30 يونيو.. يوم عادي أم حاسم؟

العنوان: 30 يونيو.. يوم عادي أم يوم حاسم؟ - الكاتب: نبيل الفولي

undefined

الأيديولوجيا تعيد تشكيل المشهد الثوري
عادي أم حاسم؟

أحسب أننا لن نختلف على أن الثورة المصرية قد أنجزت إنجازا كبيرا حين خلعت الرئيس السابق حسني مبارك بعد ثمانية عشر يوما فقط من بدئها، إلا أننا قد نختلف في اعتبار أن هذه الثورة ما زالت قائمة تخوض حروبا متتابعة لمنع النظام السابق من العودة تحت أي غطاء، أو أنها انتهت ودخلت مصر بعدها في مرحلة أخرى هي مرحلة الصراع بين الثوار أنفسهم للحصول على نصيب أوفر من الكعكة السياسية أو المحافظة على ما في يدهم منها.

الأيديولوجيا تعيد تشكيل المشهد الثوري
والذي أراه –دون مصادرة على أي رأي آخر- هو أن ما يجري إلى الآن من أحداث كبيرة في مصر هو فصول متتابعة من كتاب الثورة المصرية التي تحاول التخلص من تركة الرئيس السابق الثقيلة كلها، وإن كان الفسطاطان اللذان كانا قائمين في الفصول الأولى للثورة قد تغيرت مكوناتهما، وخرج بعض الثوار من أحدهما وانتمى إلى الآخر، وشارك في الثورة -في هذا الجانب أو ذاك- من لم يكن من أبنائها من قبل، وأعادت الأيديولوجيا تشكيل المواقف، وتقسيم الانتماءات السياسية.

الفسطاطان اللذان كانا قائمين في الفصول الأولى للثورة قد تغيرت مكوناتهما، وأعادت الأيديولوجيا تشكيل المواقف، وتقسيم الانتماءات السياسية

لقد انعقد تحالف لا ينكر وجوده أحد بين بعض الثوار -الكبار والشباب على السواء- وبقايا الدولة القديمة، ولن نستدعي هنا تصريح الدكتور البرادعي الشهير في هذا الخصوص، ولكن من داخل مصر نراجع مؤاخذات مرشحي الرئاسة السابقين والمعارضين لحكم الدكتور مرسي بقوة، فنجد أن خالد علي وعبد المنعم أبو الفتوح انتقدا الجبهة لاحتوائها على بعض فلول النظام السابق. بل إن بعض أعضاء حزب الدستور والتيار الشعبي المصري  وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي -وهي من مكونات جبهة الإنقاذ المهمة- انتقدوا الجبهة لأنها -كما قالوا- تضم أتباعا للنظام السابق.

ولم تخف صحيفة الدستور -المناوئة للنظام المصري الحالي بشراسة، في حديثها عن ما يتوقع من أحداث الثلاثين من يونيو- حقيقة أن "مشاركة أنصار نظام مبارك والمعروفين محليًا بـ"الفلول" (تبقى) أمرًا محتومًا". وقد لا يعني هذا بالضرورة أن الفريقين متحالفان، وإن اتفقا في هدف واحد، إلا أن رؤوس الجبهة الكبيرة ليسوا رجال أعمال حتى ينفقوا هذه النفقات الهائلة للتحضير ليوم كيوم الثلاثين من الشهر الجاري، وليسوا من الغنى بحيث يمكنهم التأثير في معظم القنوات الفضائية المصرية الخاصة حتى تقف ضد الرئيس بشراسة وعناد، وليس في عضوية أحزابها من الأعداد ما يسمح لها بالحشد الواسع للناس، وكذلك ليس في أعضائها متدربون على أعمال العنف البالغ التي تقع من آن إلى آخر في القاهرة وغيرها من المحافظات والمدن المصرية.

