المصريون ودلالة الموقف من الانتخابات

صناديق شبه خاوية (الأناضول(
وكالة الأناضول

حذرنا من قبل مما حدث في انتخابات النواب، وكان ما حدث أحد مبررات الاقتراح بدراسة تعيين مجلس محدود على أساس الكيف وحكومة تتمتع بالكفاءة ولديها أولويات تشعر المواطن بالجدية بالإنجاز وليس بالإعلام، إلا أنه يبدو أن أحدا لا يريد أن يواجه الحقيقة.

يجب الالتفات إلى موقف الشعب المصري من الانتخابات البرلمانية، وسنركز في هذه المقالة على المقارنة والدروس من انتخابات مجلس الشعب 2010 ومجلس الشعب 2011 والنواب 2015.

الشعب المصري ليس معتادا على صناديق الانتخاب لأن الحاكم الإله في المدرك المصري منذ الفراعنة لا يحتاج إلى من يقارن بينه وبين غيره، ولذلك دخل رجال الدين كالعادة في هذه المسألة بما أدى في النهاية إلى إنهاء أي مصداقية للمؤسسة الدينية وفضح زيف الحكام الذين حذروا من الخلط بين السياسة والدين حيث كان مسموحا لهم وحدهم ذلك الخلط المطلق، فهم يعتقدون أن قواعد اللعبة لم تتغير وأن هذا الشعب لا يزال مغيبا وأن الإعلام يكفي لشحنه صوب الطريق الذي يريده الحاكم.

جاءت ثورة 25 يناير لكي تنهي تزوير إرادة الناس وقهرهم على عدم المطالبة بالحق في التعبير والمطالبة بنظام يحقق لهم ما حرموا منه، ولا بد أن يفهم الجميع أنه لن تجدي مطلقا مساعي إعادة الشعب مرة أخرى إلى بيت الطاعة الذي وضعه الحاكم فيه

ففي عهد عبد الناصر كانت معاركه واستقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تقنع الناس برسالة الإعلام وبخطاب الحاكم الذي صور للناس أنه يدخل في معارك من أجل الاستقلال، والناس في مستوى معقول من العيش.

وفي عهد السادات كان من الطبيعي أن يعزف الناس عن لعبة الاستفتاء أو الانتخاب في النصف الأول من عصر السادات، ولما بدأ الانفتاح والخلل النسبي البسيط في الأسعار، ثم معاهدة كامب ديفد التي صدق الناس ما قاله السادات من أنها سوف تجلب السلام للجميع والرخاء لمصر فلما تبين كذب هذه المقولة رفض الناس السادات ونظامه ولكنهم عانوا من آثار سياساته في مصر والمنطقة، فلما عدل مبارك الدستور وحول الاستفتاء إلى انتخابات رئاسية لم يكن صادقا لأن الإرث الجمهوري الذي بدأ عام 1952 كان يجب أن يستمر.

ثم جاءت ثورة 25 يناير لكي تنهي تزوير إرادة الناس وقهرهم على عدم المطالبة بالحق في التعبير والمطالبة بنظام يحقق لهم ما حرموا منه، ولا بد أن يفهم الجميع أنه لن تجدي مطلقا محاولات إعادة الشعب مرة أخرى إلى بيت الطاعة الذي وضعه الحاكم فيه.

فلما تمت الدعوة إلى انتخابات 2011 خرج الناس جميعا للإدلاء بأصواتهم لأنهم ظنوا لأول مرة أن صوتهم سوف يحدد طبيعة النظام السياسي وأنه سيكون له دوره في القرار السياسي، ولذلك أجريت انتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة بنسب إقبال متفاوتة.

وقد عزا البعض هذا الإقبال إلى سخاء الجماعات الإسلامية في توزيع الزيت والسكر، مما أضر بسمعة المصريين ونال من شرعية نجاح التيار الإسلامي عند البسطاء، ولكن في الأساس كان الشعب بكل فئاته مصرا على أن يضع نظام مبارك في صفحات التاريخ السوداء.

ولذلك فإن بعض من شاركوا في 30 يونيو كانوا من عامة الشعب الذين لم يلمسوا بالشكل المطلوب تحقيق آمالهم المعلقة منذ 25 يناير ولا تهمهم المبررات، فرحبوا بتغيير النظام وصدقوا للمرة الأخيرة ما قاله رموز النظام الجديد من أن النظام السابق (الإخوان) هو الذي أعاق انطلاق الثورة لتحقيق أهدافها.

