سيناريوهات الفتنة القادمة وأبعادها المحلية والعالمية

سيناريوهات الفتنة القادمة وأبعادها المحلية والعالمية - إبراهيم الديب - الفشل الذريع للانقلاب يدفع قادته للهروب نحو الأمام بمزيد من القمع والبطش بحثا عن طوق نجاة يحميهم من المحاكمات الداخلية والدولية

undefined

الفشل الذريع داخليا بدا واضحا في إدارة مرافق الدولة، وعدم قدرته على سداد رواتب الموظفين، والارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار أمام الجنيه، حيث بلغ ثمانية جنيهات في السوق السوداء، وتداعياته على ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

أما خارجيا فيبدو في عدم قدرته على إقناع وكسب مؤيدين له وكسر الحصار والعزلة السياسية التي يعيشها، إضافة إلى أن ملف تجريم قادة ومحرضي الانقلاب والقتل دوليا أمام المحكمة الدولية شارف على الانتهاء، بما يعني إمكانية تجريمهم أمام المحاكم الدولية.

حقيقة الأمر أن الانقلاب في أزمة كبرى، وربما انعدمت خياراته إلا من الهروب إلى الأمام بمزيد من القمع والبطش بالثوار السلميين باحثا عن طوق نجاة، يحميه من المحاكمات الداخلية والدولية التي تنتظره.

بدأ العسكر بإشعال الفتنة الكبرى في مصر من خلال تقسيم المجتمع إلى فريقين: فريق الانقلاب وفريق الإخوان المسلمين، إضافة إلى إعادة اللعب على ملف الفتنة الطائفية

أثناء كل هذه الفترة والحراك الثوري مستمر بوتيرة متصاعدة كما وكيفا باستمرار انضمام شرائح نوعية جديدة من الطلاب والناشطين السياسيين المتحولين من تأييد الانقلاب إلى تأييد الشرعية، استخدم فيها العسكر والنظام المؤقت الجديد كافة أسلحة قمع المتظاهرين، وتحطمت جميعها أمام ثبات وصمود وسلمية الثوار.

وتبع ذلك استخدام العصا الـ"قانونية" بإصدار قانون منع التظاهر، إضافة إلى قرار مجلس الوزراء باعتبار الإخوان جماعة إرهابية وما ترتب عليه من إمكانية الحكم على المتظاهر بخمس سنوات وقائد المظاهرة بخمسة وعشرين عاما، وربما يصل الحكم إلى الإعدام، ناهيك عن انتشار ظاهرة تلفيق الجرائم الجنائية للثوار.

كل ذلك فشل وتحطم أيضا أمام صخرة ثبات وصمود وسلمية الثوار، مما دفع بالعسكر إلى استخدام سلاح جديد كطوق نجاة لهم، بمحاولات إشعال الفتنة الكبرى في مصر من خلال تقسيم المجتمع لفريقين: فريق الانقلاب وفريق الإخوان المسلمين الذي طالما حاول تشويههم وتجريمهم لضرب الثورة بكل قوة تحت غطاء مسمى ضرب الإخوان الإرهابيين، إضافة إلى إعادة اللعب على ملف الفتنة الطائفية.

وقد فشل الانقلاب فشلا ذريعا في جر الثوار إلى مستنقع العنف، مفوتين عليه فرصة امتلاك مبرر يمكنه من سحقهم تحت جنازير الدبابات، ومن ثم قد يبدأ بتدبير العديد من العمليات الإرهابية وتلفيقها زورا لهم، خاصة الإخوان المسلمين، محاولا بذلك أيضا إلقاء قنبلة كبيرة من الدخان يتستر تحتها لتمرير الدستور.

في هذا السياق توضع الخطط وتدبر المؤامرات وتحاك الفتن لتقويض ثمار ثورة 25 يناير أولا، وتفويض مضامين القوة المصرية ممثلة في الحراك الثوري وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين والذي يتزايد على قاعدة من الوعي الشعبي بحقوقه وضرورة استعادة إرادته وشرعيته وتجربته الديمقراطية الوليدة.

وهي التجربة التي انتزعها من أنياب نظام مبارك السابق، والتي سرعان ما انتزعها العسكر منه عبر محاولات متكررة لإدخال مصر في دوامة من الاحتراب الداخلي، وربما حرب أهلية تستمر لسنوات تأكل الأخضر واليابس في مصر، لتمهد الساحة لتمدد أي قوى طامعة في المنطقة.

