المجتمع الدولي واستخدام الكيمياوي بسوريا

المجتمع الدولي واستخدام الكيمياوي بسوريا

undefined

حيثيات استخدام السلاح
إستراتيجية النظام
كيمياوي العجز

بعد ارتكاب النظام مجزرة مروعة في مناطق عديدة من غوطتي دمشق، الغربية والشرقية، مستخدما السلاح الكيمياوي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ليس هو: هل استخدم النظام فعلا هذا السلاح أم لا؟ بل ماذا سيفعل المجتمع الدولي حيال النظام الأسدي الدموي؟

تشهد صور "مذبحة الغوطتين" على مئات الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، في وقت يتواجد فيه فريق التحقيق الأممي باستخدام السلاح الكيمياوي على بعد كيلومترات قليلة من المناطق المنكوبة، ولا يسمح النظام لأعضائه بالذهاب للتحقق من جريمته، فضلا عن أن أدلة استخدام النظام للسلاح الكيمياوي ضد مناطق ثائرة عديدة في حوزة أجهزة العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وتركيا.

إن القضية ليست قضية "فبركات" أو مزاعم وادعاءات، ولا تحتاج إلى مزيد من التأكيد، بل تحتاج إلى توفر إرادة دولية لردع هذا النظام، ومنعه من الإمعان في ارتكاب المزيد من الجرائم في حق الثائرين السوريين وحاضنتهم الاجتماعية.

حيثيات استخدام السلاح
ويبدو أن توقيت شن نظام الأسد هجوما واسعا على مناطق في غوطتي دمشق، مدروس بدقة، من جهة انشغال ساسة العالم بالتهاب الأوضاع الداخلية في مصر، ومن جهة معرفته بأن ردود الفعل الدولية لن تكون حاسمة ضده، في ظل تخبط سياسات الولايات المتحدة الأميركية حيال الأزمة السورية، وعدم سماحها لأي دولة أخرى بالمضي قدما في دعم وتسليح الجيش السوري الحر بسلاح نوعي.

القضية ليست قضية "فبركات" أو مزاعم وادعاءات، ولا تحتاج إلى مزيد من التأكيد، بل تحتاج إلى توفر إرادة دولية لردع هذا النظام

ويضاف إلى ذلك استناد النظام إلى الدعم اللامحدود من طرف روسيا الاتحادية وإيران وتوابعهما، حيث يعرف النظام الأسدي الدموي تماما أن كلا من روسيا والصين ستقفان في وجه أي إجماع دولي ضده، ولن تسمحا لمجلس الأمن بإصدار أي قرار يمكن أن يدين ممارساته الإرهابية، أو يمكن أن يلوّح باستخدام القوة ضده، وقد سبق لهما أن استخدمتا حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات ضد مشاريع قوانين تطالب بوقف حربه ضد غالبية السوريين في سابقة غير معهودة.

ولعل أقصى ما قام به المجتمع الدولي كرد فعل أولي على المجزرة هو دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد، مع معرفة الجميع بأن أية جلسة تعقد بخصوص الشأن السوري لن تتمخض عن أية قرارات يمكن أن تسهم في وقف الحرب القذرة التي يشنها النظام ضد غالبية السوريين منذ عامين ونصف، بسبب وجود الروس والصينيين، بوصفهما عاملي تعطيل لأي قرار ملزم للنظام بهذا الخصوص.

وبالفعل فقد اكتفى مجلس الأمن الدولي، بعد اجتماع خصص للملف السوري، بالإعراب عن "قلقه من مزاعم استخدام السلاح الكيميائي"، ولم ينس أعضاؤه الإشارة إلى أن "أي استخدام للسلاح الكيميائي هو انتهاك للقانون الدولي"، مع دعوة بائسة "للطرفين" للسماح لفريق التحقيق الأممي بالذهاب إلى مناطق مجزرة الغوطتين.

ولعل الأدهى من ذلك هو تعامل الدول الغربية الفاعلة مع المجزرة بوصفها "ادعاءات" تحتاج إلى براهين، في حين أن صور أجساد الأطفال والنساء والرجال المصفوفة في صفوف طويلة، لم تكفِ لتحريك ضمير ساسة الغرب، وكأن لسان حالهم يقول إن صور الأجساد المسجاة ربما تكون "مفبركة"، في التقاء مريب مع روايات وأكاذيب أبواق النظام الأسدي الدموي التي تحاول إنكارها، وفي أحسن الأحوال إخراجها في صيغة تلفيق، القصد منه إحراج النظام في وقت يتواجد فيه فريق التحقيق في السلاح الكيمياوي، الذي رضخ لكل شروط النظام، وبات مكبلا بالوجهة التي وضعها، وبالخطوط التي رسمها، بغية حرف الفريق عن المسار المطلوب لمهمته.

