المرأة والقيادة

المرأة والقيادة. الكاتب :مرح البقاعي

undefined

ربيع 2011 كان فصلا مغايرا وموعدا استثنائيا مع صناعة التاريخ في سوريا، كان فصل الصحوة الباسقة والقيامة من اليباب.

خرجت السوريات معلنات ثورتهن الماجدة، ثورة الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، جنبا إلى جنب مع أقرانهن السوريين الأحرار.

صدح صوتهن في الساحات أن لا عودة إلى الاستبداد، وأن لا بديل عن الثورة إلا الثورة، وأن المرأة هي عبق ذاك الخروج الكبير ووردة دمه العالي.

إلا أن المرأة، التي شاركت بفعل متسع في الثورة، ودفعت أثمانا باهظة تشريدا وتنكيلا ويتما وثكلا واعتقالا وترملا وشهادة، تقف اليوم بعد مرور ثلاثة أعوام من التضحيات المتصلة في موقع المرتهن لتصنيفات راديكالية ترتدي عباءة الإسلام هادفة لتنفيذ أجندات سياسية مرتبطة بأطراف ظلامية ذات نهج عنفي، بينما كانت تتابع التقاط إشارات التغيير الحتمي التي وصلت محمولة على أجنحة ثورة الاتصالات والمعلوماتية، مهيئة لأرضية الاتصال والتواصل بين أطراف هذه التجربة التحررية الاستثنائية في التاريخ الحديث، وكذا الربط بين ناشطاتها وناشطيها تفعيلا لحراكهم الثوري العارم الذي كان يسير على وقع رسائل فيسبوك وتويتر العابرة للفضاء الأمني الثقيل.

لن تكتمل الثورة إلا إذا اقترنت ببرنامج حازم لتحرير الإنسان السوري، والمرأة أولا، وعلى الصعد الاجتماعية كافة، وكذا مساواتها الدستورية والقانونية التامة بالرجل في الحقوق والواجبات

وعلى الرغم من المنعطف العسير الذي تمر به اليوم الحالة السورية أمنيا وإنسانيا، وعلى الرغم من تهجير 3 ملايين سورية وسوري خارج البلاد ونزوح 6 ملايين آخرين داخل الأراضي السورية، عدد كبير منهم نساء لأن المرأة عادة هي الجهة الأضعف التي تدفع أثمانا غالية في الحروب ومقاديرها، ولأننا "محكومون بالأمل"، كما يقول المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس، لا يسعنا إلا أن نستمر في السير الصعب والثابت باتجاه سوريا المحررة إنسانا وأرضا وسياسات.

فالثورة لن تكتمل إلا إذا اقترنت ببرنامج حازم لتحرير الإنسان السوري، والمرأة أولا، وعلى الصعد الاجتماعية كافة، وكذا مساواتها الدستورية والقانونية التامة بالرجل في الحقوق والواجبات.

وعليه فالدستور المستقبلي في سوريا، ومجموعة القوانين التي ستنبثق عنه، يجب أن يؤكد على حرية المرأة واحترام خصوصيتها وجسدها وعقلها وعواطفها، وتضمينها في القوانين والتشريعات كافة، وتمكين نفاذها عن طريق تفعيل الأدوات والمؤسسات الموازية، وإنشاء الروادع القانونية والعقابية لكل من يستمر في الاعتداء على هذه الحقوق تحت أي مبرر.

كما يجب أن يشدد الدستور المرتجى على حق المرأة في العمل السياسي، والشراكة في مواقع القرار العليا بالترشح وإشغال أي مناصب في الدولة بما فيها منصب الرئاسة والوزارات السيادية وكذا المناصب القضائية في القضاء المدني والقضاء الدستوري.

كانت لي تجربة نوعية في تدريس مادة الإسلام المعاصر في جامعة جورج تاون في واشنطن لطلبة الدراسات المستمرة، وهم عادة من الموظفين الحكوميين والباحثين المهتمين بتاريخ الإسلام وقضايا الشرق الأوسط.

