دلالات نتائج انتخابات الرئاسة النيجيرية

Supporters of opposition candidate Gen. Muhammadu Buhari's All Progressives Congress (APC) party celebrate what they said was the senatorial win in Kano Central district of APC candidate Rabiu Musa Kwankwaso, in Kano, northern Nigeria Monday, March 30, 2015. Nigerians are waiting in hope and fear for results of the most tightly contested presidential election in the nation's turbulent history. (AP Photo/Ben Curtis)
رويترز

أسباب هزيمة غودلاك
أسباب فوز بخاري
ملاحظات حول الانتخابات
تحديات مستقبلية

أسفرت انتخابات الرئاسة النيجيرية -التي شهدتها البلاد مؤخرا- عن فوز مرشح حزب المؤتمر من أجل التغيير المعارض الجنرال السابق محمد بخاري على الرئيس غودلاك جوناثان الذي ينتمي لحزب الشعب الديمقراطي الحاكم منذ 1999.

جاء ذلك الفوز بعد حصول الأول على 54% من إجمالي الأصوات مقابل 44% للثاني وبفارق أصوات بلغ قرابة مليونين ونصف مليون صوت ليصبح غودلاك أول رئيس يطاح به وهو في السلطة بموجب الانتخابات، كما أصبح بخاري ثاني انقلابي يتولى الحكم بموجب انتخابات بعد الرئيس أوليسيغون أوباسانجو.

هذه النتيجة تطرح عدة تساؤلات بشأن أسباب هزيمة غودلاك من ناحية، وفي المقابل أسباب فوز بخاري، كما تطرح تساؤلات عن التحديات التي سيواجها بخاري خلال السنوات الأربع القادمة على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية.

أسباب هزيمة غودلاك

من أسباب هزيمة غودلاك الفشل في مواجهة بوكو حرام حيث زادت العمليات التي قامت بها الجماعة في عهده والتي أسفرت عن مقتل أعداد تتراوح بين 11 و13 ألفا منهم ستة آلاف فقط منذ عام 2014، وتشريد مليون ونصف المليون آخرين داخل البلاد، فضلا عن فرار قرابة مائتي ألف إلى دول الجوار

يمكن القول بوجود مجموعة من الأسباب تقف وراء هزيمة غودلاك تتمثل فيما يلي:

1- وجود حالة من عدم الثقة لدى المواطن النيجيري عامة، والمسلم خاصة تجاه غودلاك. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، وإنما ترتبط بترشح غودلاك في انتخابات 2011 وخرقه الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه عام 1999 في مرحلة التحول الديمقراطي، والذي يقضي بتداول السلطة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي كل فترتين رئاسيتين" مدة الفترة الدستورية أربع سنوات"، على أن يكون نائب الرئيس من الديانة الأخرى.

وبالفعل تم تطبيق هذا المبدأ منذ تولي أوباسانجو المسيحي الجنوبي الحكم (1999-2007) ثم تلاه في الحكم الشمالي المسلم عمر يارادوا (2007-2011) والذي كان غودلاك نائبا له، لكن الوفاة المفاجئة ليارادوا عام 2010، واستكمال غودلاك بصفة مؤقتة باقي الفترة، أثارت مخاوف من إمكانية ترشح غودلاك في انتخابات 2011 وقطع الطريق على الشمال المسلم لاستكمال الفترة الرئاسية الثانية.

تلك المخاوف دفعت غودلاك في حينها إلى إعلانه عدم نيته خوض الانتخابات، والانتظار حتى 2015، لكنه خالف وعوده وقام بترشيح نفسه، في الوقت الذي تكتل فيه مسلمو الشمال خلف خصمه محمد بخاري. وتدخلت الحكومة لتزوير الانتخابات لصالح غودلاك وحدثت حالة من الاحتقان، بل والمواجهات الطائفية بين أنصار الجانبين ولا سيما في مدن الشمال أسفرت عن وقوع مئات القتلى وهي المواجهات الأكبر منذ الحرب الأهلية التي شهدتها في الفترة من 1967- 1970، وهو ما ساهم في وجود حالة التربص ضده من ناحية، ومحاولة رد الاعتبار للشمال المسلم من ناحية ثانية.

2- الفشل الأمني في مواجهة بوكو حرام حيث زادت العمليات التي قامت بها الجماعة في عهده والتي أسفرت عن مقتل أعداد تتراوح بين 11 و13 ألفا منهم ستة آلاف فقط منذ عام 2014، وتشريد مليون ونصف المليون آخرين إلى داخل البلاد، فضلا عن فرار قرابة مائتي ألف إلى دول الجوار.

3- تدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط العالمية والذي يشكل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من واردات العملة الأجنبية ونحو 80% من عائدات الميزانية. كما ترتب على ذلك تراجع العملة النيجيرية "النيرة" أمام الدولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014 لتصبح 191 نيرة للدولار الواحد بعدما كانت 151 للدولار.

4- يرتبط بما سبق حالة الفساد المستشرية في البلاد، حيث اقتصرت المناصب وعوائد البلاد على أبناء قبيلة الرئيس "اليوروبا" بل وزوجته التي عينها كبيرة الموظفين المدنيين في القصر الرئاسي. ووفقا لتقرير الشفافية الدولية، فإن نيجيريا تحتل المرتبة 136 من 175 دولة وفق مؤشرات إدراك الفساد.

5- سوء إدارة الرئيس للبلاد بصفة عامة، ولحزبه بصفة خاصة. ذلك الحزب الذي تم تأسيسه في التسعينيات من قبل جنرالات متقاعدين أبرزهم أوباسانجو. لكن يبدو أن غودلاك أراد أن يتخلص من هؤلاء، أو بمعنى آخر تصور أنه يمكن أن ينجح دون الاعتماد عليهم، وكانت النتيجة انشقاقهم وفي مقدمتهم أوباسانجو وتحالفهم مع خصمه محمد بخاري.

أسباب فوز بخاري
وإذا كانت هذه هي أسباب هزيمة غودلاك فمن المنطقي أن تمثل هي ذاتها بشكل آخر أسبابا لفوز منافسه محمد بخاري، مع بعض العوامل الإضافية التي من أهمها:

من التحديات التي يواجهها بخاري تلك المتعلقة بالجانب الأمني ومدى نجاحه في القضاء السريع -بحسب تعهداته- على بوكو حرام في مناطق تمركزها شمالي شرقي البلاد وتمكين المهجرين سواء في داخل البلاد أو في دول الجوار من العودة لديارهم

1- رغبة الشعب في التغيير ولا سيما في ظل تردي أوضاعه في ظل قيادات تنتمي لحزب الشعب الحاكم منذ 1999 "أوباسانجو، عمر يارادوا، غودلاك. وقد تماشت هذه الرغبة مع الشعار الذي رفعه بخاري في الانتخابات وهو التغيير الإيجابي.

2- البرنامج الانتخابي لبخاري والذي عمل على التركيز على القضايا الهامة التي تشغل المواطن وفي مقدمتها قضيتا الأمن والاقتصاد. فوفق استطلاع أجراه مركز بيو الأميركي هناك ثلاث قضايا أساسية تشغل المواطن النيجيري منذ عام 1999 هي قضايا الفساد "86% "، والجريمة 88″%"، والتطرف الإسلامي "72% " وهي القضايا التي تعهد بخاري بالقضاء السريع عليها.

فبالنسبة لقضية التطرف، تعهد بخاري بالقضاء على بوكو حرام خلال فترة وجيزة، ولعل خلفيته العسكرية هي ما دفعت الشعب للثقة به، أما بالنسبة لقضية الفساد فإن بخاري مشهود له خلال فترة حكمه الأولى بالنزاهة ونظافة اليد، كما أن اختياره شعار المكنسة كرمز انتخابي كان له تأثيره المعنوي لدى الناخب المسيحي قبل المسلم وأعطى الثقة بأن الرجل يرغب في تطهير البلاد من الفساد المستشري فيها.

3- تحالف بخاري مع خصوم غودلاك ولا سيما الشخصيات البارزة في حزبه مثل الرئيس الأسبق أوباسانجو وغيره.

4- إرسال رسائل تطمينية لغير المسلمين وعدم الاقتصار على صوت الناخب المسلم في الشمال فقط. ويبدو أنه استفاد من تجربة انتخابات 2011 والتي دافع فيها بشدة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنه عمل خلال هذه الانتخابات على التركيز على قضية التنوع والتسامح الديني.

ملاحظات حول الانتخابات
هناك مجموعة من الملاحظات بشأن الانتخابات الرئاسية أبرزها ما يلي:

1- تراجع النزعة الطائفية إلى حد ما مقارنة بانتخابات 2011 والتي تلتها مواجهات بين المسلمين والمسيحيين في الشمال تحديدا بسبب خرق غودلاك اتفاق 1999، لكن يبدو أن الرجل اعترف هذه المرة بنكوثه عن هذا الاتفاق، وقبل بالهزيمة.