ولكن النظام الجديد أسرف في وعوده للمزايدة على النظام القديم حتى في أحكام الدستور الذي ظهر بشكل رومانسي وكتب مقدمته شاعر بعيدا عن علم القانون، ولذلك لن يرى النور لمفارقته للواقع فالعيب ليس في الدستور، ولذلك العلاج ليس في تعديل الدستور لكي يتماشى مع الواقع المرير وإنما المطلوب هو تعديل الواقع لكي يرقى إلى مستوى الدستور.

ولما كان البرلمان الجديد يقصد به تنزيل الدستور إلى مرتبة الواقع فلم يملك الشعب إلا الاعتراض عن طريق العزوف عن الانتخاب وليس المقاطعة لأن المقاطعة عمل منظم أما العزوف فهو يأس من الإصلاح وحالة من النفور.

إذا كان الشعب قد عبر عن عدم رضاه عن أنظمة الحكم الجمهوري بعدم التصويت، ونهضت السلطة بالتصويت نيابة عنه، وبلغت الفضيحة أوجها بتفاخر النظام عام 2010 بفعلته الشنعاء وفضح ما صار عصيا على التستر فقد كان رد الشعب هو الثورة لاقتلاع هذا النظام الذي فسد فسادا مطلقا.

ولذلك فإنني أحذر مرة أخرى من أن عزوف الناس عن انتخابات مجلس النواب له رسالة واضحة تتعلق بجميع النظام القائم فهو كل لا يتجزأ، وشعبية الرئيس التي حصل عليها بالوعود تتأثر، وأن الشعب الذي انتظر تحقيق أهداف الثورة في 25  يناير شهد أيضا مآسي العجز عن تحقيقها، فإذا بآمال الناس تتراجع وإذا بالإعلام يستمر في موقفه المخزي.

عزوف الناس عن الانتخابات له رسالة واضحة، وهي أن النظام كل لا يتجزأ وأن شعبية الرئيس التي حصل عليها بالوعود تتأثر، وأن الشعب الذي انتظر تحقيق أهداف الثورة شهد أيضا مآسي العجز عن تحقيقها فإذا بآمال الناس تتراجع وإذا بالإعلام يستمر في موقفه المخزي

والخزي لمن يديرون هذا العمل وليس لمصر، فمصر بقامتها المديدة لن ينال منها مطلقا أن يسكنها جيل لا يعرف قدرها فالفضيحة لهذا الجيل وليست لمصر، والذين يدعون أنهم يمثلون مصر هم في الواقع يجب أن يحققوا آمال المصريين، فإذا ظلت المسافة بين ادعاء التمثيل وبين الواقع متزايدة فهذا إيذان بأن هذا الشعب سوف يصحح هذا الخلل بين الصورة والواقع.

إن دروس التاريخ في مصر منذ عام 1952 -أي العصر الجمهوري- تشير إلى أن القفز عليها أو تجاهلها أو تبريرها أو التنصل من المسؤولية بحجة أن الحاكم صالح وحسن النية ويحب مصر ولكن الشعب والذين يعملون معه غير ذلك لا يغير من الحقيقة وهي أن من يتصدى لحكم مصر يتحمل المسؤولية كاملة.

فهل يدرك النظام أن هذا الشعب أصبح أكثر إلحاحا وحاجة إلى تحقيق أهداف ثورته وليس قمع الثورة والثوار وإسكات الأصوات، وأن الحرص على مصر ليس بالكلمات وإنما بمصارحة النفس وعدم التهرب من المسؤولية، وأحذركم من يوم لا تغني فيه النذر في الدنيا والآخرة.

إذا تجاوز النظام هذا الدرس وتشكل مجلس النواب ومضى في تأييده للرئيس ضد رغبة الناس فهو مجلس باطل، ولا بد أن يبحث الرئيس عن حل حتى لا يبتكر الشعب حلا ليس في مصلحة مصر، والحل الوحيد هو أن يتعاون مجلس النواب مع الرئيس على تنفيذ الدستور وليس تعديله، وعلى بناء دولة القانون والحريات وعلى احترام حقوق الإنسان وبناء مصر المدنية الديمقراطية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

أما الإيهام عن طريق الإعلام بتحقيق ذلك حتى لو كان الإنجاز حقيقيا ولكن في المستقبل البعيد فسوف يكون الكارثة الكبرى، اتقوا الله في مصر والمصريين ولا تظلموا أنفسكم أمام الله والتاريخ، فالسؤال الأهم الذي ينتظر الشعب إجابة شافية له: ماذا بعد الانتخابات؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.