الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة.. تحالف العاجز والمغامر

الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة.. تحالف العاجز والمغامر - علي بدوان

 undefined

الخروج من ابتزاز الأحزاب التوراتية
قانون "يهودية الدولة"
حكومة فضفاضة ومعوّمة
التركيز على القضايا الداخلية

تُعتبر الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو خليطاً مُحيّراً، فلا هي بعضويتها وشخوص وزرائها حكومة يمين صافية تماماً، فقد غابت عنها مجموعة أحزاب اليمين التوراتي الميثولوجي السفاردية والإشكنازية، ولا هي حكومة "يسار صهيوني" مُفترض مع غياب أحزاب العمل وكتلة ميرتس وحتى مع غياب الأحزاب العربية، ولا هي حكومة وحدة وطنية بائتلاف عريض للأحزاب الكبرى في "إسرائيل".

بل هي بالضبط حكومة توافق مصالح ذاتية وحزبية لنُخب "إسرائيلية"، وحكومة تقاطع كُتَلٍ حزبية في مواجهة كُتَل مقابلة ومنافسة، لكنها تبقى بكل الحالات وزارة مصطبغة بلون يميني قومي عقائدي لا وجود لليمين التوراتي الميثولوجي فيها. فكيف جاءت هذه الولادة لهذه الحكومة العجيبة في تاريخ الدولة العبرية الصهيونية، والتي تضم رموزاً من يمين الوسط، ومن عتاة الصهاينة والمتطرفين، ومعهم كتلة مؤثرة من قوة ليبرالية صاعدة من وسط الإنتلجنسيا "الإسرائيلية" هي كتلة حزب "يش عتيد" بالعبرية أو "يوجد مستقبل" بالعربية الموزعة على يمين وسط ويسار وسط؟!

الخروج من ابتزاز الأحزاب التوراتية
في حقيقة الوضع الداخلي "الإسرائيلي" جاءت ولادة الحكومة الجديدة الثالثة والثلاثين في تاريخ الدولة العبرية، بعد عملية "شد واسترخاء" استغرقت زمناً طويلاً نسبياً امتد لستة أسابيع متتالية منذ انتهاء جولة الانتخابات البرلمانية للكنيست التاسع عشر، وبنتائجها التي قَلَبَت الكثير من التوقعات والتقديرات التي سادت قبيل إجرائها.

بذل نتنياهو جهوداً استثنائية للخروج بوزارته الجديدة إلى النور بعد جملة من الاستعصاءات التي لا علاقة لها بالسياسة أو الاقتصاد بمقدار ما لها علاقة بروح المناكفات الحزبية والتصفيات السياسية

فقد بذل نتنياهو جهوداً استثنائية للخروج بوزارته الجديدة إلى النور بعد جملة من الاستعصاءات التي اصطدم بها، وهي استعصاءات لا علاقة لها ببرنامج سياسي مُقتَرح للحكومة الجديدة، ولا ببرنامج اقتصادي داخلي، بمقدار ما لها علاقة بروح المناكفات الحزبية والتصفيات السياسية داخل الدولة العبرية بين مختلف الكتل الحزبية وعموم قادتها السياسيين وطلبات التوزير والاستحواذ على وزارات بعينها، ورغبة نتنياهو بالخروج من ابتزاز الأحزاب الدينية الصغيرة، ومنها الأحزاب التوراتية الميثولوجية، التي كانت على الدوام خلال العقدين الأخيرين (بيضة القبان) في ميزان الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة ومنها وزارتان قادهما بنيامين نتنياهو.

فالحكومة "الإسرائيلية" الجديدة قائمة على كتلة ائتلافية أو (سيبه مُتعددة الحوامل) مُشكّلة من 68 نائباً من أصل 120 نائباً يمثلون كامل عضوية البرلمان (الكنيست) "الإسرائيلي" وبالتحديد وفق التالي: 31 قائمة الليكود-بيتنا + 19 قائمة يوجد مستقبل + 12 قائمة البيت اليهودي + 6 قائمة الحركة، وهي كتلة مريحة لجهة العدد الضامن لاستقرارها النسبي (ونُشددّ على كلمة النسبي) من حيث المبدأ حال افتراض خروج بعض الأعضاء بشكل انفرادي من ائتلافها ومن أحزابهم.

