رئاسة الجمهورية بين أردوغان وغل

رئاسة الجمهورية بين أردوغان وغل - محمد زاهد غل

تكاد معركة الرئاسة في الجمهورية التركية تكون محسومة قبل موعدها المقرر في العاشر من شهر أغسطس/آب 2014، مؤشر ذلك أن ثلاثمائة نائب من حزب العدالة والتنمية قد أظهروا موقفا توافقيا على دعم ترشح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان -وهو رئيس حزب العدالة والتنمية- إلى منصب رئاسة الجمهورية التركية هذا العام.

هذا المؤشر هو رسالة إلى الشعب التركي بأنه لو بقي الأمر إلى النواب الأتراك كما كان أمر انتخاب الرؤساء السابقين، فإن الفوز المحسوم سيكون لرئيس الوزراء الحالي أردوغان، ولكن تغيير طريقة انتخاب الرئيس، وكونها أصبحت مباشرة من قبل الشعب، تعني أن ما يمكن أن يقدمه البرلمان التركي هو فتح الطريق للشعب كي يختار من يشاء، فالتوافق البرلماني نوع من الدعم وإشارة إلى الشعب التركي بأن الأمر لو ترك للنواب لكان اختيارهم هو أردوغان.

تسير الأمور نحو وضوح تام في المشهد الرئاسي التركي القادم، فتصريحات غل ألغت احتمالات الخلاف مع أردوغان التي كان البعض يراهن عليها

وبذلك يفقد كل منافس لأردوغان على الرئاسة صورته الشعبية للمنافسة، حتى لو كان رئيس الجمهورية الحالي وزميله في النضال عبد الله غل، لأن الرئيس الحالي معني بحفظ صورته مهابة أمام الشعب التركي.

من هنا يأتي تصريح الرئيس عبد الله غل للصحافة التركية -وقبل أربعة أشهر من تاريخ الانتخابات الرئاسية، وقبل أن يقرر حزب العدالة والتنمية ترشيح زعيمه رجب طيب أردوغان إلى منصب الرئاسة- متساوقا مع المشروع الذي شارك في قيادته قبل أن يستقيل من حزب العدالة والتنمية بحكم توليه منصب رئاسة الجمهورية.

ويأتي تصريحه متوافقا ومتفهما لموقف ثلاثمائة نائب برلماني، وهم الذين انتخبهم الشعب بإرادته الحرة، ويأتي أيضا استجابة لمشروع النجاح الذي تسير به الحكومة التركية والدولة التركية والرئاسة التركية القادمة أيضا، لكل ذلك جاء تصريح الرئيس عبد الله غل بأنه "ليست لديه خطط بشأن مشاركته في المستقبل في ظل الظروف الراهنة".

وذكرنا من قبل بعض هذه الظروف الراهنة، وبعضها الصفعة العثمانية التي تلقتها المعارضة "الفاشلة" في الانتخابات البلدية التي أجريت في الثلاثين من مارس/آذار 2014، حيث فشلت فشلا ذريعا في تلك الانتخابات، رغم بذلها ما تستطيعه في تلك الانتخابات من وسائل وإجراءات، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، وسواء كانت دعاية انتخابية صادقة أو كاذبة، بل كان كذبها وافتراؤها على حزب العدالة والتنمية أحد أكبر أسباب خسارتها الانتخابات البلدية، ولكن الخسارة الأكبر كانت بسوء تخطيطها وإساءتها للأمن القومي التركي، وإساءتها للأجهزة الأمنية والاستخباراتية والقضائية التركية.

هكذا تكاد صورة الانتخابات الرئاسية القادمة تسير إلى مشهد واضح منذ الآن، فتصريحات رئيس الجمهورية عبد الله غل أغلقت كل أبواب احتمالات الاختلاف بينه وبين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، التي كان البعض يتمناها.

فغل قال خلال لقاء له مع عدد من الصحفيين أثناء زيارته محافظة كوتاهيا "لقد خدمت الدولة في جميع المستويات، ونفذت هذه المهام بشرف عظيم، ولا يوجد فخر أكبر من هذا، وأود أن أخبركم أنه ليست لدي خطة سياسية في ظل الظروف الحالية".

