إسلاميو مصر وغزة بين عدوانين

Supporters of ousted Egyptian President Mohamed Mursi shout slogans during a protest outside Al-Fath Mosque in Ramses square in Cairo August 16, 2013. Thousands of supporters of Mursi took to the streets on Friday, urging a "Day of Rage" to denounce this week's assault by security forces on Muslim Brotherhood protesters that killed hundreds.
رويترز

عدوان 2012
عدوان 2014
الأزهر بين عدوانين

ثمة مشاهد مغايرة ومتباينة شهدتها مواقف قوى الإسلام السياسي في مصر إزاء العدوان الأخير على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2014، بفارق كبير وملحوظ عن نظيرتها التي افتعلتها آلة الحرب الإسرائيلية في 2012 على القطاع أيضا، مما جعلها تتأرجح بين التفاعل النشط والمؤثر من جهة وغياب دوره وضعف تأثيره من جهة أخرى.

في هذا المقال نحاول رصد مواقف قوى الإسلام السياسي إزاء عمليتي 2012 و2014 الإسرائيليتين على القطاع، للوقوف على حجم التباين وأسبابه ومآلاته، مع قراءة موقف السلطة والمؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر والأوقاف) منهما، لبلورة رؤية كاملة حول المستجدات والتحولات في السياقين السياسيين (المصري والفلسطيني)، وانعكاسهما على القضية الفلسطينية من جهة، وحركة حماس وفصائل المقاومة من جهة أخرى.

عدوان 2012
كانت عملية "عامود السحاب" الإسرائيلية في 2012 بمثابة بالون اختبار للسلطة الجديدة في مصر -التي تشكلت بعد ثورة 25 يناير- وأعلى ممثل لها حينذاك محمد مرسي (المحسوب على الإخوان المسلمين) في قدرتهما على التعاطي مع الحدث، وردود الفعل التي من المتوقع أن يقدما عليها حيال العدوان الإسرائيلي على القطاع.

كانت القوى السلفية خلال عدوان 2012 مجتمعة لا متفرقة، تدعم السلطة وحلفاءها من جماعة الإخوان المسلمين، بل دفعها حماسها إلى المزايدة على موقف السلطة حينذاك بعد أن رأت أن طرد السفير وسحب السفير المصري من إسرائيل ليس كافيا

على الفور سارعت جماعة الإخوان وذراعها السياسي "الحرية والعدالة" لاستثمار المشهد لدعم وجودها وممثلها في السلطة، والتأكيد على قدرتها التأثيرية التي انطلقت من المحلية إلى الدولية من خلال مطالبة محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بفتح باب الجهاد إلى القطاع وقطع العلاقات مع دولة الاحتلال ومنع تصدير الغاز، وفتح معبر رفح لدخول كل المعونات الإنسانية والسلاح أيضا.

فيما عزف الذراع السياسي للجماعة "الحرية والعدالة" على اللحن ذاته من خلال تحذير سعد الكتاتني رئيس الحزب بما سماه بـ"ردا غير مسبوق" في إشارة لتغير مصر عن فترة مبارك، بينما حاول عصام العريان القيادي بالحزب كسب نقاط سياسية على خصومهم من القوى العلمانية بتجديد الدعوة لعودة مجلس الشعب مجددا الذي تم حله آنذاك من قبل المحكمة الدستورية بهدف إجراء تعديلات على اتفاقية كامب ديفد، فضلا عن دعم سلطة مرسي في اتخاذ أي قرار ضد الدولة الإسرائيلية.

كان من الطبيعي أن تنسجم مطالب الحزب الحاكم مع السلطة التي هي لسان حال الجماعة والحزب، فسارعت بسحب السفير المصري من إسرائيل ودعوة وزراء الخارجية العرب إلى عقد اجتماع عاجل، بل مطالبة مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ.

وبدا أن مرسي قد نجح في أول اختبار حقيقي له في السلطة، وتجلى ذلك بقوة حينها عندما برزت تصريحاته تجاه العدوان بين التحذير والمبادرة بالفعل لوقفه، مما دل بوضوح على تغير السياق السياسي عن سابقه وتجلى أيضا في إرسال رئيس وزرائه هشام قنديل إلى القطاع في تحد كبير للمجتمع الدولي المؤيد للعدوان وحلفاء الدولة الإسرائيلية.

في المقابل، كانت القوى السلفية في ذلك الوقت وأحزابها الممثلة عنها مجتمعة لا متفرقة تدعم السلطة وحلفاءها من جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي، بل دفعها حماسها إلى المزايدة على موقف السلطة حينذاك بعد أن رأت أن طرد السفير وسحب السفير المصري من إسرائيل ليس كافيا.

