فلسطين.. غليان ما قبل الانفجار

A Palestinian protesters throws stones during clashes with members of the Israeli armed forces in the West Bank city of Hebron, 09 October 2015. Israeli soldiers killed four Palestinians in clashes on the border with the Gaza Strip, while there were four stabbing incidents inside Israel targeting both Jews and Palestinians. Violence has been ongoing for weeks, focused on Jerusalem and nearby areas on the West Bank amid rising concerns the situation could lead to an even greater escalation if not scaled back soon.
وكالة الأنباء الأوروبية

حراك عفوي
غياب الحواضن
حماس وتحريك الضفة

جاءت سلسلة أعمال المقاومة الفدائية التي تتواصل منذ أيام في الضفة الغربية لتثبت من جديدة أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل بالواقع المرير الذي يعيشه مع انسداد أفق عملية التسوية ووصولها إلى جدار مسدود منذ وقت طويل.

هذا فضلا عن ما يجري داخل مدينة القدس وما يتعرض له الأقصى بشكل دائم من اقتحامات وانتهاكات واعتداءات.

لقد جاءت سلسلة الأعمال التي وقعت والتي استهدفت المستوطنين المسلحين وجيش الاحتلال في خضم الإجراءات القمعية التي انتهجتها سلطات الاحتلال، والتي بلغت ذروتها بعد عملية مستعمرة (إيتمار) ليلة الخميس في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2015 الجاري في الضفة الغربية، والتي تم فيها استهداف مستوطني تلك المستعمرة قرب بلدة (بيت فوريك) بجبل نابلس، وقد أودت بضابط استخبارات إسرائيلي من سكان المستوطنة.

حراك عفوي
إن تلك الأعمال المركبة من أعمال المقاومة (الشعبية والفدائية المسلحة) كانت عفوية بمجملها دون ترتيب وتنسيق، ودون أي دور فصائلي أو تنظيمي لأي طرف فلسطيني بشكل مباشر.

دلت المؤشرات القاطعة على أن الشعب الفلسطيني لن يستكين تحت طبقات اليأس والإحباط، وقد بلغت حالة الاحتقان وحالة التذمر حدودا عالية في دواخله، وخصوصا عند قطاع الشباب الصاعد والمتحمس

وقد دلت في مؤشراتها القاطعة على أن الشعب الفلسطيني لن يستكين تحت طبقات اليأس والإحباط، وقد بلغت حالة الاحتقان وحالة التذمر حدودا عالية في دواخله، وخصوصا عند قطاع الشباب الصاعد والمتحمس، حيث الشهيد ضياء تلاحمة، والشهيد مهند الحلبي، والشهيد فادي علون، والشهيد عبد الرحمن شادي عبيد الله.

وربما المصادفة وحدها، أن توقيت انطلاق ذلك الحراك العفوي كان مهما جدا، لأنها جاءت بعد أربع وعشرين ساعة من خطاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكأنها تبعث برسالة إلى الإسرائيليين وحكومتهم اليمينية المتطرفة وعموم تشكيلاتهم الحزبية، وإلى السلطة الفلسطينية ذاتها.

غياب الحواضن
ورب سائل يسأل، هل نحن على أبواب انتفاضة فلسطينية ثالثة تزلزل الأرض تحت أقدام الاحتلال كما يبشر البعض، أم إن الأمور ما زالت غير ناضجة لانطلاق تلك الانتفاضة؟

إن حالة التصعيد والغليان المشتعلة في عموم الضفة الغربية ومناطق القدس، وحالة الاستعداد العالية لدى أبناء الشعب الفلسطيني للتضحية والإقدام، لا تعنيان أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة قد باتت على الأبواب تماما. فالعوائق الكبرى ما زالت تعترض طريقها، من ناحية الواقع الموضوعي في المحيط العربي والإقليمي وحتى الدولي، والذاتي الفلسطيني.

فالجميع يعلم أن الفلسطينيين في ظل الواقع الراهن لا يستطيعون وحدهم، في غياب أمتهم، مواجهة ما يجري لهم ولقضيتهم، فالذي شجع الاحتلال وحكومته على استمرار الحملات التصعيدية التي هودت الأرض وصادرت الأحياء وهدمت المنازل وشردت الإنسان، هو استمرارية غياب الدور العربي المطلوب تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس، والاتكاء على إستراتيجية "السلام خيارا عربيا وحيدا" في مواجهة سياسات الاحتلال.

إن اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة وعامة في الضفة الغربية يحتاج إلى حواضن مساندة سياسيا وماديا ومعنويا، حواضن عربية وإسلامية. كما يحتاج لحل الاستعصاء الأكبر في الساحة الفلسطينية والخروج من حالة الاحتراب الذاتي، والمتمثل بوجود الانقسام الداخلي وحالة التضارب والافتراق البرنامجي بين برنامج السلطة الفلسطينية في رام الله ورهانها على المفاوضات كطريق وحيد، والبرنامج الآخر الذي تتبناه حركتا حماس والجهاد الإسلامي وبعض القوى من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحتى أجنحة من داخل حركة فتح.

