نجيب ساويرس وأعراض خسارة الرهان الثاني

نجيب ساويرس وأعراض خسارة الرهان الثاني . الكاتب :حاتم عزام

undefined

تخطت التصريحات الأخيرة لنجيب ساويرس كل الخطوط الحمراء، ويجب ألا نأخذها مأخذ الهزل، وينبغي الرد عليها وتفنيدها، والرد عليها هنا سيكون من ناحيتي الشكل والموضوع، وسيكون موثقا بالشواهد والدلائل.

أما من ناحية الشكل فإن تصريحاته غير مقبولة، لأنه لا يحق له ابتداء الحديث باسم الثورة وارتداء ثوبها.. لماذا؟ لأنه لا تهمه الثورة ولم ينتمِ يوما إليها، وإنما يهمه فقط الحفاظ على إمبراطوريته المالية التي انتعشت وانتشت في عهود فساد مبارك السياسي، ولولاها ما كان.

هل نجيب ساويرس ماهر اقتصاديا؟ بالطبع نعم، ولا يستطيع أحد إنكار ذلك، لكن ما لا ينكر أيضا أنه كان جزءا من تحالف السلطة والثروة الذي أسسه نظام مبارك، وتمتع بامتيازات ومحسوبيات بفضل قربه من المتحكمين في مفاصل الدولة، وتمكن بفضل هذه العلاقة اللصيقة بمبارك وأسرته من أن يوسع نفوذه المالي والاقتصادي ويبني إمبراطوريته الاقتصادية بشكل كبير.

هل نجيب ساويرس ماهر اقتصاديا؟ بالطبع نعم، ولكن ما لا ينكر أيضا أنه كان جزءا من تحالف السلطة والثروة الذي أسسه نظام مبارك، وتمتع بامتيازات ومحسوبيات بفضل قربه من المتحكمين في مفاصل الدولة

صحيح أن له قدرات إدارية كرجل أعمال ناجح، إلا أنه لم يكن ليؤسس هذه الإمبراطورية إلا بانتفاعه من الفساد السياسي لنظام مبارك، وكان يدفع ثمن هذا الانتفاع متمثلا في تقديم الغطاء الدولي لدعم نظام مبارك، وكان يمارس هذا الدور في المحافل الدولية كلما سنحت الفرصة.

إحدى الدلائل البسيطة على خطاب ساويرس الداعم لنظام مبارك في المحافل الدولية تتجلى في لقاء له مع قناة أميركية مع المذيع شارلي روز، حيث قال بالحرف "أدعم مبارك لأنه يفعل دائما الصواب لمصر، وله علاقات جيدة بإسرائيل ودعم الحرب الأميركية على العراق".

إذا هو يتحدث مع الأميركيين عن مبارك بما يحبوا أن يسمعوه ليرضوا عنه، علاقات ممتازة مع إسرائيل ودعم للغزو الأميركي للعراق.

وحينما انطلقت ثورة يناير 2011 أصبح النظام السياسي الفاسد لمبارك مهددا، وبما أن ساويرس يلتصق التصاقا شديدا بهذا النظام واستثمر فيه كثيرا محققا نماء وازدهارا لإمبراطوريته الاقتصادية، فقد وقف ضد الثورة بكل جهده وسخّر طاقات مؤسساته الخدمية والإعلامية لمساندة مبارك، وحاول بكل ما يملك إفشال الثورة وعدم تحقيق أهدافها، لأن ضياع مبارك وأبنائه ونظامه يعني ضياع العديد من المميزات المباشرة لأعماله.

لن ينسى كل من شارك في ثورة يناير كيف تواطأ ساويرس ضد الثورة المصرية حينما قطعت شركة الهاتف المحمول المملوكة له "موبينيل" الاتصالات عن كل عملائها يوم "جمعة الغضب" في ٢٨ يناير/كانون الثاني 2011 في محاولة لإفشال تظاهرات هذا اليوم المفصلي من أيام الثورة المصرية، وهو إجراء لم يكن ليحدث من دون موافقة مسؤولي الشركة.

لم تقف جهوده عند هذا الحد، بل سعى لتوجيه الرأي العام المصري من خلال قنواته الفضائية وصحفه وظهوره الشخصي إعلاميا للقضاء على الثورة في مهدها، فبكى نجيب ساويرس نظام مبارك، وحاول إبقاءه، وقال مقولتيه الشهيرتين "الشباب في الميدان لا يعبرون عن الشعب المصري"، و"أدعم استكمال مبارك فترته الرئاسية"، بل وصل به الحد إلى أن تظاهر مؤيدا له ولبقائه، وله لقاءات مسجلة على فضائيات "المحور وBBC وOnTV" بهذه المعاني والأهداف تحديدا دون مبالغة.