إن الذي يملك القدرة على استخدام العنف البالغ في مصر بالصورة التي رأيناها في مناسبات عديدة عند قصر الاتحادية وفي ميدان التحرير وفي الميادين الكبرى لمحافظات مصرية أخرى، هم أناس لهم خبرة ومعرفة بقاع المجتمع المصري وقمته، ولهم دراية بكيفية تجميع الكوادر الخطرة وتوظيفها، والجمع بين الجريمة والمال في تزاوج يسعى إلى هدف تحولي في الوضع المصري الحالي، حتى تعود الأمور إلى القبضة القديمة التي كانت تدير مصر في قاعها قبل قمتها، وفي اقتصادها واجتماعها قبل سياستها.

وحتى لا نهرب من الحقائق هروبا يقدم الرؤية منقوصة، فلا بد من تأكيد أن الأيديولوجيا والدين -بالإضافة إلى مطامع العودة السابقة- حاضران بقوة في الخلاف السياسي والاجتماعي المصري القائم، فجبهة الإنقاذ جبهة علمانية ناصرية اشتراكية ليبرالية -حسب الأطياف السياسية التي تضمها- مع تأييد قبطي قوي اعترفت به صحيفة الدستور أيضًا في تقرير لها تحت عنوان "من هم المتمردون على حكم مرسي في 30 يونيو؟".

إن دولة مبارك الذاهبة ما زالت تتقيأ مكوناتها، وتخرج ما في أعمق أعماقها، فتفيد وتضر، تفيد في أنها تنكشف وتظهر للعيان بعد أن كانت قوى كامنة مجهولة غير معروفة القدرة، وتضر في أنها تعوق المسيرة المصرية الحالية، وتكسو وجه مصر بالدماء بعد أن عبرت فصل ثورتها الأول والأخطر -فيما يُعتَقَد- بمستوى مثالي من تجنب إراقة الدماء.

ولولا هذه المساعي الدؤوبة من أركان الدولة السابقة (الإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية والأمنية) للعودة إلى الماضي، لما كان أمام أركان العمل السياسي في مصر إلا أن يلجؤوا إلى التفاوض والحوار، ويبحثوا عن رصيد في الشارع الذي عليه المعوَّل في اختيار القيادة السياسية والتشريعية للبلاد.

وجد فلول النظام السابق في المعارضة السياسية غطاء ناعما لممارساتها وخططها، في حين وجدت المعارضة في هذه الفلول عاملا حاسما في ترجمة الخلاف مع النظام إلى حركة عنيفة في الشارع

لقد وجد فلول النظام السابق في المعارضة السياسية -خاصة جبهة الإنقاذ الوطني للأسف الشديد- غطاء ناعما لممارساتها وخططها، في حين وجدت المعارضة في هذه الفلول عاملا حاسما في ترجمة الخلاف مع النظام إلى حركة عنيفة في الشارع، بغية التأكيد على أن الشارع معها في مواقفها من النظام الحاكم.

إنها الأيديولوجيا، فرقت أبناء الثورة الواحدة، وبدّلت عناصر المواجهة حتى اختلفت بالكلية عما كان قائما في يناير وفبراير 2011، بل عما كان واقعا بيِّناً في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة في يونيو عام 2012 حين تداعى كثير من أبناء الثورة للحيلولة دون فوز الفريق أحمد شفيق الذي توقعوا أن يجر معه الدولة إلى ما وراء الماوراء الذي جاءت الثورة لمحوه.

عادي أم حاسم؟
ولأن الإرهاصات حول يوم الثلاثين من يونيو الجاري كثيرة، ومحاولة التنبؤ بما سيجري فيه عديدة، فنحن مضطرون -وفقا للرؤية التي أقدمها- إلى أن نعده فصلا من فصول الثورة المصرية التي شهدها العقد الثاني في هذا القرن، نظرا لما يرتبط به من تطور متوقع للحالة المصرية في حال فشَل المتظاهرين يومئذ في تحقيق أهدافهم وفي حال نجاحهم على السواء.