ولا ينسى ساسة موسكو وطهران أن يسجلوا على الدوام انفراد موقفهما، حيث يتولون على الدوام مهمة تبرئة النظام من جرائمه، كونهم شركاء فيها، ولا يختلفون عن رصفائهم في النظام الأسدي، من جهة النهج والممارسات، وتاريخ جرائم النظام الروسي في الشيشان شاهد عليه، أما ساسة ملالي إيران فالشواهد على جرائمهم كثيرة، وليس آخرها قمع الثورة السلمية الخضراء.

ولعل حيثيات استخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيمياوية، تذهب أيضا إلى اطمئنانه لوجود تفاهم بين كل من ساسة روسيا والولايات المتحدة على تفضيل "حل سياسي" مزعوم، يبقي على النظام ويعيد له الشرعية، في وقت تظهر فيه الوقائع على الأرض أن هذا النظام بات في حكم الماضي، ولا يمكنه الاستمرار في حكم السوريين.

إستراتيجية النظام
اتبع النظام إستراتيجية لاستخدام السلاح الكيمياوي ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، تنهض على سياسة الإنكار والتضليل، ومحدودية الاستخدام، بغية تحقيق مكاسب في منطقة بعينها، تمكنه من اختراق صفوف المقاتلين المعارضين، وترويع المناطق المدنية الحاضنة للثورة.

لا ينسى ساسة موسكو وطهران أن يسجلوا على الدوام انفراد موقفهما، حيث يتولون على الدوام مهمة تبرئة النظام من جرائمه، كونهم شركاء فيها

وليست مجزرة الغوطتين الأولى من نوعها التي يستخدم فيها النظام السوري السلاح الكيمياوي ضد المناطق الثائرة، إذ سبق أن استخدمه مرات عديدة، لكنها جاءت ترجمة مباشرة لأقوال رأس نظام الأسد الأخيرة، التي أعلن فيها أنه سيستخدم كل الوسائل في حربه على ما وصفه "الإرهاب" و"الجماعات التكفيرية". وهي تعبيرات درج النظام على استعمالها في إطار حملته التضليلية والكاذبة، والمستمرة منذ بداية ثورة 15 مارس/آذار 2011.

وبعد إنكار مديد لامتلاك النظام أسلحة كيمياوية، خاصة بعد ارتفاع أصوات ساسة أميركيين وأوروبيين تحذر من ذلك، والخط الأحمر الواهي الذي وضعه الرئيس الأميركي باراك أوباما، أقرّ النظام بأنه يمتلك أسلحة كيمياوية للمرة الأولى، في 23 يوليو/تموز 2012، لكنه أكد أنه لم يستعملها أبدا ضد شعبه، مع التهديد باستخدامها إذا حصل تدخل عسكري غربي.

وراحت وسائل إعلام النظام وأبواقه تشن ما يمكن تسميته حملة تمهيد لاستخدام الأسلحة الكيمياوية، إذ حين شنت قواته أول هجوم كيمياوي محدود في بلدة خان العسل، في شهر مارس/آذار من هذا العام، تولت وسائل إعلامه مهمة اتهام مقاتلي المعارضة باستخدام هذا السلاح، في افتراء لا يملك أية أدلة أو مستندات. وستتكرر الهجمات الكيمياوية لقوات النظام على المناطق الثائرة ضمن إستراتيجية المحدودية والإنكار واتهام قوات المعارضة باستخدامه.

ومع تزايد النقاش الدولي حول استخدام السلاح الكيمياوي، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا أشار إلى جمع عينات من مناطق مختلفة في سوريا، وإلى وجود أدلة قوية على استخدام أسلحة كيمياوية. ثم كشف البيت الأبيض في 14 يونيو/حزيران الماضي، للمرة الأولى، عن استخدام الوحدات التابعة للرئيس السوري بشار الأسد أسلحة كيمياوية بشكل محدود ضد المعارضة.

