حكومة التوافق الفلسطينية على المحك

حكومة التوافق الفلسطينية بعد سبع سنوات من الانقسام

حجم التحديات
الاعتراف بإسرائيل
الانحياز الأميركي
خطاب وطني جديد

بعد اعتقال الجيش الإسرائيلي لمئات الفلسطينيين في الضفة الغربية، عقب خطف ثلاثة مستوطنين إسرائيليين قبل فترة وجيزة، برزت إلى الأمام وبقوة أسئلة عديدة حول الفرص والتحديات التي تواجهها حكومة التوافق الفلسطينية، وبالتالي مستقبلها.

حيث يجمع المحللون السياسيون بأن التحدي الأهم يكمن بداية في ضرورة العمل من أجل ترسيخ المصالحة الفلسطينية في الميدان وتوحيد المؤسسات وتنشيطها، فضلا عن ضم القوى الفلسطينية الصامتة إلى الصيغ الجديدة التي سيتم التوافق عليها، حتى تكتمل دوائر القوة، سواء في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة، أو في أطر منظمة التحرير الفلسطينية، ودوائرها المتعددة وشبه المشلولة أصلا منذ عقد اتفاقات أوسلو في سبتمبر/أيلول من عام 1993، خصوصا وأن نظام المحاصصة بين فصائل فلسطينية محددة أثبت فشله خلال الفترة السابقة، حيث تمّ تغييب قوى فلسطينية فاعلة على المستويين المجتمعي والاقتصادي في ذات الوقت.

حجم التحديات
اللافت أن فرص تعزيز المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتوسيع مشاركة القوى الصامتة في اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني الصائب، باتت متوفرة في ظل انكشاف صورة إسرائيل العنصرية إزاء الشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، وقد يكون ذلك بمثابة عوامل قوة كامنة للشعب الفلسطيني وقواه الحية المعبرة عن طموحاته وآماله المختلفة، وبالتالي تحشيد الطاقات بغية مواجهة التحديات الجمة التي تعصف بالقضية الفلسطينية والمشروع الوطني التي انطلقت من أجله كافة الأطياف السياسية الفلسطينية.

فرص تعزيز المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتوسيع مشاركة القوى الصامتة في اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني الصائب، باتت متوفرة في ظل انكشاف صورة إسرائيل العنصرية إزاء الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى

وفي هذا السياق يؤكد متابعون بأن ثمة تحديات ستواجهها حكومة التوافق الفلسطينية في المقدمة منها، محاولة المؤسسة الإسرائيلية -بكافة أذرعها السياسية والعسكرية- ترسيخ مصطلح يهودية "إسرائيل"، الذي بات يمثل في الآونة الأخيرة جوهر ومضمون الغايات الأسمى، والأهداف الكبرى لإسرائيل، حيث تحولت مقولة الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات والكتل والأحزاب والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية في إسرائيل على حد سواء.

من التحديات الأخرى التي تواجه الفلسطينيين النشاط الاستيطاني، الذي ازدادت وتيرته في ظل حكومة نتنياهو الحالية، حيث تشير المعطيات إلى ارتفاع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية إلى نحو (550) ألف مستوطن إسرائيلي بحلول عام 2014، منهم 350 ألفا يتمركزون في (151) مستوطنة، في مناطق جغرافية إستراتيجية في عمق الضفة الغربية، ونحو (مائتي) ألف مستوطن في الجزء الشرقي من القدس المحتل في الخامس من شهر يونيو/حزيران من عام 1967.

ولم تخف المؤسسة الإسرائيلية مخططاتها الإستراتيجية حول القدس، التي تهدف إلى مصادرة القسم الأكبر من مساحتها وعقاراتها ومحالها التجارية، وجعل العرب أقلية في مدينتهم، بحيث لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكانها، بحلول عام 2020.

رزمة التحديات المشار إليها وخاصة مخططات تهويد القدس، تتطلب نبذ المصالح الفلسطينية الضيقة لكافة الأطياف السياسية بعد المصالحة، وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي لجهة حشد الطاقات العربية والفلسطينية والإسلامية للحد من عاصفة التهويد التي تجتاح المدينة المقدسة.

