حادث بيشاور والعلاقات الأفغانية الباكستانية

Pakistani investigators collect evidence at the site of the militants' attack on the army-run school in Peshawar on December 18, 2014. Pakistan began three days of mourning on December 17 for the 132 schoolchildren and nine staff killed by the Taliban in the country's deadliest ever terror attack as the world united in a chorus of revulsion. AFP PHOTO / A MAJEED

أدى الحادث المروع الذي وقع في المدرسة التابعة للجيش الباكستاني في بيشاور إلى زعزعة العلاقات الأفغانية الباكستانية التي لم تتمتع بالاستقرار منذ فترة طويلة، وذلك لأن النظام الباكستاني يتعامل مع ملف العلاقات الأفغانية الباكستانية كملف أمني يشرف عليه الجيش الباكستاني واستخباراتها العسكرية (آي إس آي).

وتقرر هاتان الجهتان سياسات التعامل مع أفغانستان في كل المجالات، وتبقى وزارة الخارجية وباقي مؤسسات الدولة -مثل وزارة التجارة والدوائر التي تتعامل مع شؤون القبائل والمهاجرين- مجرد أدوات التنفيذ لتلك السياسات التي يصوغها الجيش الباكستاني والاستخبارات العسكرية.

ولما وقعت حادثة مدرسة بيشاور -التي هزت العالم وأحدثت حالة من صدمة نفسية كبيرة للشعب الباكستاني- سارعت قيادات الجيش الباكستاني والاستخبارات التابعة له بزيارة كابل للتأكيد على هذه الحقيقة، فوصل بعد الحادث بيوم واحد إلى العاصمة الأفغانية كل من قائد القوات الباكستانية البرية الجنرال راحيل شريف، ومسؤول الاستخبارات العسكرية الباكستانية الجنرال رضوان أختر، والتقيا القيادات السياسية والعسكرية الأفغانية، كما التقيا القيادات العسكرية لحلف الناتو في أفغانستان، وكانت مطالب باكستان مع تهديدات بالتدخل العسكري -حسب وسائل الإعلام- ما يلي:

أولا: هذا الحادث خطط له عناصر من حركة طالبان باكستان (تي تي بي) بقيادة الملا فضل الله المتواجد حاليا في الأراضي الأفغانية بالمنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وقد تم التخطيط لهذه العملية داخل الأراضي الأفغانية، كما أن قيادات حركة طالبان باكستان تختبئ في مراكز آمنة داخل الأراضي الأفغانية على الحدود الباكستانية الأفغانية، وتقوم بالعمليات العسكرية من هذه المراكز.

وقد أوردت بعض وسائل الإعلام الباكستانية عن محللين عسكريين -منهم الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال برويز مشرف- اتهامات للحكومة الأفغانية بتمويل ومساعدة حركة طالبان باكستان، ومن هنا طلبوا من الحكومة الأفغانية تسليم هؤلاء الجناة لباكستان، وإلا سيتدخل الجيش الباكستاني وسيهاجمهم داخل الأراضي الأفغانية.

ثانيا: قالوا إن حركة طالبان باكستان (تي تي بي) تقوم بالعمليات العسكرية في باكستان بمساعدة الاستخبارات الهندية (آر أي دبليو) وتمويلها وتخطيطها، كما أن هذه الاستخبارات تساعد على تسليح وتمويل حركات التمرد البلوشية في إقليم بلوشستان الباكستانية، وكل ذلك يحدث عن طريق القنصليات الهندية في المدن الأفغانية المتاخمة للحدود الباكستانية مثل جلال آباد وقندهار وغيرهما، وطالبوا بإغلاق هذه القنصليات.