حماس وتحريك الضفة
وفق أغلب التقديرات فإن حركة حماس ومن زمن ليس بقريب، تسعى جاهدة لنقل عملية الحراك الشعبي وحتى الفدائي العسكري المسلح للضفة الغربية للتخفيف عن جبهة غزة التي دفعت ثمنا باهظا خلال السنوات الماضية، تمثل منذ العام 2007 بثلاثة حروب طاحنة، وحصار مستمر.

إن جهود حركة حماس لتحريك الوضع في الضفة الغربية وإطلاق الحراك الشعبي وحتى العسكري في مواجهة الاحتلال ليس سرا، بل جاهر الكثير من قياديها ليلا ونهارا في المطالبة والدعوة إلى إطلاق يد المقاومة في الضفة الغربية باعتبارها أرضا وميدانا رئيسيا في المواجهة مع الاحتلال أولا.

ومرورا بالرغبة في كشف موقف السلطة الفلسطينية في رام الله وإحراجها كما يعتقِد البعض ثانيا، إضافة للحفاظ على مشروعية وديمومة المقاومة العسكرية التي يطالب بها القادة العسكريون في كتائب الشهيد عز الدين القسام ثالثا.

وعلى الجانب الإسرائيلي، هناك بالفعل تخوفات إسرائيلية من اندلاع شرارات انتفاضة فلسطينية ثالثة، حيث تتجنب حكومة نتنياهو إيصال الأمور حدود الانفجار بالرغم من التهور العام لسياساتها، ووجود حالة واسعة من التجنح اليميني داخل إسرائيل تشجع قيام جيش الاحتلال بأعمال انتقامية ضد الفلسطينيين.

وقد تعالت أصوات العديد من أعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي والمعارضة بانتقاد نتنياهو مطالبين إياه بمزيد من القمع وتوفير ما يسمى بخطة مكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق لا ننفي وجود أصوات إسرائيلية تعتقد بضرورة تهدئة الأوضاع مع الفلسطينيين تفاديا لانفجارات لا تحمد عقباها، حيث كتب المحلل العسكري أليكس فيشمان على صفحات يديعوت أحرونوت قائلا "الأوضاع في القدس والضفة تقترب من مفترق طرق، فإما أن نسير نحو تهدئة الأوضاع وتكريس حياة طبيعية في الضفة مع رفع غالبية القيود المفروضة على الفلسطينيين والدخول في مفاوضات، وإما أن نتجه إلى مواجهة شاملة ستجرف معها قطاع غزة".

وزاد عليه معلق الشؤون السياسية في صحيفة يديعوت أحرونوت ناحوم برنياع بالقول "يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تطلق على ما يحدث في الضفة الغربية والقدس ما تشاء من أسماء، لكن الاسم الحقيقي لما يجري، هو انتفاضة فلسطينية ثالثة، تنذر بالأخطر".

نحن أمام وضع فلسطيني يفور على مرجل غليان الداخل، وهو ما يوجب على جميع الفاعلين إعلاء صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا للفلسطينيين، وتجاوز العصبيات التنظيمية والفصائلية، والاستعداد الموحد لمواجهة القادم

وحمل في الوقت نفسه رئيس الحكومة نتنياهو "مسؤولية الانتفاضة الجديدة، بعدما قتل أي أمل موجود لدى الفلسطينيين". مضيفا أن "نتنياهو آمن بأن الوضع الراهن كما هو عليه سيستمر إلى الأبد، وأنه قادر على فعل أي شيء دون رد فعل فلسطيني، وأنه سوف نجففهم ونحاصرهم ونستوطن أراضيهم ونسيطر عليهم، أما هم فسيطأطئون رؤوسهم ويستسلمون".

وبالنتيجة، فإن كل المعطيات تشير إلى أن هناك عدم رغبة وقدرة وتحمل من قبل إسرائيل لإعادة اجتياح واحتلال عميق لمدن الضفة الغربية كما حدث في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى صيف العام 2000 بعدما انهارت مفاوضات كامب ديفد الثانية في يوليو/تموز 2000، ثم لاحقا قامت بتنفيذ عملية "السور الواقي" ربيع العام 2002 والتي انتهت بمحاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله، حيث انتظرت إسرائيل عاما ونصف العام بعد اندلاع الانتفاضة قبل أن تحتل مدن الضفة الغربية.

وفي ظل الوضع الحالي فمن المرجح لجوء سلطات الاحتلال حال اندلاع المواجهات الشاملة إلى شن عملية عسكرية قاسية في الضفة الغربية بتكتيكات جديدة مختلفة كليا عن ما جرى أثناء المواجهات مع الفلسطينيين إبان الانتفاضة الثانية.

وقد تشمل التكتيكات فرض حصار على عموم المدن والبلدات الكبرى، والقيام بحملات اعتقال لآلاف الشباب ونشطاء التنظيمات، في محاولة للضغط على المقاومين نفسيا وميدانيا لمنع تمدد وتوسع الفعل المقاوم زمانيا ومكانيا.

وخلاصة القول، فنحن أمام وضع فلسطيني يفور على مرجل الغليان في الداخل، وهو ما يوجب على جميع الفاعلين في الساحة الفلسطينية إعلاء صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وتجاوز العصبيات التنظيمية والفصائلية، والاستعداد الموحد لمواجهة استحقاقات المرحلة التالية التي قد تكون قاسية على الفلسطينيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.