وبعد هذا التصريح الواضح من الرئيس غل يمكن القول إن الرئيس التركي يفضل عدم المشاركة في الحياة السياسية العامة أو في أحد مناصبها، بعد أن بلغ أعلى المستويات والمناصب السياسية، دون أن يعتبر ذلك اعتزالا للعمل السياسي، فالأمر مفتوح لتطورات الحياة السياسية في تركيا، وقد يكون الترشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة أحد المناصب المحتملة التي يمثل فيها الرئيس عبد الله غل العالم أجمع، كأول أمين عام مسلم يعتلي هذا المنصب الدولي الكبير.

أما أردوغان، فإنه يتطلع إلى انتخابات نزيهة وحاسمة من الجولة الأولى، أي بنسبة عالية تؤهله ليكون الرئيس التركي الأول الذي يفوز بمنصب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخابات الشعبية المباشرة، وهذا سيعطيه مكانة أفضل من الرؤساء السابقين من حيث قدرته على استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية بصورة كاملة، وهو ما أعرب عنه صراحة قبل أيام قائلا "إذا ما دخلت القصر الرئاسي سأستخدم صلاحيات كاملة".

وهذا مؤشر على أن أردوغان لا يدخل الرئاسة كمنصب شرفي فقط، وإنما كرئيس أمامه وبين يديه مواصلة مشروع نهضة الجمهورية التركية، وتقدم مشروعها، بحيث تصل خلال العقد القادم إلى مرتبة الدول العشر الأولى في العالم، أي أنه لن يغير من القوانين الإدارية واللوائح الداخلية لحزب العدالة والتنمية، والتي تحرم رئيس الوزراء والوزراء والنواب البرلمانيين أن يتولوا مناصبهم لأكثر من ثلاث دورات انتخابية.

وبذلك يحفظ أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية صورته الإيجابية أمام الشعب التركي في الداخل، سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين، وسيحفظ كذلك صورته أمام الإعلام العربي السلبي، الذي لا يزال يسيء إلى الحكومة التركية ورئيسها بحملات مسعورة، بالرغم من فوزهم الساحق في الانتخابات البلدية التي جرت في نهاية شهر مارس/آذار الماضي.

الساحة التركية السياسية مفتوحة ديمقراطيا، ومعركة الرئاسة ستكون نزيهة ومحسومة في الوقت نفسه، وستكون درسا وعرسا ديمقراطيا لكل شعوب ودول العالم الثالث والعالم العربي والإسلامي

إن الساحة التركية السياسية ساحة مفتوحة ديمقراطيا، ومعركة الرئاسة ستكون نزيهة ومحسومة في الوقت نفسه، وستكون درسا وعرسا ديمقراطيا لكل شعوب ودول العالم الثالث والعالم العربي والإسلامي.

فأردوغان لن يسقط براميل كيميائية وحارقة على شعبه من أجل أن ينتخبوه، بل سيحترم قرار الشعب التركي، وأمام الأحزاب المعارضة التركية التي تخوض الآن معركة مراجعة ومحاسبة لنتائج الانتخابات الماضية، أن تدخل الانتخابات الرئاسية القادمة بعقلية ديمقراطية جديدة، وألا تراهن على التهم والافتراءات والأكاذيب، لأن مردودها كان سلبيا في الانتخابات البلدية.

وعلى حكومة حزب العدالة والتنمية مسؤولية مساعدة أحزاب المعارضة في العمل بصورة إيجابية، وإفساح المجال لها للفوز بما تستطيعه حتى لو كان منصب رئيس الجمهورية، فإن لم تنجح في ذلك، فلا بد من فتح المجال لها في إدخال عناصر جديدة إلى الساحة السياسية وتحقيق مكاسب كبيرة في البرلمان التركي القادم، حتى تشجع وتنشط العمل السياسي العام بقوة.

إن بقاء حزب واحد مهيمن في الحكومة والبرلمان والرئاسة ليس حالة إيجابية، وقد تنعكس بالسوء على مستقبل الجمهورية التركية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.