عندما أراد الرئيس الأفغاني الجديد محمد أشرف غني فتح ملف المصالحة والاستقرار في أفغانستان بدأ جولته بأصدقاء باكستان، فبدأ بالمملكة العربية السعودية، وثنى بالصين، وثلث بإسلام آباد ظنا منه أن طريق قطع العمليات العسكرية والهجمات داخل أفغانستان يمر من إسلام آباد

من جانبها، بدأت وسائل الإعلام الباكستانية تعبئة الشعب الباكستاني ضد أفغانستان فأقامت ندوات حضرها المحللون، وكثير منهم تحدثوا عن ضلوع حركة طالبان باكستان -التي تختبئ قياداتها داخل أفغانستان- في عمليات عسكرية، ونسي الجميع العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الباكستاني في وزيرستان ومنطقة خيبر التي يقتل فيها الأطفال والنساء والعزل كذلك، وبناء على تلك التعبئة الإعلامية قررت حكومة إقليم "خيبر بختون خوا" إبعاد كل المهاجرين الأفغان من المدن خلال شهر واحد، وسيؤدي ذلك إلى زعزعة العلاقات التي توثقت بين شعبي البلدين في العقود الماضية.

وعلى الجانب الآخر، تؤكد القيادات السياسية والأمنية في الحكومة الأفغانية باستمرار أن كل ما يحدث من عمليات عسكرية وتفجيرات في أفغانستان من قبل حركة طالبان أو غيرها من الفصائل العسكرية إنما يحدث بمباركة الاستخبارات العسكرية الباكستانية وتمويلها وتخطيطها.

 وفي رأي هذه القيادات فإن "شورى كويتا" و"شورى بيشاور" و"شبكة حقاني" -نسبة إلى جلال الدين حقاني أحد القادة المعروفين في الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي- كل هذه الشبكات التابعة لحركة طالبان أفغانستان تعمل من داخل المدن الباكستانية الكبيرة كما هو معروف من أسمائها، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بمباركة الجهات السيادية الباكستانية، ومن هنا كان حامد كرزاي يطالب أميركا بضرب قواعد حركة طالبان في الأراضي الباكستانية، وكان يقول إن أميركا أخطأت في إستراتيجية الحرب على الإرهاب، وكان عليها أن تضرب جذور الإرهاب وقواعدها التي تقع خارج الأراضي الأفغانية، في إشارة صريحة إلى باكستان.

وكان كرزاي يقول إن مفتاح الاستقرار واستباب الأمن في أفغانستان بيد أميركا وباكستان، وفي إشارة صريحة إلى ضلوع باكستان في القضايا الأمنية بأفغانستان، وعندما أراد الرئيس الأفغاني الجديد محمد أشرف غني فتح ملف المصالحة والاستقرار في أفغانستان بدأ جولته بأصدقاء باكستان، فبدأ بالمملكة العربية السعودية، وثنى بالصين، وثلث بإسلام آباد ظنا منه أن طريق قطع العمليات العسكرية والهجمات داخل أفغانستان يمر من إسلام آباد.

ولما بدأ الجيش الباكستاني عمليات "ضرب عضب" العسكرية في منطقتي خيبر ووزيرستان شككت حكومة كابل في نوايا حكومة باكستان، وقالت إنها تشمل مراكز حركة طالبان باكستان فقط، ولا تشمل المناطق التي تتمركز فيها طالبان أفغانستان وشبكة حقاني، وهو ما أكدت عليه تصريحات سر تاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للأمن القومي عندما قال "لن نضرب المتشددين الذين لا يشكلون أي خطر على باكستان، وقد أثارت هذه التصريحات ضجة إعلامية كبيرة في أفغانستان وباكستان كذلك".

وكلما وقعت حادثة ونفذت عملية من قبل حركة طالبان تستضيف وسائل الإعلام الأفغانية في حلقات النقاش من يحمل المسؤولية للجيش الباكستاني والاستخبارات العسكرية الباكستانية، وقد أحدث ذلك حالة من العداء السافر لكل ما هو باكستاني لدى العامة.

هذه الحالة المتوترة بين البلدين تنم عن هشاشة العلاقات بين أفغانستان وباكستان، كما أنها تدل على ضعف الثقة بين البلدين وانعدامها، وأن حادثا عابرا يمكن أن يؤثر في العلاقات الثنائية بين البلدين ويصل الأمر إلى التهديد بالتدخل العسكري، فضلا عن حادثة مؤلمة مثل حادثة بيشاور الأخيرة.

