التعبير وجود في الثقافة الفارسية، فأنا أتوقع أن ينشأ تعبير مماثل قريبا.

والسبب بطبيعة الحال هو "عناصر خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن برنامج جمهورية إيران الإسلامية النووي"، وهو الإطار الذي تبنته للتو إيران ومجموعة الخمسة + واحد (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا). ويشكل الاتفاق إنجازا سياسيا ودبلوماسيا مهما، وهو يحتوي على تفاصيل أكثر وأوسع نطاقا مما توقع كثيرون.

ولكن رغم كل هذا، يترك النص أسئلة بلا إجابة بقدر ما يجيب على غيرها. وفي واقع الأمر -وكما ستُظهِر الأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة- هناك قضايا رئيسية لم يبت فيها بعد. والأقرب إلى الحقيقة أن نقول إن المناقشة الحقيقية حول اتفاق إيران النووي بدأت للتو.

هناك ما لا يقل عن خمسة أسباب تجعلنا لا نفترض أن الاتفاق سوف يدخل حيز التنفيذ أو أنه قد يحقق التأثير المطلوب. فقد تتغير الآراء بسهولة عندما يعود الذين تفاوضوا على الاتفاق لديارهم ويواجهون الانتقادات من حكوماتهم والرأي العام بشأن بنوده وشروطه

يفرض الإطار حدودا صارمة للبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك عدد ونوع أجهزة الطرد المركزي، ونوع المفاعلات، وكمية ونوعية اليورانيوم المخصب الذي قد يُسمَح للبلاد بامتلاكه. وهناك معايير تحكم عمليات التفتيش اللازمة لتوفير الثقة في وفاء إيران بالتزاماتها. هذا فضلا عن فقرات تنص على تخفيف العقوبات الاقتصادية بمجرد التحقق من وفاء إيران بالتزاماتها.

الخلاصة هي أن الاتفاق سيوفر فترة تحذيرية تقدر بنحو عام منذ اللحظة التي قد تقرر فيها إيران بناء السلاح النووي إلى النقطة التي تتمكن عندها من تحقيق ذلك الهدف. ويفترض هذا التقدير أن المراقبة المشار إليها في الاتفاق سوف تستكشف أي عدم امتثال من قِبَل إيران في وقت مبكر بالقدر الكافي لتمكين الاستجابة الدولية المنسقة، وخاصة إعادة فرض العقوبات، قبل أن تتمكن إيران من امتلاك أسلحة نووية.

وهناك ما لا يقل عن خمسة أسباب تجعلنا لا نفترض أن الاتفاق سوف يدخل حيز التنفيذ أو أنه قد يحقق التأثير المطلوب. السبب الأول يتصل بالأيام التسعين المقبلة. فما أعلِن كان إطارا مؤقتا، والمفترض أن يكتمل الاتفاق الشامل بحلول نهاية يونيو/حزيران. ومن ناحية أخرى، قد تتغير الآراء بسهولة عندما يعود أولئك الذين تفاوضوا على الاتفاق المؤقت إلى ديارهم ويواجهون الانتقادات من حكوماتهم والرأي العام بشأن بنوده وشروطه. وبالفعل بدأت تنشأ الآن اختلافات كبيرة في الكيفية التي يعرض بها الطرفان الأميركي والإيراني ما تم التفاوض عليه.

وينبع سبب ثان للقلق من قضايا محددة تظل بلا حل حتى الآن. ولعل القضية الأكثر صعوبة هي توقيت إلغاء العقوبات الاقتصادية العديدة، وهي القضية الأكثر إزعاجا لإيران. ولكن العقوبات في حد ذاتها تشكل أيضا مصدرا للقدر الأكبر من التأثير على السلوك الإيراني، وهذا يعني أن كثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا يرغبون في بقاء العقوبات إلى أن تلبي إيران التزاماتها الحاسمة بالكامل.

