إستراتيجية الجيش الإسرائيلي.. أعداء وحروب ومخاطر

An Israeli soldier carries a shell as he and his comrades prepare their Merkava tanks stationed at an army deployment area along the border between Israel and the Hamas-controlled Gaza Strip on July 31, 2014. Israel mobilised 16,000 additional reservists today to bolster forces fighting in Gaza as Washington gave its ally the go-ahead to raid stocks of emergency US weapons stored on Israeli soil. AFP PHOTO/JACK GUEZ
غيتي إيميجز

محاور الإستراتيجية
التغذية الراجعة
الرد الفلسطيني

للمرة الأولى في تاريخه، أصدر الجيش الإسرائيلي في أغسطس/آب الماضي، إستراتيجيته العسكرية، التي حملت توقيع قائد هيئة أركانه "غادي آيزنكوت"، واستعرضت كيفية رد الجيش الإسرائيلي في حال نشوب أي مواجهة.

وهي الوثيقة التي تضمنت أيضا العديد من النقاط منها علاقة الجيش بالمستوى السياسي، وتحديد العدو الرئيسي لـإسرائيل حاليا، وغيرها من النقاط التي تحدد إستراتيجية الجيش في الفترة المقبلة.

محاور الإستراتيجية
حددت الوثيقة الأهداف العليا لإسرائيل، بالحفاظ على وجودها، وسلامة حدودها، وأمنها، وطابعها اليهودي، وحصانة اقتصادها، والارتقاء بها على المستوى الإقليمي والدولي من خلال السعي للسلام مع الجيران العرب.

حددت الوثيقة العسكرية الأهداف العليا لإسرائيل، بالحفاظ على وجودها، وسلامة حدودها، وأمنها، وطابعها اليهودي، وحصانة اقتصادها، والارتقاء بها على المستوى الإقليمي والدولي من خلال السعي للسلام مع الجيران العرب

وشملت الوثيقة الإسرائيلية خارطة التهديدات على إسرائيل، من دول بعيدة كـإيران، وقريبة كـلبنان، ومن دول وصفت بالفاشلة وتسير نحو التفكك كـسوريا، ومنظمات سياسية عسكرية كحركة حماس وحزب الله، وأخرى غير مرتبطة بدول بعينها أو غير معروفة المعالم كتنظيم الدولة والجهاد العالمي.

اشتملت الوثيقة على أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية المتمثلة بـ: الحسم والإنذار والدفاع عن النفس والردع، والوصول لهذه النتائج عبر إستراتيجية دفاعية تضمن استمرار قيام إسرائيل، وتحقيق قوة ردع كافية، والتخلص من التهديدات وإبعاد جولات المواجهة، والحفاظ على قوة ردع عسكرية تضمن عدم الاعتماد على الدفاع عن النفس فقط، بل المبادرة للهجوم إذا اقتضت الضرورة، على أن تستخدم القوة بصورة حازمة لضمان نصر واضح وساحق بناء على أسس الحروب في القانون الدولي.

كما تحدثت الإستراتيجية الإسرائيلية عن ضرورة تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة ودول محورية في المنطقة والعالم، وخلق بؤر مساندة والحفاظ على اتفاقيات السلام، والحفاظ على التفوق العسكري القائم على جودة العامل البشري والوسائل التكنولوجية المتطورة، وما يرافقها من استخبارات متنوعة، مع ضرورة وجود فترات هدوء طويلة للحفاظ على الحصانة الاجتماعية، وترميم الجبهة الداخلية، والاستعداد من جديد أمام الأخطار، وخلق حالة من الردع أمام الأخطار المحدقة بـ"إسرائيل" عبر استخدام كامل القوة العسكرية، إذا اقتضت الحاجة.

تناولت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية طبيعة السلوك الأمني والعسكري في حالات الهدوء، من خلال مواصلة أذرع الأمن لعملها الموحد بهدف المس بالمنظمات المسلحة، وإبعاد خطرها، وتقوية الردع عبر خلق حالة من التهديد المتواصل والموثوق، وفي حالة الحرب والطوارئ على الجيش العمل السريع على إبعاد ودفع الأخطار، من خلال تقليل الضرر اللاحق بإسرائيل، وتقوية الردع على المستوى الإقليمي.

كما شملت الإستراتيجية الإسرائيلية ترتيب العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري في السلم والحرب، حيث يتوجب على المستوى السياسي أن يوضح أهداف العمليات العسكرية من البداية وشكل النهاية الإستراتيجية للمواجهة، إضافة لدور الجيش في تحقيق هذه الأهداف، وتحديد خطوط الضرورة العسكرية في المواجهة، وتصنيف الوسائل السياسية المرافقة للعمل العسكري، كالوسائل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

التغذية الراجعة
يمكن اعتبار إستراتيجية الجيش الإسرائيلي الجديدة نوعا من التغذية الراجعة للجيش الإسرائيلي في مواجهاته العسكرية الأخيرة، حيث بات يرى تضاؤل خطر المواجهة مع دول معادية، أمام تعاظم قوة منظمات إسلامية تعمل في بيئة صعبة التعقيد وداخل التجمعات السكنية، في حين تطمح هذه المنظمات لإقامة سلطات مستقلة في ظل تضاؤل مخاطر الغزو البري لإسرائيل، إلا من بعض العمليات المحدودة والهادفة لتنفيذ العمليات والحرب الإعلامية، وفق ما ورد في إستراتيجية الجيش.