هذه العلاقات ستبقى هشة وضعيفة ما لم يتدارك الأمر وما لم تعد الثقة، وستعود الثقة فقط حينما يدرك الطرفان أن الجوار الجغرافي لا يمكن تغييره، ومن هنا يجب أن يتحمل كل طرف جاره، وأن يراعي الطرفان النقاط التالية:

– أن يسعى الطرفان لوقف الحروب في المنطقة، وهذا يتطلب أن تنحسر القوات الأجنبية عن المنطقة، وأن يسعى كل بلد لاستيعاب أبنائه الذين حملوا السلاح أو اضطروا لحمله بسبب تواجد القوات الأجنبية في المنطقة، وأن يدرك الجميع أن الحل ليس في إراقة مزيد من الدماء لأن الدماء تستتبع مزيدا من الدماء، وأن يدرك الطرفان أن كل واحد من البلدين قادر على استغلال الشروخ الموجودة بين شعوب البلد الآخر، والاستفادة من المعارضين لمصالحه الموهومة.

الحالة المتوترة بين البلدين تنم عن هشاشة العلاقات بين أفغانستان وباكستان، كما أنها تدل على ضعف الثقة بين البلدين وانعدامها، وأن حادثا عابرا يمكن أن يؤثر في العلاقات الثنائية بين البلدين ويصل الأمر إلى التهديد بالتدخل العسكري، فضلا عن حادثة مؤلمة مثل حادثة بيشاور الأخيرة

– أن تحافظ أفغانستان على حيادها في علاقاتها الخارجية، خاصة في الصراع الدائر بين الهند وباكستان، وألا تعطي ذريعة لباكستان لاتهامها باستغلال أراضيها من قبل الهند.

– ألا يسمح في البلدين لوسائل الإعلام بأن تنشر المزيد من الحقد والضغينة بين شعوب المنطقة عموما وبين شعوب البلدين، خصوصا باكستان وأفغانستان، وأن يعتبر الحفاظ على العلاقات الثنائية الجيدة من المصالح العليا للبلد من الطرفين، وأن يمنع التلاعب بها بمقتضى القانون.

– أن ينقل الملف الأفغاني في الحكومة الباكستانية من الجهات الأمنية (الجيش والاستخبارات العسكرية) إلى الجهات السياسية مثل وزارة الخارجية، وذلك على غرار العلاقات مع سائر الدول، كما أن الحكومة الأفغانية مطالبة بألا تتعامل مع باكستان على أسس أمنية فقط، بل يراعى في تلك العلاقات كل الضوابط التي تراعى مع سائر دول العالم.

– ألا تطمع باكستان في الوصاية على أفغانستان، لا في سياستها الخارجية ولا في علاقاتها التي تقيمها مع دول العالم لحاجتها وضرورتها، وألا تسعى لإبقائها ضعيفة، وفقيرة، وعالة على الجيران، بل الأفضل لها أن تكون بجانبها أفغانستان قوية، تشارك دول المنطقة في تطويرها الاقتصادي، وألا تنظر إليها كسوق لبضائعها، بل شريكة لها في التجارة، وألا تنتظر منها أن تبقى متخلفة علميا، ومضطربة أمنيا، فإنها إن كانت ضعيفة، وفقيرة، ومتخلفة غير آمنة فستتضرر باكستان نفسها، وإن كانت قوية، وغنية، ومستقرة، ومتقدمة علميا فستتقوى باكستان بقوتها وستستفيد من الفرص الاقتصادية التي ستتوفر في أفغانستان، وسيخف عليها الضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي تتحمله نتيجة الوجود الكبير للمهاجرين الأفغان على أراضيها لعودتهم إلى بلدهم.

– ألا تطالب باكستان بفتح الملفات الشائكة في ظروف الانقسام الحالية في أفغانستان مثل مسألة "ديورند" الحدودية، وألا تجعل مثل هذه الملفات وسيلة للضغط على أفغانستان.

هذه هي الخطوات اللازمة لإعادة القوة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن هنا تجب رعايتها والتأكيد عليها من الطرفين، لأن هذه العلاقات مهمة لأمن المنطقة واستقرارها، وتقدمها اقتصاديا وازدهارها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.