في هذا السياق، نستطيع أن نرسم سيناريوهات الفتنة المتوقعة في الأيام القادمة، والتي تتم بتدبير أجهزة الانقلاب لتحقيق عدة أهداف مجتمعة بضربة واحدة.

هذا إضافة الى العديد من المتغيرات الجارية الآن دوليا ومحليا تؤكد فرضية ذهاب العسكر لإشعال فتنة كبرى في مصر:

– على المستوى الدولي: انزعاج الغرب الشديد من الوافد الحضاري القادم بقوة مهددا عرشه المهيمن على القرار العالمي ومقدراته، والذي تمثل في النمو المتسارع للنظم الإسلامية التي جاءت تترا على السلطة نتيجة للربيع العربي.

هذا إضافة إلى النمو المتسارع لتركيا ذات الشعارات الإسلامية والانتماء الإيديولوجي للإسلام، وتحديدا فكر الإخوان المسلمين، والتحضيرات الجارية على قدم وساق لوقف الربيع العربي، وتقويض كافة نتائجه والعودة إلى المربع الأول ما قبل اشتعال فتيل الربيع العربي.

– الإجراءات الواضحة لتقويض نظام رجب طيب أردوغان والتي بدأت بالفعل على المستويين المحلي والإقليمي، بإشعال المزيد من الفتن الداخلية والخارجية، مستغلين العديد من أوراق المعارضة الداخلية، وخارجيا أوراق الأكراد، سوريا، وإيران ذات النفوذ المتزايد في المنطقة بعد التنسيق الإيراني والغربي الأخير على تقاسم النفوذ والمصالح بالمنطقة.

– اشتعال الحراك الثوري وغياب قدرة الانقلابيين على السيطرة عليه أو وقفه، مع التزايد الكمي والنوعي في شرائح المنضمين الجدد إلى ثوار الشرعية، خاصة أن نسبة كبيرة منهم من المتحولين من تأييد الانقلاب إلى الانضمام لصفوف أنصار الشرعية.

– الإشارات المتكررة التي تأتي من الجيش والتي تؤكد تململ وغضب الكثير من القيادات الوسطى والدنيا من الانقلاب، ومن كل ما يمارس ضد أهلهم من أبناء الشعب المصري.

بعد فشل الانقلابيين في جر الثوار إلى مستنقع العنف وتفويت فرصة امتلاك مبرر لسحقهم قد يبدأ الانقلابيون بتدبير العديد من العمليات الإرهابية وتلفيقها زورا لهم

– الضغط الأميركي والأوروبي والعربي المؤيد للانقلاب بضرورة تسريع إجراءات تمكين الانقلاب على الأرض، ووقف الحراك الثوري المحرج لهم بشدة أمام العالم وأمام شعوبهم.

– وجود صراعات حقيقية بين قادة الانقلاب على السلطة من جهة، وبين العسكر وبعض النخب السياسية الطامحة في السلطة، والداعية إلى سرعة حسم المشهد السياسي في مصر بأسرع ما يمكن، ولو بكلفة دموية باهظة التكلفة.

– الترتيبات الإقليمية التي تمت بين الإيرانيين والأميركيين في المنطقة والتي تسير في اتجاه دعم وتمكين الانقلابيين في مصر حفاظا على مصالحهم جميعا بالمنطقة، وحصار ووقف أي قوة سنية وطنية يمكن أن تصل إلى السلطة وتهدد مصالحهم.

– السفور والفجور الشديد في أداء حزب النور وشخصيات إسلامية محسوبة على التيار الإسلامي ضد أنصار الشرعية -وتحديدا الإخوان المسلمين- والذي ازداد بشدة غير مسبوقة مع مسلسل الدستور الجديد، والذي يؤكد المحللون أنه يأتي بناء على توجيه مباشر من أجهزة الانقلاب.

– تحويل العديد من القيادات الإخوانية إلى سجن العقرب شديد الحراسة وفرض عزلة فردية، وطوق أمني شديد جدا عليهم، تمهيدا لأمر يدبر بليل تلفه مؤامرات محلية ودولية مشتركة ضد الإخوان المسلمين الحارس الأمين على الإسلام الوسطي المعتدل في مصر والعالم بأسره، خاصة بعد سقوط وتهاوي أكبر المؤسسات الإسلامية الرسمية في مستنقع الانقلاب.

– بعض الاعترافات المزورة لبعض المعتقلين والتي حرص ضباط أجهزة الانقلاب على سرعة الحصول عليها تحت ضغط التعذيب الرهيب، والترهيب باستخدام أهالي المعتقلين للضغط عليهم في وقت زمني واحد في عدد من المحافظات، للإيحاء بوجود تنظيم إرهابي لممارسة العنف على مستوى الجمهورية.