فشل رهان ساويرس للقضاء على الثورة في مهدها، وفشلت مساعيه في إجهاض الثورة مبكرا، فما كان منه إلا أن يركبها، عملا بمبدأ تجاري شهير "إذا لم تستطع أن تهزمه فاشترِه".

وفجأة أصبح من الثوار! ويتحدث في الفضائيات نفسها عن ظلم تعرض له في عهد مبارك، وأصبح داعما للشباب الذين كان يراهم مرتبطين بالخارج لتنفيذ أجندات، وفتح لبعضهم قنواته وأغدق عليهم الأموال.

أسس حزبا سياسيا (استثمار مباشر) ودعم العديد من الأحزاب الأخرى (استثمار غير مباشر)، وتأتي الانتخابات الرئاسية فنجده يدعم ويستثمر في أحمد شفيق رمز النظام السابق الذي يعرف جيدا كيف يتعامل معه لتنمية إمبراطوريته الاقتصادية، لكن العملية الديمقراطية أتت بما لا تشتهيه سفن إمبراطوريته، ففشل شفيق ونجح الرئيس محمد مرسي، وهنا كانت بداية تغيير الإستراتيجية.. من ركوب الثورة إلى الانقضاض عليها.

طفت على السطح بعد بدء فتح الملفات في عهد مرسي أكبر قضية تهرب ضريبي عرفتها الدولة المصرية قامت بها مجموعة ساويرس الاقتصادية من خلال تحايل لتفادي دفع ١٢ مليار جنيه ضرائب مستحقة للدولة

والحقيقة أن لمخططات نجيب ساويرس وجاهة تبرر هذه الإستراتيجية الجديدة، فهو ببساطة لن يستطيع الاستفادة اقتصاديا من هذا النظام السياسي الجديد بقيادة مرسي كما كان يفعل في عهد مبارك.

وبالفعل، بدا ذلك واضحا عندما بدأت الملفات التي كانت مغلقة بأمر نظام مبارك، تفتح بأمر النظام الديمقراطي المنتخب الجديد، وطفا على السطح منها أكبر قضية تهرب ضريبي عرفتها الدولة المصرية والتي قامت بها مجموعة ساويرس الاقتصادية من خلال تحايل على القانون لتفادي دفع ١٢ مليار جنيه ضرائب مستحقة للدولة المصرية.

أجبر نجيب ساويرس على التفاوض مع مصلحة الضرائب المصرية، فبعد أن رفض سداد أي مبلغ رفعت مصلحة الضرائب دعوى قضائية تتهمه بالتهرب الضريبي وإخفاء أرباح بلغت ٦٨ مليار جنيه في صفقة بيع شركة "أوراسكوم".

عرض ساويرس سداد 4.7 مليارات جنيه فقط، رفعها بعد ذلك إلى ستة مليارات، بينما أصرت الضرائب على أن يسدد ١٤ مليارا، فرفع عرضه إلى سبعة مليارات، وانتهى التفاوض باتفاق على أن يسدد 7.2 مليارات جنيه فقط، على أن يدفع منها 2،5 مليار جنيه (كاش) للخزانة العامة للدولة، وتعهد بسداد الباقي على عامين بشيكات بداية من يونيو/حزيران ٢٠١٤.

أدرك ساويرس أثناء هذه الفترة أنه إزاء عهد سياسي جديد نزيه غير سابقه، سيكون فيه مطالبا بسداد حقوق الدولة وتنتهي فيه أسطورة الربح السهل المبالغ فيه والتي عاش فيها ملتصقا بدولة فساد مبارك، وأصبح لأول مرة مدينا بمليارات للدولة بعدما تعود أن يأخذ منها بغير حساب.

كانت هذه لحظات فارقة، أدرك فيها أنه لا بأس من الاستثمار في الانقلاب الذي يمكن أن يعيد الدولة الفاسدة بالمفهوم الذي عرفه واعتاد التعامل به، إذ لا بأس من استثمار مئات الملايين من الجنيهات للحفاظ على مليارات المستقبل، وهذا ما فعله حين موّل ودعم حركة تمرد ماليا بحسب تصريحاته هو شخصيا لصحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 10/7/2013.

أضف إلى هذا دعمه وتمويله جبهة الإنقاذ التي قادت مظاهرات طوال العام الأول لحكم الرئيس محمد مرسي، والتي شهدت عنفا ممنهجا من ميليشيات مقنعة بقناع أسود عرفت بـ"البلاك بلوك"، حملت فيه السلاح والخرطوش والمولوتوف، ولم يكشف حتى الآن النقاب عن العقل المدبر والممول لهذه الميليشيات، لكن الأيام المقبلة ستكشف هذا.