قانون "يهودية الدولة"
وكما أوردنا أعلاه، إن اللقاء الذي جمع نتنياهو وليبرمان ويائير لابيد ونفتالي بينيت وتسبي ليفني تم على مساحة من تلاقي المصالح الضيقة المباشرة في مسار المناكفات والصراعات الحزبية في الدولة العبرية، وليس على مساحة من التلاقي في العمل البرنامجي السياسي والاقتصادي ولقضايا الداخل "الإسرائيلي"، وإن كانت تلك القوى والأحزاب قد اتفقت على تقاسم الوزارات بطريقة تم فيها سيادة منطق الترضيات في التوزير بين كتلها الحزبية حيث ذهبت معظم الوزارات السيادية لكتلة الليكود-بيتنا، ومع التوافق في السعي لتمرير قانون خطير جداً هو قانون "يهودية الدولة"، وهو قانون عنصري بامتياز ويصيب بالصميم أصحاب الوطن الأصليين ممن تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني داخل حدود العام 1948، كما يصيب حق العودة وعموم الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1967 وفي الشتات، وقد شكّل هذا الموضوع مثار جدل واسع منذ الفترات الماضية، وقد انعكس حتى على مسار عملية التسوية في ظل المطالب "الإسرائيلية" للطرف الفلسطيني بالاعتراف بيهودية دولة "إسرائيل".

إن حكومة نتنياهو الجديدة تشكل الآن اصطفافا ملفتا للانتباه في تاريخ حكومات الدولة العبرية الصهيونية، فهي قائمة على تحالف الليكود/نتنياهو وإسرائيل بيتنا/ليبرمان والبيت اليهودي/نفتالي بينيت، الذي يُمثّل تيار اليمين القومي العقائدي الصهيوني في "إسرائيل" مع غياب اليمين واليمين المتطرف التوراتي، مع حزب يوجد مستقبل/يش عتيد الذي يُمثّل بدوره قوة ليبرالية (يمين وسط)، فيما تُمثّل الوزيرة السابقة تسيبي ليفني وحزبها الحركة المنشق عن حزب الجنرال شاؤول موفاز وحزب كاديما/إلى الأمام (يسار وسط) في الخريطة السياسية "الإسرائيلية".

وعليه، فتلك الحكومة، وبخليطها، ليست في جوهرها سوى ائتلاف تطفو عليه صفة الائتلاف العنصري اليميني من اليمين القومي الفاشي في الدولة العبرية الصهيونية ومعها "رشّات أو خلطات من السُكّر الليبرالي" من خلال حزبي "يوجد مستقبل" والحركة.

الحكومة الجديدة ليست في جوهرها سوى ائتلاف تطفو عليه صفة الائتلاف العنصري اليميني ومعها رشّات أو خلطات من السُكّر الليبرالي

فهي حكومة تضم في طياتها وزراء الاستيطان ومنهم المستوطن أفيغدور ليبرمان رمز التطرف القومي اليميني العقائدي، ووزراء من عتاة الليكود بعد أن تم استبعاد العقلانيين نسبياً من تركيبته القيادية في وقت سابق، وهم من يعرفون بـ"أمراء الليكود"، مثل داني ميردور وبيني بيغن وغيرهما، الذين انزاحوا في سنواتهم الأخيرة وانتقلوا من مواقع اليمين المتطرف نحو يمين الوسط، ووضِعَ مكانهم وزراء من المستوطنين الفاشيين، ومن عتاة جنرالات الأمن والعسكر السابقين، ومنهم الجنرال موشيه يعلون الذي تبوأ موقع وزير الحرب بعد أن أمضى فترات مديدة من حياته المهنية في العمل ضمن أجهزة وأذرع الأمن في "إسرائيل" وله تاريخ مديد في هذا المضمار، وقد بات الآن إضافة لموقعه الوزاري في الحكومة الجديدة عضواً في مجلس الوزراء "الإسرائيلي" المُصغّر (الكابينيت)، وهو المجلس المسؤول عن اتخاذ قرارات الحرب والسلم وغيرهما من القرارات ذات البعد الإستراتيجي.

حكومة فضفاضة ومعوّمة
وبالنتيجة، إن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، الذي قاد حكومتين في الماضي، يقود الآن حكومة يمين قومي عقائدي بثوب مُزركش، ويتوقع له أن يواصل طريق التسويف والمراوغة والمناورة السياسية إزاء العملية السياسية في المنطقة، حاملاً لواء الاستيطان والتهويد في الأراضي الفلسطينية.

فحكومة نتنياهو وعلى ضوء تركيبتها ستواصل مخططات هدم البيوت العربية في عموم الضفة الغربية والقدس بدعوى أنها غير مرخصة، وستواصل مشاريع الاقتلاع ومصادرة الأرض العربية حتى داخل حدود العام 1948 وخاصة في منطقة النقب.

