الإرهاب والثقة

French police secure the area as shots are exchanged in Saint-Denis, France, near Paris, November 18, 2015 during an operation to catch fugitives from Friday night's deadly attacks in the French capital. REUTERS/Benoit Tessier


بينما يحاول العالم أن يستوعب التداعيات والعواقب الأوسع نطاقا للفظائع الإرهابية في باريس، فإن هناك خطرا بأن تضيع قصة مهمة في خضم سيل التغطية والتحليلات، وهي قصة تتعلق بالدور الحيوي المتزايد الذي تلعبه الشركات الخاصة في التخطيط والاستجابة للحالات الطارئة، وهناك ما هو أبعد من ذلك بالنسبة لهذه القصة.

بينما تكشفت حقيقة موجة الهجمات المتزامنة قام الناس حول العالم بمتابعتها في بث حي مباشر من خلال تويتر، ولقد تواصل الباريسيون مع أولئك الذين تقطعت بهم السبل عن طريق توفير ملاذات آمنة مستخدمين وسم الباب المفتوح على تويتر، كما قام أولئك الذين أرادوا الاطمئنان على سلامة أقاربهم وأصدقائهم بالتحقق من خلال خاصية فيسبوك الجديدة "التحقق من السلامة". لقد أعلنت شركة جوجل أن الاتصالات لفرنسا ستكون مجانية من خلال جوجل هانغ آوتس.

خلال أحداث باريس تواصلت حكومات حول العالم مع مواطنيها باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ فالسفارة البريطانية في فرنسا أرسلت معلومات عن طريق تويتر للمسافرين، بينما أعلنت السفارة الأميركية هناك آخر المستجدات عبر فيسبوك

لقد تواصلت الحكومات حول العالم مع مواطنيها باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي؛ فالسفارة البريطانية في فرنسا أرسلت معلومات عن طريق تويتر للمسافرين، بينما أعلنت السفارة الأميركية هناك آخر المستجدات عبر فيسبوك.

لكن، ليست فقط شركات الاتصالات التي كانت على قدر المسؤولية، فشركات تقاسم المركبات عادة ما توجه لها الانتقادات في الصحف هذه الأيام، ولكن عندما احتاج الناس أن يخرجوا من المناطق التي حدثت فيها الهجمات بشكل آمن استجاب سائقو سيارات الأجرة في باريس لهذه الحالة الطارئة عن طريق توفير خدماتهم بالمجان، حيث كان دورهم مكملا للنقل العام.

إن هناك أشياء أكثر في حياتنا اليومية -الاتصالات والنقل والرعاية الصحية والطاقة وغيرها الكثير- تعتمد على الخدمات التي يوفرها القطاع الخاص عوضا عن القطاع العام، ولقد أصبحت تلك الشركات جزءا من نسيج مجتمعاتنا، والحالات الطارئة فقط تجعلنا ننتبه لهذه الحقيقة.

لكن زيادة السلطة تعني زيادة المسؤولية، وما تزال الشركات تجد أن من الصعوبة بمكان التعامل معها. إن الشركات لديها مسؤولية الاستعداد للأزمات بما في ذلك الكوارث الطبيعية والبشرية بشكل أكثر جدية مقارنة بأي وقت مضى، كما أن لديها مسؤولية التحقق من أنها جزء من الحلول للتحديات الوطنية والعالمية الأوسع نطاقا. باختصار، إن هذه الشركات لديها أيضا مسؤولية الوفاء بالتزاماتها الناشئة عن اعتمادنا عليها ومن الثقة التي نوليها لتلك الشركات ضمنيا أو صراحة.

إن التحدي هو أن مدى مسؤولية الشركات قد أصبح واضحا في وقت يتزايد فيه انعدام الثقة تجاه القطاع الخاص. إن هناك مخاوف قوية تتعلق بكمية المعلومات الخاصة التي نقدمها لفيسبوك وجوجل والشركات الأخرى، مما يمكنها من معرفة الكثير عن أين نذهب وماذا نفعل ومع من نتحدث، وهذا لا ينطبق فقط على الشركات التقنية، حيث إن هناك أيضا الشركات التي نعتمد عليها من أجل صناعة سيارات آمنة يمكن التعويل عليها، ومن أجل توليد الطاقة، وتعدين المواد الخام من أجل إنتاج أشياء نستخدمها كل يوم.

طبقا لأبحاث موري إيبسوس التي لم يتم نشرها، وتم إرسالها لي مؤخرا، فإنه عندما يتعلق الأمر بالحكم على شركة ما فإن الأمانة والنزاهة هي أهم من أي وقت مضى، فثقة الزبائن تتآكل باضطراد بسبب عدة عوامل تقود الناس إلى التشكيك في مدى تقدير تلك الشركات لهم كزبائن؛ وعليه فحتى ونحن بحاجة للشركات لتقديم المزيد من الخدمات الحيوية من النقل إلى الرعاية الصحية إلى خطط الإخلاء فنحن نثق بها بشكل أقل.

هناك أشياء أكثر في حياتنا اليومية (الاتصالات والنقل والرعاية الصحية والطاقة وغيرها الكثير) تعتمد على الخدمات التي يوفرها القطاع الخاص عوضا عن القطاع العام، لقد أصبحت تلك الشركات جزءا من نسيج مجتمعاتنا والحالات الطارئة فقط تجعلنا ننتبه لهذه الحقيقة

إن هذا لا يعد ردّ فعل مبالغا فيه على قضايا نادرة، وعلى العكس من ذلك فإن الناس يشعرون بالصدمة، وهو شعور له ما يبرره على تواصل نشر القصص التي تشكك في ما إذا كانت الشركات التي تقدم خدمات ضرورية في بلاد حول العالم تستحق ثقتهم.

إن الأكثر ازعاجا هو أن تلك الشركات التي تعد مدافعة صلبة عن حكم القانون عندما يتعلق الأمر بحقوقها تتعمد انتهاك القانون -دون اعتبار للعواقب- عندما يتعلق الأمر بزيادة أرباحها. إن قضية فولكس فاجن لا تزال تستعصي على الفهم، فكيف يمكن لشركة ضخمة متعددة الجنسيات أن تجعل السلوك الإجرامي جزءا من إستراتيجيتها التجارية؟

إن التحقيقات الأخيرة عما إذا كانت إكسون مويبل قد تعمدت تغطية أنها كانت تعرف معلومات أكثر عن مخاطر التغير المناخي تنطوي على التجريم كذلك.

وكما أظهرت الردود على الهجمات الإرهابية في باريس، فإن الشركات يمكن أن تعمل الكثير من الأشياء الجيدة، وأن تكون بمثابة شركات وطنية مسؤولة، ولكن هناك ما يشبه شخصية جاكل وهايد في ما يتعلق بتلك الشركات. فمثلا الشركات التي تنتج ملابس منخفضة التكاليف يمكن أن تصنع تلك الملابس في مصانع تستغل العمال والناس الذين ساعدتهم الشركات باقتدار وسخاء خلال الحالة الطارئة في باريس، وهم نفس الناس الذين خانتهم تلك الشركات، وأخفت معلومات عنهم في أوقات أخرى.

بالطبع، فإنه يتوجب النظر إلى هجمات باريس طبقا لشروط الجغرافيا السياسية والأمن، ولكن هناك درسا للشركات ولبقيتنا أيضا، وهو أننا سوف نكون في وضع أفضل لو أن الدافع لدى الشركات لتقوم بالشيء الصحيح في أسوأ الأوقات هو الذي يحدد كيف تتصرف تلك الشركات في جميع الأوقات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.