وقد يعزز من فرص نجاح المواجهة انضمام فلسطين للعديد من المنظمات الدولية، وبالتالي المطالبة بتطبيق القرارات الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة من جهة، وبطلان الوقائع الإسرائيلية الجغرافية والديموغرافية التي فرضت عبر النشاطات الاستيطانية منذ عام 1967.

الاعتراف بإسرائيل
إضافة إلى التحديات المشار إليها، تواجه حكومة التوافق الوطني الفلسطينية تحديات سياسية خطيرة من نوع آخر، في المقدمة منها، اعتراف حكومة الحمد الله بكافة الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية، وهو ما يعني بصورة غير مباشرة الاعتراف بإسرائيل من جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي وافقت على تشكيلة الحكومة الفلسطينية.

ومن المخاطر أيضا مطالبة بعض القادة الإسرائيليين بأن تبادر إسرائيل بضم المناطق المصنفة بأنها المنطقة (ج) وفق ما تنص عليه اتفاقيه أوسلو الموقعة في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول من عام 1993 في العاصمة الأميركية واشنطن.

كما يمثل استمرار التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أحد الأسباب التي تهدد استمرار حكومة التوافق الفلسطينية، إذ أن المطالب الإسرائيلية باعتقال كوارد المقاومة لن تتوقف، بل تصاعدت بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين في الخليل قبل فترة وجيزة، الأمر الذي سيحرج الجميع أمام الشعب الفلسطيني وخاصة في الضفة والقطاع، وفي المقدمة منهم حركة حماس، الطرف المهم في التوافق حول تشكيل الحكومة.

يمثل استمرار التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أحد مهددات استمرار حكومة التوافق، فالمطالب الإسرائيلية باعتقال كوادر المقاومة لن تتوقف، بل تصاعدت بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين

وقد يكون ذلك من أهم المعوقات التي تواجه أداء حكومة التوافق الفلسطينية، خاصة في ظل الاختلافات الكبيرة حول استمرار المفاوضات مع إسرائيل، ناهيك عن محاولات المؤسسة الإسرائيلية فرض أمر واقع تهويدي في عمق الأرض الفلسطينية.

الانحياز الأميركي
رغم مباركة الإدارة الأميركية تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية قبل نحو شهر، لن يتوقف الضغط الأميركي على الفلسطينيين، ويكمن ذلك في عدة أسباب، في المقدمة منها انزعاج الإدارة الأميركية من عقد المصالحة الفلسطينية وإمكانية ترسيخها فيما بعد، ناهيك عن الانحياز الأميركي للمواقف والرؤى الإسرائيلية أصلا. وستكون البوابة الاقتصادية معبرا للضغوط الأميركية والإسرائيلية المتوقعة.

وفي هذا السياق، يؤكد اقتصاديون بأن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية أدت إلى عملية ربط قسري للاقتصاد الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، ومن ثم اعتماده على المساعدات الدولية بعد اتفاقيات أوسلو، الأمر الذي أخضع السلطة الوطنية الفلسطينية لابتزاز أميركي وغربي واضح المعالم.

وتبعا لذلك، ستواجه الحكومة الفلسطينية القادمة تحديات اقتصادية مختلفة، خاصة في ظل عدم استقلالية الاقتصاد الفلسطيني، وسيطرة إسرائيل على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني، وتاليا على دينامية واتجاهات التجارة الخارجية وقوة العمل الفلسطينية.

وما يزيد الضغوط الخارجية -وفي مقدمتها الأميركية- حاجة السلطة الفلسطينية لمساعدات مالية شهرية تقدر بنحو مائة وخمسين مليون دولار، جلها يتم صرفه كرواتب لعاملين في الوظائف المختلفة.

وهناك تحديات أخرى، مثل معدلات البطالة المرتفعة، التي وصلت إلى أكثر من 20% في الضفة الغربية، ونحو 60% في قطاع غزة بفعل الحصار المستمر، فضلا عن معدلات الفقر المرتفعة، التي انتشرت بين ثلثي المجتمع الفلسطيني في كلتا المنطقتين.