أما من ناحية الموضوع فإن تصريحات السيد ساويرس الأخيرة التي هدد فيها المجتمع المصري باستخدام العنف وحرض على السلم الأهلي تعني أنه بات يائسا بائسا، لا سيما بعد فشل الانقلاب أمام هذا الرفض الشعبي الجارف طوال الأشهر الخمسة الماضية، فقد قال في آخر تصريحات له على هذه الحشود والمظاهرات المتواصلة منذ الانقلاب "الشعب زهق وتعب، والكلام ده مش هيكمل، مش هانسيب أكل عيش الناس ومصيرهم في إيد 200/300 واحد، وإن كان الناس الموجودة دلوقت مش هتاخد الخطوة الجامدة خلاص OK إحنا ننزل كشعب إحنا قادرين ناخد ده، مش هما 300/400 واحد.. خلاص، إحنا سايبين الجيش والشرطة تعمل الدور ده وحدها، وده غلط برضه".

هذه التصريحات الهوجاء تبين أن استثماراته في الانقلاب أصبحت مهددة، وآماله بعودة النظام الفاسد الذي يجيد التعامل معه تتلاشى، لا سيما في ظل تزايد حالة الغضب الشعبي تجاه كل من مول وساهم في دعم الانقلاب مثله، مما يهدد مصالح شركاته الخدمية والإقبال عليها في حال انكسار الانقلاب نهائيا قريبا بإذن الله، لذا لم يتورع عن تهديد كل من يحاول كسر الانقلاب، حتى ولو هدد هو السلم المجتمعي وحرّض على العنف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وتبقى أسئلة موضوعية ينبغي توجيهها لنجيب ساويرس:
من أنت، ومن تمثل حينما تستخدم "إننا" تركنا الجيش والشرطة ولم نرد التدخل؟

وإن كان عدد المتظاهرين ثلاثمائة أو أربعمائة كما تدعي، فلماذا عجزت القوة العسكرية والقتل والاعتقال عن أن تخمد أصواتهم؟ أليست مقولتك هذه "إن المتظاهرين الموجودين في الشارع لا يعبرون عن المصريين" هي نفسها التي قلتها عن الثوار في الأيام الأولى للثورة في يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط ٢٠١١؟

وهل هناك علاقة بين ما صرحت به وبين أول ظهور جديد لـ"البلاك بلوك" أخيرا؟ هل تتصور ما هي العقوبة التي يعاقب عليها القانون -إذا احتُرم- في بلادنا على تلك التصريحات الهوجاء؟

ألا تعلم أنك تسكب الزيت على النار وتحرض على العنف والاحتراب الأهلي؟

الغريب هو حديث ساويرس بلهجة واثقة وكأنه صاحب القرار فوق مقدرات مصر من جيش وشرطة، وأن قراره نافذ بعد أن يتركهما يقومان بدورهما في إخماد صوت المصريين المطالبين بالحرية، فإن لم يستطيعا فله هو شأن آخر

ويبقى الأهم من الخطاب التحريضي لساويرس في هذا الوقت الحساس تلك اللهجة الواثقة التي يتحدث بها وكأنه صاحب القرار فوق مقدرات مصر من جيش وشرطة، وأن قراره نافذ بعد أن يتركهما يقومان بدورهما في إخماد صوت المصريين المطالبين بالحرية، فإن لم يستطيعا فله هو شأن آخر.

هل امتلك السيد ساويرس مصر ليتحدث هكذا؟ ثم ألم يكفِك يا ساويرس آلاف الشهداء من المصريين الذين قدّموا أرواحهم رخيصة حتى تتحرر مصر من الاستبداد والفساد من ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١١ إلى الآن.

أنصح ساويرس بأن يكون نجيبا ويبدأ بترتيب أحواله وتأهيل نفسه على أن الانقلاب زائل وأن الثورة ستنتصر لا محالة، وأقول له "إن رهانك الثاني على فشل الثورة وعودة نظام مبارك خاسر أيضا، فاجعل جل تركيزك في تسديد باقي المليارات السبعة المستحقة عليك لخزانة الدولة، لأن مصر تحتاج إليها يا نجيب".

وأخيرا يا ساويرس.. مرحبا بك رجل أعمال ناجحا تسهم في بناء مصر وتستثمر بها وتخلق فرص العمل للمصريين وتسدد حقها عليك في دولة تسودها الديمقراطية والقانون، ولا مرحبا بك وأنت تحرض ضد المصريين وتسعى مجددا لإخماد ثورتهم على نظام مبارك الفاسد الذي سعيت جاهدا لاستعادته.

لا مرحبا بك وأنت متهرب تنتفع بمليارات الشعب دون وجه حق وتنفق أموالك في محاولة يائسة لتعيد بلادنا إلى عصور الاستبداد والفساد لتنتفع أنت وأسرتك بمصالح ضيقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.