ولن نشغل أنفسنا هنا بتوقع ما سيجري في هذا اليوم، فقد قامت بهذا الواجب أقلام وألسنة ملأت الصحف والفضائيات، وستبقى تملؤها بهذا الموضوع حتى يأتي اليوم المرتقب، ولكن فقط أشغل القارئ هنا بالسؤال السابق: هل سيكون يوم الثلاثين من يونيو يوما عاديا أو حاسما؟ ومن الذي يمكن أن يحصد نتيجة الحسم فيه؟

وللإجابة عن هذا، يجب أن نذكر أن مستوى العنف ليس هو المقياس الوحيد للحسم، فقد مرت بالثورة المصرية أحداث بلغت مستوى قياسيا من العنف، إلا أنها لم تؤثر كثيرا في أرض الواقع، كأحداث العباسية ومحاولة اقتحام وزارة الدفاع، وأحداث ماسبيرو. إن أدوات الحسم كثيرة ومتنوعة، ومنها: القوة أو العنف المبرمج المنظم، والقرار السياسي القوي، والإعلام الموجه بإتقان، والقرار التشريعي الحاسم.

إن أطرافا في النظام القائم وأنصاره يتمنون أن يكون يوم الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 يوما عاديا، حتى خرج بعضهم بتصريح يصف ما سيجري فيه بأنه "تظاهرة عادية يضخمها الإعلام"، ومهما كان في هذه العبارة من محاولة لطمأنة الخائفين، فإنه لا يبدو أبدا أنه سيكون تظاهرة عادية -كما وُصف- وتنبئ عن ذلك مظاهر التجييش الهائلة التي تصاحب الدعاية لهذا اليوم، مع ما يتسرب من أنباء الاجتماعات السرية، وما يُضبَط من سلاح متنوع المستوى في هذه الجهة أو تلك، وما يجري من أعمال عنف واسع في بعض المحافظات.

ما يريده الدعاة لهذا اليوم هو أن يكون يوما حاسما لصالحهم، وهذه هي إستراتيجيتهم الثابتة، ولعلهم لم يتفقوا على شيء إلا هذه النقطة، إما بأن يخلعوا الرئيس مباشرة، وإما بأن ينتزعوا منه موافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي المقابل ليس عندنا شاهد على أن الطرف الآخر -أعني الرئيس وأنصاره- فكروا في أن يكون اليوم حاسما لصالحهم هم، مع أن أدوات الحسم للوضع المضطرب في مصر يبدو أكثرها في يد النظام الحاكم، وليس في يد المعارضة وحلفائها.

تجهيز حزمة من القرارات السياسية والتشريعية الخاصة بالإعلام والقضاء، وتسخير النوافذ الإعلامية الحكومية للدعوة للسلم الأهلي, هي وسائل خطيرة لحسم الوضع في مصر في اتجاه الاستقرار

إن ضبط وتيرة العنف عن طريق تأمين المواطنين والمنشآت بالجيش والشرطة معا، والمواجهة الحاسمة لأي عنف، وتجهيز حزمة من القرارات السياسية والتشريعية الخاصة بالإعلام والقضاء، وتسخير النوافذ الإعلامية الحكومية للدعوة للسلم الأهلي والقضاء على الفتنة والحفاظ على الشرعية هي وسائل خطيرة لحسم الوضع في مصر في اتجاه الاستقرار.

وإن كانت هذه الفقرة كافية لإنهاء هذه السطور، فأراني مدفوعا للحديث عن (البلطجية)، وهم أداة خطيرة في المواجهات الدموية التي جرت وتجري في كثير من أنحاء مصر منذ الإطاحة بمبارك، فقد اختطف النظام السابق هذه الشريحة من الناس بعد الثورة، ووظفهم في مخططاته الشريرة، مع أنه هو الذي صنع مأساتهم، وسامهم العذاب في محالّ إقامتهم وداخل السجون، وطاردهم حتى صنع من أزماتهم مآسي تتجاوز أعدادهم.

والدولة المصرية أحوج ما تكون الآن إلى استرداد هؤلاء (المواطنين) -خاصة أجيالهم الجديدة التي لم تتوغل في عالم الجريمة بعد- في إطار مشروع اجتماعي يراعي ظروف نشأتهم، وينظر في طريقة لاستصلاحهم وتأهيلهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.