ولذلك فقد شملت التحديات التي أوردتها الوثيقة المترجمة ارتفاع نسبة التهديد للعمق الإسرائيلي عبر صواريخ قصيرة وبعيدة المدى بدقة وبدون دقة، في محاولة لخلق تحد إستراتيجي عبر تشويش الحياة العامة والاقتصاد، من خلال الحفاظ على مصادر إطلاق النار بالتمويه والتورية في التجمعات السكنية للحد من قدرة الجيش على المناورة، ومحاولات سلب الجيش بعضا من تفوقه العسكري البري والجوي والبحري عبر معدات وأسلحة تحد من قدرته على المناورة، وتنتقص من تفوقه في الميدان، ومضاعفة خسائر المدنيين والجيش، وزيادة الضغط الإستراتيجي على "إسرائيل".

كما نصت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الجديدة على السعي لحسم المعارك مع المنظمات الإسلامية، وتتويجها بانتصار وإملاء شروط إنهاء القتال، والتقليل من الضرر الذي يلحق بالجبهة الداخلية، وخلق واقع أمني أفضل بعد المواجهة يصعب على الخصم ترميم قوته العسكرية، وركزت على ضرورة إخضاع الجيش للعدو في أي لقاء خلال المواجهة، واستخدام كامل التفوق العسكري خلال المواجهة لمنع شل الجبهة الداخلية والاقتصاد لفترات متواصلة.

هناك العديد من الخطوط الرئيسية التي احتوتها الوثيقة كجزء من استخلاص إسرائيل لدروس الحروب الأخيرة، ومن بينها تراجع التهديد على إسرائيل من قبل دول المنطقة، مقابل زيادة تهديد المنظمات الإسلامية

وقد بينت الإستراتيجية أن من أهداف المواجهات العسكرية، تأخير المواجهات العسكرية عبر استخدام القوة خلال فترات الهدوء والحفاظ على الوضع الإستراتيجي لفترة طويلة أو تحسينه على الأقل بعد قيام "العدو" ببدء المواجهة بعمليات مختلفة في أسلوب عملها.

هنا يمكن تقدير أن يضطر الجيش الإسرائيلي بين حين وآخر للقيام بعمليات عسكرية محدودة بهدف إعادة قوة الردع وإعادة الهدوء، عبر عمليات محدودة وخاطفة، وذات بعد إستراتيجي، في حين يتوجب السعي لإخضاع الخصم حال تدحرجت العملية لمواجهة شاملة، ومن أهداف عمليات كهذه إضعاف قوة الخصم، ولو بشكل محدود، والمس بأهداف ذات بعد إستراتيجي، وضرب مؤسسات الحكم الداعمة للعدو، وتقليل قدرته على ضرب عمق "إسرائيل"، ودوام التهديد برد عسكري لثني الخصم عن المواجهة الجديدة وتداعياتها.

هناك العديد من الخطوط الرئيسية التي احتوتها الوثيقة كجزء من استخلاص إسرائيل لدروس الحروب الأخيرة، ومن بينها تراجع التهديد على إسرائيل من قبل دول المنطقة، مقابل زيادة تهديد المنظمات الإسلامية، واعتبار أن انتصار الجيش الإسرائيلي يكمن في تحقيق الأهداف المحددة، وليس تقويض سلطة العدو، أو احتلال أراضيه.

وبشأن علاقة الجيش مع المستوى السياسي، أوضحت أنها تتركز بشخص رئيس أركان الجيش، كونه المسؤول عن تنفيذ قرارات المستوى السياسي، التي يجب أن تؤخذ من خلال الحوار بين الطرفين.

تكمن أهمية الوثيقة في أنها استخلصت نتائج حربي لبنان الثانية 2006، وغزة 2014، حيث برزت فيهما أخطاء نبعت من عدم فهم الأوامر بتحديد أهداف الحرب، وتعريف الحسم والانتصار، ولماذا يجب أن نطمح، وما هي حدود تقسيم الوظائف بين المستويين السياسي والعسكري؟ وتأتي هذه الوثيقة لتعطي ردا لهذه الأسئلة.