ويدور السبب الثالث للشك حول تحديد ما إذا كانت الأطراف المختلفة قد توافق على أي اتفاق طويل الأجل. وتتعلق أسباب عدم اليقين الرئيسية بإيران والولايات المتحدة. فمن المؤكد أن المتشددين في إيران سوف يعترضون على إبرام اتفاق مع "الشيطان الأكبر" يفرض قيودا على طموحات بلادهم النووية. ولكن هناك أيضا رغبة واسعة الانتشار بين الإيرانيين للإفلات من وطأة العقوبات الاقتصادية، وسوف توافق إيران على أي اتفاق يؤيده المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والمفترض أنه يؤيده.

والشكوك أعظم في الولايات المتحدة. إذ يتعين على الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتعامل مع بيئة سياسية أشد تعقيدا، بداية بالكونغرس الأميركي. وهناك قلق واسع النطاق ومفهوم بشأن السماح لإيران بامتلاك أي قدرات نووية، حول مدى كفاية شروط الرصد والتفتيش، وحول ما قد يحدث في غضون خمسة عشر إلى خمسة وعشرين عاما عندما تنتهي القيود المختلفة المفروضة على إيران.

إن إيران دولة راغبة في التحول إلى قوة إمبراطورية استعمارية وتسعى إلى تحقيق التفوق الإقليمي. وحتى إذا تم إبرام وتنفيذ الاتفاق النووي فإن هذا لن يؤثر على هذا الواقع بل وربما يزيده سوءا، لأن إيران بوسعها أن تخرج من الأمر بسمعة معززة وبلا مساس بالخيار الطويل الأجل لإنتاج الأسلحة النووية

وإقناع الكونغرس بالموافقة على الاتفاق النهائي و/أو رفع العقوبات أمر غير مضمون على الإطلاق.

ويرتبط هذا السؤال المتعلق باكتساب الموافقة السياسية ارتباطا وثيقا بمجال رابع للقلق: فكيف يمكن تنفيذ أي اتفاق نهائي. إن تاريخ الحد من التسلح يشير إلى أن إيران، التي يؤكد سجلها حجب معلومات مهمة عن مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، ربما تنشأ في بعض المناسبات شكوك حول عدم التزامها بحرفية الاتفاق، ناهيك عن روح ما تم التفاوض عليه. وهناك احتياج واضح إلى الاتفاق على عملية الحكم على السلوك الإيراني وتحديد الاستجابات المناسبة.

ولا ينبع مصدر القلق الخامس من الاتفاق بقدر ما يتعلق بكل شيء آخر في السياسات الخارجية والدفاعية الإيرانية. فالاتفاق يدور فقط حول أنشطة إيران النووية، ولا يذكر شيئا عن برامج إيران الصاروخية أو دعم الإرهابيين والوكلاء، ناهيك عن الأنشطة التي تقوم بها والدور الذي تلعبه في سوريا أو العراق أو اليمن، أو أي مكان آخر من الشرق الأوسط المضطرب، أو حقوق الإنسان في الداخل.

إن إيران دولة راغبة في التحول إلى قوة إمبراطورية استعمارية وتسعى إلى تحقيق التفوق الإقليمي. وحتى إذا تم إبرام وتنفيذ الاتفاق النووي فإن هذا لن يؤثر على هذا الواقع بل وربما يزيده سوءا، لأن إيران بوسعها أن تخرج من الأمر بسمعة معززة وبلا مساس بالخيار الطويل الأجل لإنتاج الأسلحة النووية.

الواقع أن أوباما محق: فالاتفاق النووي من ذلك النوع المطروح أفضل من امتلاك إيران للسلاح النووي أو خوض حرب من أجل منع هذه النتيجة. ولكن أي اتفاق لابد أن يعمل أيضا على توليد قدر واسع النطاق في الولايات المتحدة والمنطقة من الثقة في قدرته على وضع سقف واضح للبرنامج النووي الإيراني، وضمان أن أي محاولة غش سوف تكتشف في وقت مبكر بحيث يمكن التعامل معها بصرامة. ولن يكون هذا سهلا، بل وليس من قبيل المبالغة أن نتوقع أن تثبت الجهود الرامية إلى توليد مثل هذا القدر من الثقة كونها لا تقل صعوبة عن المفاوضات ذاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.