التحديات المشار إليها تتطلب من حكومة التوافق الفلسطينية العمل على تهيئة الظروف للقيام باستثمارات جديدة للحد من معدلات البطالة والفقر، وقد يكون من باب أولى إشراك القوى الصامتة، من فعاليات اقتصادية وشخصيات وطنية في تلك العملية، الأمر الذي يعزز من فرص مواجهة التحديات الاقتصادية بعد احتلال طال كافة مناحي الحياة، وبشكل خاص في مدينة القدس.

وفي الجانب السياسي، ثمة ضرورة تحتم موقفا وبرنامجا موحدا من قبل الأطياف السياسية الفلسطينية المختلفة إزاء قضية الاستيطان الإسرائيلي التي تعتبر جوهر المشروع الصهيوني لتهويد الزمان والمكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والأهم من ذلك ضرورة رسم إستراتيجية وطنية شاملة بعد القيام بمراجعة دقيقة لفترة المفاوضات البائسة مع إسرائيل، بحيث يتم التركيز على مرجعيات دولية في حال تمت عملية تفاوضية بالمستقبل، تتمثل بالقرارات الدولية التي أكدت على أن الضفة الغربية بما فيها القدس أراض محتلة، فضلا عن القرارات التي اعتبرت كافة الإجراءات الإسرائيلية الجغرافية والديموغرافية التهويدية باطلة في الأساس وبشكل خاص في مدينة القدس.

خطاب وطني جديد
في جانب المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، يقع على كاهل منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة العمل على تحسين شروط التفاوض مع الطرف الإسرائيلي، عبر تجميع أوراق القوة التفاوضية الذاتية والموضوعية، وذلك بغية الوصول إلى الأهداف الفلسطينية المختلفة، وفي المقدمة منها محاولة فتح المعابر الجوية والبحرية في وجه حركة الفلسطينيين ومنتجاتهم.

يبقى الأهم التأسيس لخطاب مشترك يحرم عودة الاقتتال، وطي صفحة الانقسام البغيض دون رجعة، وقد يكون ذلك مقدمة هامة لرسم إستراتجية فلسطينية جامعة، لتعبئة القدرات في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية

هذا إضافة إلى المطالبة اليومية وفق خطاب فلسطيني مشترك بتفكيك أهم معالم الاحتلال المتمثلة بالمستوطنات الجاثمة على أراضي الضفة الفلسطينية وكذلك الجدار العازل الذي يعتبر أكبر وأخطر مشروع استيطاني منذ عام 1948، لأن تحقيق أي هدف فلسطيني يعتبر بمثابة نصر فلسطيني جزئي في إطار تحقيق أهداف فلسطينية متقدمة.

من التحديات السياسية أيضا إثبات القدرة الحقيقية في المحافظة على الثوابت الفلسطينية التي كانت على الدوام الرابط المشترك لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية، ويستدعي ذلك قدرة المفاوض الفلسطيني على إعطاء بعد عربي للقضايا الجوهرية المؤجلة إلى مفاوضات الوضع النهائي، مثل قضية القدس، اللاجئين، المستوطنات والحدود، والارتكاز في نفس الوقت على الإجماع الفلسطيني إزاء تلك القضايا.

يرى متابعون بأن انطلاقة حكومة التوافق الفلسطينية قبل شهر تقريبا، تعتبر بحد ذاتها إنجازا هاما للحد من التوترات التي شهدتها الساحة الفلسطينية منذ صيف عام 2007، لكن الأهم من ذلك، يبقى ضرورة التأسيس بشكل حقيقي لخطاب مشترك يحرم عودة الاقتتال الفلسطيني وطي صفحة الانقسام البغيض دون رجعة، وقد يكون ذلك مقدمة هامة لرسم إستراتجية فلسطينية جامعة، لتعبئة القدرات في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية وبالمشروع الوطني بشكل عام.

ويمكن القول بأن حكومة التوافق الفلسطينية، وكذلك المصالحة الفلسطينية، ستكون في اختبار حقيقي خلال الأشهر القادمة، فإما أن يكون عقد المصالحة بين حركتي فتح وحماس مجرد إدارة أزمة، أو خطوة حقيقية وصادقة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية في ظل ضبابية المشهد العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.