الرد الفلسطيني
تلقف الفلسطينيون -ولا سيما صناع القرار السياسي والعسكري- وثيقة الجيش الإسرائيلي المنشورة، لا سيما وقد صدرت خلال أقل من عام من انتهاء حرب غزة الأخيرة 2014، التي اعتمدت عليها الوثيقة كثيرا في تحديد معالم الرد الإسرائيلي القادم خلال أي مواجهة عسكرية.

تعتقد قوى المقاومة الفلسطينية أن ما ورد في وثيقة الجيش الإسرائيلي العسكرية، قد يدفعها للعمل على بناء خطط تنفيذية، والتفكير بكيفية شكل ومعالم المواجهة العسكرية القادمة، فمقاتلوها يقيمون أنفاقا، ويبنون تحصينات، ويعملون على خطط من مدرسة رجال حروب العصابات، والبنية التحتية للتربة في قطاع غزة تسمح لهم بالقنص، واستمرار النار، وزرع عبوات وغيرها، وبعد فترة زمنية قصيرة سيكون التهديد كبيرا أكثر مما هو عليه اليوم، إذ إن حماس تستغل زمن التهدئة لتعظيم قوتها.

الوثيقة العسكرية الإسرائيلية يقرؤها الفلسطينيون على أنها جزء من تبعات حرب غزة، رغم النشوة التي أصيب بها الإسرائيليون بسبب مزاعمهم حول تدمير قدرات المقاومة، ولذلك فربما بعد حقبة من الزمن قد يضطر الجيش الإسرائيلي للتصدي لقدرات عسكرية لم يشهدها من قبل في غزة، ولا سيّما بعد أن اجتاز رجال المقاومة تدريبات وتأهيلات في طيف واسع من المجالات: كالقنص، والتفجير، ومضادات الدبابات، والتحصين، والاستحكامات، ونشوء منظومة قتالية حقيقية، وتبلور مفهوم شامل مع قدرات شبه عسكرية.

المقاومة الفلسطينية تعتقد أن الرد الناجع على مثل هذه الوثيقة العسكرية الإسرائيلية يتمثل بمزيد من الاستعدادات التي تزايدت بعد الحرب الأخيرة بصورة لا تخطئها العين، حيث يمكن رؤية بوادر الجيش القادم بالعين المجردة

ينطلق العسكريون الفلسطينيون في تقييمهم للوثيقة الإسرائيلية من قناعات تتعلق بتعاظم بنية المقاومة في غزة، إلى حد دفعت من صاغ تلك الوثيقة لاعتبار أن ما تمثله المقاومة الفلسطينية قد يصل في بعض الأحيان لاعتباره تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل، بغض النظر عن دقة هذا الوصف أو تضخيمه.

لكن العسكريين الإسرائيليين الذين أعادوا صياغة هذه الوثيقة مرة واثنتين وعشر مرات، يرقبون عن كثب تنامي قوة حماس العسكرية، التي باتت تمتلك شبكة اتصال مستقلة، ومعسكرات تدريب ومدربين خبراء، وتتباهى بأن "جيشها" يُبنى بناء على المعايير المتعارف عليها دوليا.

المقاومة الفلسطينية تعتقد أن الرد الناجع على مثل هذه الوثيقة العسكرية الإسرائيلية يتمثل بمزيد من الاستعدادات التي تزايدت بعد الحرب الأخيرة بصورة لا تخطئها العين، حيث يمكن رؤية بوادر الجيش القادم، فالمقاومة تعزز معسكرات تدريب في كل مدينة في قطاع غزة، تصل مساحة بعضها عشرين دونما، والنشطاء الجدد -كما المخضرمون- المنضمون لكتائب القسام، يتوجهون عدة أيام لمعسكرات التدريب العملي على عمليات إطلاق النار، والقذائف الصاروخية، وإعداد العبوات الناسفة، حيث تستمر فترة تدريب "المبتدئين" شهرا، وفترة المتقدم ثلاثة أشهر، والمدرِّبون نشطاء كبار في التنظيم، مروا بدورات عسكرية في الخارج.

أخيرا.. فإن النتيجة النهائية لأي مواجهة عسكرية قادمة هي المقررة، وليس مثل هذه الوثيقة، على أهميتها، لأن النتيجة المباشرة لحرب غزة الأخيرة أكدت وجود ردع متبادل بين إسرائيل وحماس، الأولى علقت في تعادل عسكري مع الثانية، وهذا فشل ذريع، يُعدّ في نظر كثير من الإسرائيليين أخطر من الهزيمة المعلنة، ورفع الراية البيضاء.

فما حدث مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة 2014، حدث مع الأميركيين في فيتنام والصومال والعراق، والفرنسيين في الجزائر، والإسرائيليين في لبنان، والروس في أفغانستان، وهذا ما سيحدث معهم مرة أخرى، صحيح أن لدى الإسرائيليين قوة فتاكة، لكنهم لا يمكن أن يستخدموا معظمها، وحتى لو استعملوها فثمة شك في نجاحها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.