كل تلك العوامل المتأتية من المتغير القائم في ذلك الوقت بفعل الثورة المصرية التي أفرزت قوى إسلامية في السلطة والمعارضة في آن، أتاح لها التحرك بقوة لأن تضغط في نهاية المطاف لوقف العدوان الإسرائيلي، إلا أن الدولة الإسرائيلية المعتدية كانت تحاول جس النبض للحدث الأهم والأخطر بعد ذلك، حينما تتغير السياقات المحيطة بقطاع غزة وحولها.

عدوان 2014
لا يمكن فصل العدوان الإسرائيلي الجديد على قطاع غزة في يوليو/تموز 2014 عن سابقة في 2012، فالأول كان بمثابة التمهيد للثاني بعد ما ظل الإسرائيليون يبحثون عن سياق عام محيط بالقطاع يساعد في تحقيق أهداف الجيش الإسرائيلي العسكرية، والذي تحقق بعد ما شهدته المنطقة من متغيرات أبرزها تعثر الإسلام السياسي في السلطة وصعود الآخر الراديكالي في معادلة غير متزنة أفضت لعودة بعض الأنظمة التي ثارت عليها شعوبها بثياب أخرى.

كان أبرز ذلك ما حدث في مصر من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وعزله واعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين، مما بدَّل السياقات السياسية والمجتمعية رأسا على عقب، وأثر سلبا على وضع حماس السياسي مع السلطة الجديدة التي تشكلت بعد ذلك.

كل تلك العوامل والسياقات المتغيرة وسقوط جماعة الإخوان الحليف الأبرز لحماس والقطاع دفعت الأخيرة إلى تخليها عن السلطة ودخولها في حكومة وفاق وطني مع حركة فتح، وهو ما أثار حفيظة الإسرائيليين.

ساهم قيام النظام الجديد في مصر في تحجيم دور تيارات الإسلام السياسي كما لعبته إبان العدوان الإسرائيلي في 2012 لكونها تقود معارضة كبيرة إزاءه، مما انعكس سلبا على مجريات الأحداث في قطاع غزة

أفضت المتغيرات إلى تحجيم مساحة ردة الفعل من قبل القوى الإسلامية إزاء العدوان بعد اختفائها إما قسريا أو طوعيا عن المشهد، واقتصرت ردود الأفعال على بيانات تقليدية تحمل عبارات الشجب والتنديد، ولا يمكن إغفال تأثير غياب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني عن المشهد الإخواني السياسي في تقديم موقف حقيقي إزاء العدوان، كما كان عليه في العدوان 2012.

هذا فضلا عن غياب دور الجماعة الإسلامية وذراعها السياسية البناء والتنمية والأحزاب السلفية الأخرى باستثناء حزب النور، عن تقديم تحرك حقيقي مواز للسابق، ولم يبق سوى التشكل السياسي الجديد المكون من عدة قوى إسلامية "تحالف دعم الشرعية" الذي اقتصر على تسيير بعض التظاهرات نصرة لغزة في حدود إمكانياته المتاحة.

إزاء ما سبق، فإن المتغير الأبرز كان لدى القوى السلفية بقيادة حزب النور ومن خلفه الدعوة السلفية اللذين تموضعا في صف السلطة والموالاة، فبدا تباين موقفه إزاء العملية الإسرائيلية الجديدة عن سابقتها، حيث اكتفى ببيان يندد بالعدوان، بالتوازي مع تغريدات وتعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، معلنين ثقتهم في القيادة والسلطة الجديدة وكفى في إدارة الملف الفلسطيني.

فيما ساهم تشكل السلطة الجديدة بقيادة المشير السيسي، إلى حد كبير، في تحجيم دور تيارات الإسلام السياسي كما لعبته إبان العدوان الإسرائيلي في 2012 لكونها تقود معارضة كبيرة إزاءه، مما انعكس سلبا على مجريات الأحداث في قطاع غزة. ومما زاد الأمر تعقيدا رفض قوى الإسلام السياسي مجتمعة (الإخوان والجماعة الإسلامية والأحزاب السلفية) -باستثناء النور ومن خلفها الدعوة السلفية- المبادرة التي طرحها المشير عبدالفتاح السيسي لوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع.

ففي الوقت الذي اعتبرت القوى الإسلامية أنها لم تأت في صالح المقاومة، رأتها السلطة حلا ناجزا للجرح الغزي النازف.

في خضم تلك التحولات في المشهد خرجت أصوات سلفية -تنتمي إلى المدرسة المدخلية القائمة أيديولوجيتها على تكفير جماعة الإخوان المسلمين والولاء التام والطاعة الكاملة للنظام والسلطة، وعدم إجازة الثورة أو الخروج على الحاكم- تصف المشهد في القطاع بأنه مؤامرة من حماس على الشعب الفلسطيني، كما وصفه الشيخ طلعت زهران الذي اتهم حماس بالتشيع والموالاة لإيران الرافضية، فضلا عن فتوى الشيخ هشام الأباصيري التي تجيز قتل حماس وإبادتها، لكونها صنيعة اليهود بالأساس وتنفذ مخططاتهم.

