إسرائيل.. أبارتهايد بحكم القانون

إسرائيل.. أبارتهايد بحكم القانون

undefined

مشروع قانون "الدولة القومية"
جملة قوانين عنصرية
الحكومة والتمييز
الأحكام القضائية حسب دين المتهم

على الرغم من أنه ثبت في اختبار الواقع والممارسة أن الكيان الصهيوني ذو طابع عنصري مقيت في كل ما يتعلق بالتعاطي مع غير اليهود، فإن المشرع الإسرائيلي حاول على مدى عقود إخفاء هذه العنصرية عبر جملة من القوانين التي لا يتم احترامها، والتي تعطي انطباعًا مضللاً بالمساواة بين "المواطنين" من اليهود وغيرهم في بعض الحقوق.

لكن صلف الصهاينة وغطرستهم تدفعهم حاليًّا إلى التخلي حتى عن ورقة التوت التي توفرها هذه القوانين، حيث إن هناك ما يدل على أن الفاشية الصهيونية قد بلغت مبلغًا جعل النخبة الحاكمة في إسرائيل تتجه بعناد إلى التخلي عن كل بنية قانونية تشي بانطباع مضلل بالمساواة، وأصبحت تشرع أبشع الممارسات العنصرية التي عرفتها البشرية في العصر الحديث بقوة القانون.

مشروع قانون "الدولة القومية"
إن أخطر مشاريع القوانين العنصرية التي يناقشها الكنيست الإسرائيلي حاليًّا هو مشروع قانون أساس "الدولة القومية" -الذي تقدم به ياريف ليفين رئيس كتلة الائتلاف الحاكم في البرلمان بدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- الذي يفترض أن يمنح نظام الفصل العنصري القائم حاليًّا في الكيان الصهيوني صبغة دستورية وقانونية.

وقد جاءت بنود القانون لكي تنسف أي مقوم قانوني يمكن أن يرتكز عليه فلسطينيو 48 تحديدًا للمطالبة بالمساواة التي يفترض أن يتمتعوا بها لكونهم "مواطنين" في هذا الكيان.

يقتفي مشروع القانون القوانين النازية، لأنه يدعو إلى إلزام المحاكم الإسرائيلية بأن تفضل في قراراتها متطلبات احترام الهوية اليهودية على قيم الديمقراطية

فعلى سبيل المثال ينص مشروع القانون على أن الحق في تقرير المصير في هذا الكيان يخص اليهود فقط. وقد جاءت هذه المادة لكي تنزع الشرعية القانونية عن مطالبة الكثير من نخب فلسطينيي 48 بأن يتم السماح لهم ببلورة هوية ثقافية مستقلة.

ويسمح مشروع القانون بتوظيف الفضاء الجغرافي والديموغرافي لخدمة الطابع اليهودي للكيان الصهيوني من خلال إلزام الحكومات الإسرائيلية ببناء مستوطنات لليهود، وفي الوقت ذاته منحها الحق في قبول أو رفض بناء قرى وبلدات للفلسطينيين.

ومن أجل تقليص هامش المناورة أمام فلسطينيي 48 في كل ما يتعلق بهويتهم الثقافية، فإن مشروع القانون يدعو إلى اعتبار اللغة العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة للكيان.

ويقتفي مشروع القانون القوانين النازية لأنه يدعو إلى إلزام المحاكم الإسرائيلية بأن تفضل في قراراتها متطلبات احترام الهوية اليهودية على قيم الديمقراطية. وتضفي هذه المادة من مشروع القانون تحديدًا شرعية على كل ممارسات التمييز على أساس عنصري وديني ضد غير اليهود.

ومما لا شك فيه أن أخطر مواد مشروع القانون هي تلك التي تتبنى مفهوم المصادر الدينية اليهودية لما يسمى بـ"أرض إسرائيل" وحصر الحق عليها في "الشعب اليهودي"، دون أن يتم تحديد حدود هذه الأرض، مما يضفي شرعية على أكثر الدعاوى الدينية اليهودية تطرفًا عند الحديث عن تسوية الصراع مع الفلسطينيين.

ومن الواضح أن مشروع القانون يمنح فلسطينيي 48 مكانة أقلية لا يكاد وجودها يحتمل، مع منح الكيان كل الأدوات التي تسمح له بتحويل هذه الأقلية إلى أقلية غير محتملة يمكن اجتثاثها من أجل ضمان النقاء اليهودي للكيان. ومن الواضح أن تبني هذا المشروع يعني أن الكيان الصهيوني يتجه إلى تأصيل وتشريع الممارسات العنصرية ضد الفلسطينيين، التي لم تتوقف منذ الإعلان عن هذا الكيان الغاصب.