وبعد ذلك شكلت الأمم المتحدة فريقا للتحقيق في الادعاءات، إلا أن النظام السوري رفض ذلك بحجة أن الأمم المتحدة تسعى لتوسعة نطاق التحقيق لتشمل كافة أنحاء البلاد، وفي النهاية رضخت الأمم المتحدة لشروط النظام، ودخل الفريق سوريا. ويبدو أن مجزرة الغوطتين كانت بمثابة الرد على دخول الفريق الأممي الأراضي السورية.

كيمياوي العجز
يكشف استخدام النظام الأسدي المتكرر للسلاح الكيمياوي ضد المناطق الثائرة، عن عجز قواته وتهافت وحداته القتالية، خاصة بعد المكاسب التي حققها الجيش السوري الحر في أكثر من مكان، حيث أظهرت التطورات الأخيرة حجم الهزائم وثقل الخسائر التي تعرضت لها قوات النظام، سواء في أحياء دمشق وحلب، أم في أحياء دير الزور ومناطق درعا واللاذقية وسواها، وذلك بالرغم من امتلاكها التفوق الناري، ولجوئها إلى كل أنواع القصف بالطائرات والراجمات والصواريخ والدبابات والمدافع الرشاشة.

يكشف استخدام نظام الأسد للسلاح الكيمياوي بشكل متكرر ضد المناطق الثائرة، عن عجز قواته وتهافت وحداته القتالية، خاصة بعد المكاسب التي حققها الجيش السوري الحر

ومع التقدم السريع لوحدات الجيش الحر في مناطق الساحل السوري، اتضح مدى الذعر الذي أصاب جيش النظام وقادته، إلى جانب انهيار المعنويات وتردي الأداء والتنظيم، الأمر الذي استحال إلى ذعر مسعور لدى قادة النظام الأسدي، وانعكس في صورة رد فعل، جسدها استخدام السلاح الكيمياوي بشكل انتقامي، بما يجعله انتقام العاجز بسلاح العجز، في مجزرة الغوطتين.

ويعتقد قادة النظام أن كيمياوي العجز، الذي استهدف أطفالا ونساء ورجالا، يمكنه أن يرفع من معنويات أفراد جيشهم العاجز، ظناً منهم أن الهمجية والبربرية يمكنها أن تنقذهم من العجز الذي أصابهم في أعماقهم. ولكن هيهات، فالثورة أدخلت هذا النظام في دائرة بركان ثائر، لن تتوقف حممه إلا بسقوط النظام ومحاكمة كافة رموزه عن مختلف الجرائم التي ارتكبها.

ولا شك في أنه لا يمكن انتظار ما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي حيال استخدام النظام للسلاح الكيمياوي، ذلك أن قادة الغرب تحدثوا في أكثر من مرّة عن خطوط حمراء وضعوها، ثم تجاوزها النظام في تحدّ سافر لهم، ولم يفعلوا شيئاً حياله، وخاصة الخط الأحمر الذي وضعه رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما.

لكن المفارق في الأمر أن إدارة أوباما، بعد أن تأكدت من أجهزة استخباراتها من استخدام النظام للسلاح الكيمياوي، راحت تتحدث عن ضرورة الحل السياسي، وفي ظل بقاء الأسد في السلطة بعدما كانت تشترط رحيله قبل استخدام كيمياوي العجز. وكأن عجزاً من نوع آخر أصابها أيضاً، ويمنعها عن فعل أي شيء ضد النظام.

وإذا كان المجتمع الدولي عاجزا عن ردع النظام ومنعه من الاستمرار في حربه الهمجية ضد غالبية السوريين، فإن الثوار السوريين يزدادون عزيمة وإصرارا على إسقاط النظام، ومحاسبة أركانه، آجلاً أم عاجلاً. وسيذكر التاريخ حجم العار الذي طاول قادة العالم الحر، الذين يتشدقون بحقوق الإنسان ليل نهار، ولم يلتفتوا إلى حقوق ضحايا النظام الأسدي. إنه عار يطاول إنسانيتهم وعجزهم المخاتل.

يبقى أنه بالرغم من الأثمان الباهظة للثورة السورية، على صعيد المجازر والمعاناة والتضحيات، فإن لا شيء يخفف رغبة الانعتاق والتحرر، وعزيمتهم في الوصول إلى فضاءات جديدة، وبناء صروح الحرية، واستعادة الكرامة ومقاماتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.