– التحذيرات المستمرة التي توجهها السفارة الأميركية لرعاياها بتوخي الحذر من أعمال إرهابية متوقعة في مصر.

في هذا السياق، نستطيع أن نرسم سيناريوهات الفتنة المتوقعة في الأيام القادمة، والتي تتم بتدبير أجهزة الانقلاب لتحقيق عدة أهداف مجتمعة بضربة واحدة.

– سلسلة من عمليات الإرهاب المدبرة من أجهزة الانقلاب وإلصاقها زورا وبهتانا بالإخوان المسلمين وثوار الشرعية.

– عمليات اغتيال مدبرة من أجهزة الانقلاب بحق بعض القيادات السلفية والإسلامية المناهضة للشرعية وللإخوان المسلمين، خاصة تلك التي كلفت بحدة الخطاب والمواجهة مع الإخوان في الفترة الأخيرة.

– عدد من العمليات الإرهابية الكبيرة في اتجاهات مختلفة (قوات مسلحة، كنائس) داخل القاهرة والإسكندرية وغيرهما، وإيقاع عدد كبير من القتلى.

أهداف إستراتيجية
ويسعى الانقلابيون من وراء ذلك لتحقيق جملة أهداف، من أهمها:
– استعادة التوازن المعنوي داخل الجيش بمزيد من الاستعداء ضد الإخوان والثوار، واستعادة التوازن النفسي ضد الإخوان وثوار الشرعية، خاصة بعد النمو المستمر لمعارضة الانقلاب بين صفوف أقباط مصر وتحوله إلى شكل مؤسسي منظم يعمل داخل مصر وخارجها.

– تمهيد الساحة لتوجيه ضربة قوية ضد قيادات الإخوان بالمعتقلات، أهمها أحكام بالإعدام على ما يقارب الثلاثين من قيادات الصف الأول، خاصة الذين مارسوا أدوارا مهمة أثناء الفترة الأخيرة، إضافة إلى سنوات سجن طويلة تتراوح بين العشرة والعشرين عاما لعدد كبير من القيادات العليا والوسطى في الجماعة.

يسعى العسكر تاليا للتخلص من الأوراق السلفية والإسلامية الموالية للانقلاب والتي انتهى دورها وتتزايد مطالبها بشكل مستمر ظنا منها أنها شريك حقيقي للانقلاب

– التخلص من الأوراق السلفية والإسلامية الموالية للانقلاب والتي انتهى دورها وتتزايد مطالبها بشكل مستمر ظنا منها أنها شريك حقيقي للانقلاب من حقه المطالبة بحصة من المكاسب.

– تثبيت أركان الانقلاب والتمكين له في مصر وتهيئة الوضع لاعتراف أميركي وغربي رسمي، خاصة بعد الانتهاء من مسلسل الدستور.

إذاً، الساحة الدولية والإقليمية متفقة ومهيأة لتوجيه ضربة قوية وعنيفة ضد التمدد الإسلامي السني والذي بلغ ذروته تلقائيا في أوروبا وأميركا ومناطق واسعة من أميركا الجنوبية على مستوى المهتدين الجدد للإسلام، والعودة للهوية الإسلامية الواضحة بين صفوف المهاجرين المسلمين بالدول الغربية.

هذا إضافة إلى تأثيرات الربيع العربي المفاجئ والذي أعلن بداية انهيار النظم الاستبدادية الوكيل الغربي على شعوب ومقدرات المنطقة، بل ووصول الإسلاميين أنفسهم إلى السلطة والذين يعدون (داخل بعض الدوائر الغربية) المصدر الأساسي للخطر على الغرب.

إذاً، هي حرب عالمية ثالثة ضد الإسلام وعناصره الفاعلة، لا ريب في ذلك، وهذا ما تؤكده سنن التاريخ وحقائق الواقع.

وعلى الإسلاميين وأنصار الشرعية أن يكونوا رأس حربة في الدفاع عن حقوق شعوب غافلة نائمة لا تدرك من حقيقة أمرها وما يجري شيئا، وليتحمل هؤلاء الشباب والفتيات الصغار بدمائهم الزكية الطاهرة مسؤولية وأمانة الدفاع عن أمة وشعوب منطقة بأسرها في محطة تاريخية هي أصعب محطات التاريخ العربي والإسلامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.