فالحكومة "الإسرائيلية" الجديدة  ومن خلال حيثياتها وتركيبتها اختارت المستوطنات بدلاً  من التسوية، ولم يكن الخطاب السياسي الأول لرئيسها بعد أداء اليمين القانوني سوى استنساخ لخطاب سياسي متقادم.

فالحكومة "الإسرائيلية" الجديدة، وهي الحكومة الثالثة التي يقودها بنيامين نتنياهو خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، هي حكومة ذات ملامح يمينية واضحة، تخدم بشكل خاص مصالح النخب والمزاوجة بين منهجية "العاجز والمغامر"، العاجز بنيامين نتنياهو (حبيس اليمين وسليل سياساته) والمغامر أفيغدور ليبرمان على حد تعبير بعض المعلقين السياسيين وصحيفة معاريف "الإسرائيلية" في عددها الصادر قبل أيام.

وعليه، نحن الآن أمام حكومة "إسرائيلية" فضفاضة ومعوّمة، منسجمة ظاهرياً، لكنها غير قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة، وستكون أيضاً حكومة في مسار اللاقرار في "إسرائيل" بالنسبة للقضايا السياسية التي تتطلب اتخاذ قرارات ومواقف جادة وملموسة.

وبحسب محللين "إسرائيليين" يُرجَح أن تغيب عنها روح التعاون بين أركانها، مع فقدانها للأحزاب التاريخية (إلا الليكود)، ويتوقع لها أن تعيش حالة من الضبابية في المنهج الاقتصادي التوفيقي بين الأحزاب المتحالفة، فضلاً عن فقدان الإجابة على طبيعة التحرك المقبل في الملفات المعقدة كالملف الفلسطيني والملف النووي الإيراني، وبالتالي ليس لها من قدرة على اتخاذ قرارات حاسمة أو على الأقل قرارات ذات شأن فيما يخص مسار العملية السياسية مع الفلسطينيين على وجه الخصوص مع اهتمامها الشكلي بخطاب سياسي تفاوضي للتخفيف من أي انتقاد دولي قد يصدر بشأن العملية السياسية وتجنباً لتحميل "إسرائيل" مسؤولية انسداد مسارها.

التركيز على القضايا الداخلية
ومن جانب آخر، يُرجّح لهذه الحكومة أن تركز على القضايا "الإسرائيلية" الداخلية البحتة، خصوصاً مع وجود تراكمات كبيرة في الملفات الداخلية "الإسرائيلية" المتعلقة بالاقتصاد والرفاه الاجتماعي، إذ تشير المعطيات "الإسرائيلية" المنشورة على صفحات الصحف العبرية أن أكثر من 60% من الشباب لا يكفيهم معاشهم حسب الإحصائيات "الإسرائيلية" ذاتها، وهو ما قد يدفع لولادة حركات الاحتجاج الاجتماعي في "إسرائيل" من جديد والتي قد تتجاوز سقف المطالب الاجتماعية باتجاه سقوف سياسية ولو بعد حين من الزمن.

من المتوقع لحكومة نتنياهو الثالثة أن تنجح في تمرير قانون "الدولة اليهودية" الذي شكل جزءاً أساسياً من الاتفاق الائتلافي بين أحزابها

كما يتوقع لتلك الحكومة أن تنجح في تمرير قانون "الدولة اليهودية" الذي شكل جزءاً أساسياً من الاتفاق الائتلافي بين أحزابها، وينص على أن تعمل الحكومة الجديدة على سن قانون "الدولة اليهودية" الذي ينص على أن "إسرائيل" هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وينص مشروع قانون "الدولة اليهودية"، كما يُعرف باسمه المختصر، على أنه "عندما تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية في قضية يوجد تناقض فيها بين المبادئ الديمقراطية والطابع اليهودي للدولة، فإن على المحكمة أن تحسم في القضية بموجب يهودية الدولة".

وخلاصة القول، نحن أمام حكومة "إسرائيلية" يمينية الطابع والجوهر والمضمون، ولن تكونَ قادرة على شق طريقها السياسي، ويقدر لها أن تكون عاجزة عن تقديم إجابات سياسية لما هو مطروح من قضايا وملفات إقليمية وفي القلب منها القضية الفلسطينية، ويتوقع على ضوء ذلك احتمال الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة في "إسرائيل" ولو بعد حين، وقد لا يكون زمنها ببعيد، فالحياة السياسية "الإسرائيلية" حبلى بالمتغيرات والتقلبات، بما فيها المتغيرات والتقلبات غير المتوقعة أو غير المحسوبة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.