وقد لفت انتباهي خلال تدريس مادة الأندلس ودور المرأة في التاريخ الإسلامي في الحكم والسياسة، كم من الجهل والنكران يعتريان الذهنية الغربية لحقائق في التاريخ، وكذا في الحاضر، هي غرة في الحداثة والاستنارة مقارنة بما يدور رحاه الآن في العالمين الإسلامي والعربي من مشاهد التزمت والاستتباع المذهبي معززا بنظرة الغرب القاصرة للمناخ الاجتماعي والسياسي المحتقن الذي أنتج تيارات التطرف والغلو تلك، مقابل حالة من الاعتدال والتسامح يجب رفع الغبار عن وجهها بتدخل عاجل من أصحاب القلم والفكر التحرري والتنويري المستقل.

فالإسلام لم يحرم قيادة المرأة، والأدبيات الإسلامية تتألق بأسماء ملكات ورياديات تركن بصماتهن على نواصي التاريخ من أمثال الملكة أروى بنت أحمد الصويلحي وفاطمة الزهراء وخديجة بنت خويلد وولاّدة ابنة المستكفي بالله ومريم ابنة عمران وشجرة الدرّ، وغيرهن من العلامات الناضرات في العلم والتجارة والسياسة والفكر الإنساني.

يجب أن يشدد الدستور المرتجى على حق المرأة في العمل السياسي، والشراكة في مواقع القرار العليا بالترشح وإشغال أي مناصب في الدولة بما فيها منصب الرئاسة والوزارات السيادية والمناصب القضائية

هذا بينما يفيد التاريخ الحديث في معقل الديمقراطية الولايات المتحدة، بأن المرأة الأميركية لم تحصل على حقها في التصويت حتى عام 1920، ولم تتقلد مناصب سياسية عُليا إلا في بداية الثلاثينيات، وهي ما زالت حتى الساعة تعاني تمييزا إذا ما أبدت منافسة للرجل فيما يَعتبره ميدانا مهنيا حكرا عليه، ومعدل رواتب المديرات التنفيذيات في الولايات المتحدة هو أقل 40% من رواتب المديرين التنفيذيين، رغم أن المرأة تتمتع بالخبرة المهنية ذاتها التي يملكها الرجل.

ولأن التغيير الاجتماعي والسياسي لا يتم إلا من خلال عمل فكري وعلمي وتربوي متأنّ وصبور من أجل ترميم وتغيير مسلّمات وأفكار راكدة، فلا بد من التأكيد في هذا المقام على ثوابت سياسية وأخلاقية وقانونية هي في صلب مكافأة المرأة السورية لثورتها على ثالوث الاستبداد والتبعية والتعصب، أسرد بعضا منها:

– ضمان المشاركة الفعالة للمرأة في العمل السياسي وذلك بضمان مشاركة نسائية بنسبة 50% في أية حكومة مؤقتة، أو انتقالية، أو دائمة، وكذلك الحال في مؤسسات الدولة كافة.

– ضمان مشاركة المرأة بنسبة 50% في التجمعات الدولية، وفي لجان التفاوض والمصالحة والسلم الأهلي، وكذا في لجان تأسيس وكتابة الدستور.

– تمكين ودعم النساء في العمل السياسي من خلال تزويدهن بالمهارات اللازمة والتأهيل القيادي.

– حماية المرأة اجتماعيا وقانونيا من التعرض للإكراه العقائدي (دينيا كان أم سياسيا)، وتفعيل قوانين ردع العنف الأسري والانتهاكات الجنسية، وسن أنظمة اجتماعية لحمايتها من الأذى الاقتصادي المترتّب على فقدان المعيل، وتجريم الزواج من القاصرات، وكذا نشر حملات التوعية التي تساعد في التعريف والاعتراف بالتحرّش والاغتصاب على أنها جرائم يحاسب مرتكبها أمام القانون بأقصى العقوبات.

فصل المقال أن الثورات السياسية لابد من أن ترفَق بأخرى ثقافية انقلابية على الراكد السلطوي ذي الفعل الرجعي المقيت، ثورة ثقافية هي الرديف والرافد للثورات السياسية على ألوان الاستبداد، وأن التحرّر السياسي المرتجى لا يستوي إلا موازاة بتيار من التغيير المجتمعي ينقلب على كل مثبّطات الحراك الثوري ومسكّناته وفي مقدمتها تغييب شراكة المرأة، نصف المجتمع الفاعل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.