جملة قوانين عنصرية
لقد جاء مشروع القانون الذي يحظى بدعم جميع مركبات الائتلاف الحاكم والمعارضة اليمينية الدينية في الكنيست، في ظل طفرة من المشاريع العنصرية التي أقرها البرلمان، والتي تشرع المس بالفلسطيني واستهدافه. فقد أقر البرلمان الإسرائيلي مؤخرًا مشروع قانون يجرم "التشهير" بالجيش الإسرائيلي، بحيث أن أية جهة أو منظمة حقوقية تنتقد الممارسات الإجرامية للجيش ضد الفلسطينيين والعرب خلال الحروب والحملات العسكرية التي يشنها الكيان الصهيوني ستتم محاسبتها على اعتبار أنها تجاوزت القانون.

ومن الواضح أن هذا القانون لا يسهم فقط في التغطية على جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني، بل إنه ينسف أهم مقومات الديمقراطية، ألا وهو حرية التعبير.

ومن الواضح أن الذي بادر لسن القانون وأيده يدرك أن سلوك الجيش الإسرائيلي إشكالي، مما يستدعي قمع أية محاولة لإثارة الجدل حوله. وقد أقر البرلمان قانونا لا يقل عنصرية يتمثل في إعفاء إسرائيل من الاستجابة لأي مطالب بالتعويض يرفعها فلسطينيون تضرروا من ممارسات الجيش الإسرائيلي خلال الحملات الحربية.

الواضح أن هذا القانون لا يسهم فقط في التغطية على جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني، بل إنه ينسف أهم مقومات الديمقراطية، ألا وهو حرية التعبير

وإلى جانب حقيقة أن هذا القانون يمس بحقوق الفلسطينيين، فإنه في الوقت ذاته يمنح الجيش الصهيوني ضوءًا أخضر للإقدام على أية جريمة بحق الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلاله.

وقد أقر البرلمان الصهيوني قانون "المواطنة"، وهو القانون الذي يحرم فلسطينيي 48 من الحق في الزواج من فلسطينيين في الضفة الغربية أو قطاع غزة، على اعتبار أن السماح بالتزاوج بين فلسطينيي 48 والفلسطينيين في الضفة والقطاع يمثل خطرًا ديموغرافيًّا، لأنه يسمح بزيادة عدد الفلسطينيين.

وقد أقر الكنيست مشروع قانون يعفي الإسرائيلي من أية مسؤولية قانونية إذا قتل شخصا اقتحم سياج مزرعته أو سور بيته.

وجاء هذا القانون لإضفاء شرعية على قتل الفلسطينيين الذين يتهمون بسرقة المحاصيل الزراعية وغيرها. وقد أقر الكنيست مشروع قانون يجرم قيام فلسطينيي 48 بزيارة أي دولة تكون في حالة عداء مع إسرائيل، وذلك في مسعى واضح لضرب أية إمكانية للتواصل بينهم وبين محيطهم العربي.
ويجري البرلمان الإسرائيلي مشاورات لإقرار مشروع قانون ينص على رفع نسبة الحسم في الانتخابات التشريعية من 2% إلى 4%، وذلك لقطع الطريق على وصول الأحزاب العربية إلى الكنيست.

الحكومة والتمييز
إن التمييز والعنصرية لا يتم تشريعهما فقط عبر سن القوانين، بل إن الحكومة الإسرائيلية الحالية نشطت بشكل خاص في إصدار القرارات الإدارية ذات الطابع العنصري التمييزي ضد الفلسطينيين.

 فعلى سبيل المثال أصدر وزير المواصلات يسرائيل كاتس قرارا يقضي بالفصل بين الفلسطينيين واليهود في الحافلات التي تتحرك في أرجاء الضفة الغربية، بحيث يتم تخصيص خطوط نقل لليهود وأخرى للفلسطينيين.

ومن الواضح أن هذا القرار مستوحى من إرث ممارسات الأبارتهايد البائدة في جنوب أفريقيا. وفي ذات السياق، أقرت الحكومة الإسرائيلية ما أصبح يعرف بمشروع "برافر" الذي يقضي بطرد آلاف المواطنين البدو من أراضيهم في صحراء النقب والسيطرة عليها بغية ضمها للمستوطنات اليهودية القائمة في المنطقة. ويجد التمييز ضد فلسطينيي 48 ترجمته في مستوى الخدمات، فحسب بحث أجراه بنك إسرائيل المركزي تبين أن عدد ساعات التعليم التي يتلقاها الطالب الفلسطيني 42 ساعة خلال الأسبوع، بينما يتلقى الطالب اليهودي 72 ساعة.