2- فوز رئيس انقلابي في انتخابات حرة ونزيهة. وهي المرة الثانية التي تشهدها البلاد بعد ظاهرة أوباسانجو الذي قاد انقلابا حكم به البلاد في الفترة من 1976-1979، ثم عاد لتبوء مقعد الرئاسة كأول رئيس جنوبي يصل للحكم عبر انتخابات حرة مباشرة عام 1999.

ويلاحظ أن عودة شخصيات انقلابية للواجهة في بلد يحفل تاريخه السياسي بسيطرة العسكريين على الحكم (بلغت فترة حكم العسكر منذ الاستقلال عام 1960، وحتى تولي أوباسانجو الحكم عام 1999 قرابة 30 عاما)، لا يشير إلى اشتياق البلد لحاكم عسكري بقدر اشتياقه لحاكم يخلصه من المعاناة الأمنية والاقتصادية تحديدا. لذا فهو يرى أن بخاري ذا الخلفية العسكرية واليد النظيفة قادر على تحقيق ذلك.

3- الترحيب الدولي بفوز بخاري بغض النظر عن كونه مسلما، لأن الذي يهم هذه الدول هو موقف الرئيس من الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام من جهة، فضلا عن مدى حفاظه على مصالح الشركات الأجنبية التابعة لهذه الدول والعاملة في قطاع النفط من ناحية ثانية خاصة تلك الموجودة في دلتا نهر النيجر.

تحديات مستقبلية
في النهاية يبقى التساؤل عن أبرز التحديات التي يواجهها بخاري على الصعيدين الداخلي والخارجي.

لن يؤثر فوز بخاري  كثيرا على العلاقات مع العالم الإسلامي، خاصة أنه يخشى من إرسال رسائل سلبية لمسيحيي الداخل. وبصفة عامة يلاحظ أن نيجيريا رغم أنها أكبر دولة إسلامية في أفريقيا، فإن بروز توجه إسلامي في سياستها الخارجية يعد بمثابة قضية حساسة للغاية

فداخليا يواجه جملة من التحديات أهمها تلك المتعلقة بالجانب الأمني ومدى نجاحه في القضاء السريع -بحسب تعهداته- على بوكو حرام في مناطق تمركزها شمالي شرقي البلاد وتمكين المهجرين سواء في داخل البلاد أو في دول الجوار من العودة لديارهم.

أما التحدي الثاني فيرتبط بالأوضاع الاقتصادية والتي تشمل مجموعة من الملفات أبرزها ملف الفساد ولا سيما ما يتعلق بغياب الشفافية في مجال عوائد النفط. فهناك عشرون مليار دولار من عوائد شركة النفط النيجيرية المملوكة للدولة لم تدخل خزينة الدولة.

أما ثاني هذه الملفات فهو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن، فالبطالة مستفحلة بدرجة كبيرة، وحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن 67% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يشكل تحديا لبخاري الذي وعد بزيادة الاستثمارات في مجالي التعدين والزراعة لتلافي المشكلات المترتبة على تراجع أسعار النفط من ناحية وللتغلب على مشكلة البطالة التي تبلغ 24% من إجمالي السكان من ناحية ثانية.

أما على الصعيد الخارجي. فمن الواضح أن استعادة نيجيريا لدورها الإقليمي خاصة من خلال تجمع "الإيكواس" (المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا) يشكل أهمية كبيرة خاصة بعد تراجع هذا الدور منذ عهد أوباسانجو.

وبالنسبة للدول الإسلامية. فربما لا يؤثر فوزه كثيرا على هذه العلاقات خاصة أنه يخشى من إرسال رسائل سلبية لمسيحيي الداخل. وبصفة عامة يلاحظ أن نيجيريا رغم أنها أكبر دولة إسلامية في أفريقيا، فإن بروز توجه إسلامي في سياستها الخارجية يعد بمثابة قضية حساسة للغاية. بل إن انضمامها لمنظمة المؤتمر "التعاون" الإسلامي عام 1986، أثار حفيظة النصارى من أن يكون ذلك مقدمة لتحويل البلاد إلى دولة إسلامية، وكذلك فقد ثارت الخلافات على إنشاء محكمة استئناف شرعية اتحادية وعلى تطبيق الشريعة في الولايات الشمالية.

نتيجة لتلك الاعتبارات فربما يحافظ الرجل على سياسة خارجية متزنة، ولا سيما أنه يرغب في كسب ود الولايات المتحدة والغرب عموما عبر بوابة هزيمته لبوكو حرام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.