الأزهر بين عدوانين
كانت ردة فعل المؤسسة الأزهرية في كلا العدوانين تقليدية إلى حد كبير، إذ تعالت بيانات الشجب والتنديد والمطالبة بوقف العدوان وما إلى ذلك من بيانات بروتوكولية، على لسان شيخ الأزهر أحمد الطيب.

فيما حاولت بعض الأصوات الأزهرية مجاراة المشهد السياسي الناقم على حماس لاعتبارات أيديولوجية، فبدت تصريحات سعد الدين الهلالي الأستاذ بجامعة الأزهر خير دليل على ذلك بعدما حث المشير السيسي على ضرب كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، وفسر مشاهد العدوان على أنها محاولة من الحركة لتوريط مصر في القطاع وإسقاطها خارجيا، داعيا إلى نسيان قضية فلسطين، قائلا: "آن الأوان أن ننسى فلسطين".

حاولت بعض الأصوات الأزهرية مجاراة المشهد السياسي الناقم على حماس لاعتبارات أيديولوجية، فبدت تصريحات سعد الدين الهلالي الأستاذ بجامعة الأزهر خير دليل على ذلك بعدما حث المشير السيسي على ضرب كتائب القسام

لعبت وزارة الأوقاف في عهدي مرسي والسيسي دورا بارزا كان أكثر تباينا في كل مرحلة عن الأخرى، ففي عدوان 2012 أعلن وزير الأوقاف آنذاك طلعت عفيفي تضامنه مع المقاومة الإسلامية، مطالبا الجيش المصري بأن يكون له دور في صد العدوان والتضامن مع القطاع، مما يتناقض مع موقف وزير الأوقاف الحالي محمد مختار جمعة الذي قام فور توليه الوزارة بإلغاء لجنة القدس التي كانت تابعة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لكونها تخدم بالأساس حركة حماس وليست القضية الفلسطينية، معتبرا حماس داعمة للإرهاب في مصر، ودعا لوقفة حاسمة أمامها. وفي خطبته بعيد الفطر لم يتطرق للقطاع من قريب أو بعيد، وهو من طالب منذ أسابع قليلة ماضية بعدم الدعوة على الظالمين على المنابر في مصر.

خلاصة القول: لقد حاول الموقف المصري الرسمي أن يوجه قبلته مباشرة إلى السلطة الفلسطينية برئاسة عباس أبو مازن غير ملتفت لحركة حماس باعتبارها شيئا هامشيا في المشهد وصهرها مع باقي الفصائل المقاومة بالمعنى ذاته بلا خصوصية واضحة لها، وهو ما تبدى بشكل واضح في المبادرة التي أطلقها لوقف العدوان ولم تعرض على الحركة أو يأتي ذكر اسمها في فقراتها، بعدما وضعها مع جماعة الإخوان المسلمين في سلة واحدة بحكم الروافد الفكرية المشتركة بينهما.

فيما أثبتت مواقف القوى الإسلامية -باستثناء حزب النور والدعوة السلفية- خلال العدوانين (2012 و2014) ثبات الموقف المؤيد للقضية الفلسطينية والمقاومة، وأن التيار المعارض من داخله بنى إستراتيجيته الرافضة لبعض حركات المقاومة الإسلامية وعلى رأسها حماس على اعتبارات أيديولوجية وفكرية تتنازع مع جماعة الإخوان المسلمين من جهة وإيران "الرافضية" من جهة أخرى، دون الاعتبار لجرائم الجيش الإسرائيلية في قطاع غزة.

المعادلة الأصعب في المشهد المصري -والتي تمخضت عن التباين الواضح في مواقف الإسلام السياسي والمؤسسة الدينية الرسمية في البلاد بين العدوانين (2012 و2014)- أن الإسلام السياسي يمر بمرحلة هي الأصعب في تاريخه المعاصر، وأن سجاله مع السلطة والمؤسسة الدينية الرسمية معا وهو ما يعمق الإشكال القائم بينهما، ويدفعنا إلى القول بأن اضطراب الرؤية السياسية وارتباكها من قبل السلطة مع تيارات الإسلام السياسي سيدفع نحو مزيد من العنف وصعود الإسلام الراديكالي، ويؤكد قناعات التطرف والتشدد الصاعدة بعد عرقلة الإسلام السياسي في السلطة وعودته إلى السجون والمنافي مجددا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.