تسلل التمييز والعنصرية إلى الجهاز القضائي الإسرائيلي بحيث إن المحاكم والنيابة العامة تتعاطى مع المتهمين والمدانين حسب دينهم وعرقهم

في الوقت ذاته، فإن الحكومة الإسرائيلية توفر الأرضية التي تسمح بتواصل الاعتداءات وعمليات التنكيل التي يقوم بها المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين، والتي تتضمن حرق المساجد، وإتلاف المحاصيل الزراعية واقتلاع الأشجار وتسميم آبار المياه الارتوازية. فقد أقر جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية "الشاباك" بأن البنية القانونية لا تسمح له بالتحقيق بشكل ناجع مع عناصر التنظيمات الإرهابية اليهودية المسؤولين عن هذه الأعمال، مع أن أغلبهم أصبح معروفًا لدى "الشاباك".

وقد عبر أحد عناصر التنظيمات الإرهابية اليهودية حين اتهم بالتخطيط لتدمير المسجد الأقصى أبلغ تعبير عن دور البيئة القانونية والأمنية في ضمان تواصل العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين.

فقد رد هذا الإرهابي عندما سأله الصحفيون حول أساليب الضغط التي تعرض لها خلال التحقيق معه، قائلاً "إن أكثر الممارسات قسوة التي تعرضت لها خلال التحقيق حقيقة أنهم أجبروني على قراءة صحيفة هآرتس الليبرالية". هذا في الوقت الذي يتعرض فيه الأسرى الفلسطينيون لأبشع ممارسات التعذيب أثناء احتجازهم في أقبية التحقيق التابعة لـ"الشاباك".

الأحكام القضائية حسب دين المتهم
وقد تسلل التمييز والعنصرية إلى الجهاز القضائي الإسرائيلي، بحيث إن المحاكم والنيابة العامة تتعاطى مع المتهمين والمدانين حسب دينهم وعرقهم. ففي الوقت الذي لا تتردد فيه المحاكم الإسرائيلية في إنزال أشد العقوبات بالفلسطينيين حتى عندما يدانون بجنح هامشية، يتم التعامل بتسامح كبير إزاء الإرهابيين اليهود، حتى بعد أن تثبت إدانتهم بقضايا خطيرة.

فعلى سبيل المثال لا تتردد المحاكم العسكرية الإسرائيلية في إنزال الحكم بالسجن خمس سنوات على الأقل على كل فلسطيني يدان بإلقاء الحجارة، في حين أن المحاكم ذاتها تفرج عن المستوطنين المتهمين بإطلاق النار بغرض القتل على الفلسطينيين. فقد أمرت قاضية إسرائيلية مؤخرًا بإطلاق سراح مستوطن اتهم أكثر من مرة بإطلاق النار على فلسطينيين في الخليل.

ليس من المفاجئ أن تتصرف جميع المؤسسات العامة والمرافق الخاصة في الكيان الصهيوني بهذه الروح العنصرية، فترفض البنوك الإسرائيلية في المدن اليهودية فتح حسابات لفلسطينيي 48

وقد جاهر أفيحاي مندليت المدعي العام العسكري السابق بالقول إنه لا يجب تشكيل لجنة تحقيق عندما يقتل الجيش الإسرائيلي أطفالاً فلسطينيين، وقد أضفى مندليت نفسه صبغة قانونية على كل جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدوانها على قطاع غزة أواخر عام 2008.

في ظل هذا الواقع ليس من المفاجئ أن تتصرف جميع المؤسسات العامة والمرافق الخاصة في الكيان الصهيوني بهذه الروح العنصرية، فترفض البنوك الإسرائيلية في المدن اليهودية فتح حسابات لفلسطينيي 48.

وليس من المفاجئ كذلك أن ترفض المجالس البلدية في المدن المختلطة التي يقطنها اليهود والفلسطينيون بناء مدارس خاصة بالفلسطينيين، كما أقدمت على ذلك بلدية مدينة "الناصر العليا"، التي يبلغ الفلسطينيون أكثر من ربع سكانها.

في أية دولة في العالم لا تجرؤ مدن على اتخاذ قرارات بحرمان جزء من "مواطني" هذه الدولة من الإقامة فيها، كما فعلت ذلك مدن "إيلات وبني براك وصفد" وغيرها، التي قررت منع الفلسطينيين من تملك أو استئجار شقق سكنية فيها.

إن غض المجتمع الدولي الطرف عن الممارسات العنصرية في الكيان الصهيوني يشي بمدى نفاق وازدواجية المعايير التي تحكم هذا العالم، الذي لا يتردد في تشويه صورة العالمين العربي والإسلامي بدعوى التمييز ضد الأقليات.

إن ما تقدم يوجب على العرب بذل جهد أكبر في فضح الممارسات العنصرية ضد الفلسطينيين التي يعكف عليها الكيان الصهيوني، لنزع الشرعية الدولية عنه ولتقليص هامش المناورة أمام القوى الدولية التي تعينه على مواصلة هذا السلوك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.