مخاطر تجنيد العرب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي

مخاطر تجنيد العرب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي - نبيل السهلي

undefined

ماذا وراء التجنيد
مسيحيو الخط الخضر
الفشل المحتوم لفكرة التجنيد

بعد فرض الخدمة العسكرية القسرية على الدروز والشركس في العام 1958، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا الإشراف بنفسه على مخطط لتجنيد المواطنين العرب المسيحيين في داخل الخط الخضر، وبالتحديد من طائفة الروم الأرثوذكس في الجيش الإسرائيلي، وذلك رغم الرفض المطلق من المؤسسات الوطنية العربية المسيحية في داخل الخط الأخضر لتلك الفكرة في الأساس.

واللافت أن مكتب نتنياهو أوعز بإقامة منتدى مشترك للحكومة وطائفة الروم الأرثوذكس بعد فترة وجيزة، بحيث يسعى المنتدى إلى انخراط أبناء الطائفة المسيحية في الجيش الإسرائيلي والخدمة المدنية ودمجهم في الحياة العامة.

وأشار بيان صادر عن مكتب نتنياهو إلى أن "هذا المنتدى سيعمل على دمج أبناء الطائفة المسيحية في إطار قانون المساواة في تحمّل الأعباء ومعالجة الأبعاد الإدارية والقانونية المطلوبة، والدفاع عن داعمي التجنيد والمجندين من ظواهر العنف والتهديدات التي توجه ضدهم وتعزيز فرض أحكام القانون من أجل العمل ضد المشاغبين والمحرضين على العنف".

ماذا وراء التجنيد
يندرج قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي القاضي بتجنيد العرب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي، في إطار محاولات المؤسسة الإسرائيلية طمس الهوية العربية للأقلية العربية داخل الخط الأخضر، عبر تشتيت وتمزيق النسيج الاجتماعي.

يندرج قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي القاضي بتجنيد العرب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي، في إطار محاولات المؤسسة الإسرائيلية طمس الهوية العربية للأقلية العربية داخل الخط الأخضر، عبر تشتيت وتمزيق النسيج الاجتماعي

وللتضييق على معارضي القرار الإسرائيلي المذكور، قام جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" باستدعاء عدد من النشطاء العرب المسيحيين داخل الخط الأخضر، وفي مقدمتهم رئيس المجلس المحلي الأرثوذكسي في الناصرة عزمي حكيم للتحقيق والتحذير من عواقب نشاطهم المناهض للتجنيد.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948 وصولا إلى العام 2013، قد اعتبرت مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطرا على وجود إسرائيل في المدى البعيد، فانتهجت المؤسسة الإسرائيلية حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين.

وتبعا لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية، الشتيرن والهاغانا والإيتسل بارتكاب العديد من المجازر، كمجزرة اللد والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ، لدفع العرب خارج أرضهم.

وبعد ذلك اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي ولكن على هامشه، كما أشار المفكر العربي عزمي بشارة في أكثر من دراسة ومقالة.

كما عملت المؤسسات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ العام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.

وقد أشارت المجموعات الإحصائية الإسرائيلية منذ العام 1950 حتى العام 2013 إلى تلك المسميات لترسيخ أهداف التفريق بين الأقلية العربية التي يعدها المتابعون بمثابة أشجار الصبار في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية.

مسيحيو الخط الخضر
بالعودة إلى العرب المسيحيين في داخل الخط الأخضر، الذين يسعى قرار نتنياهو لتجنيدهم في إطار الجيش الإسرائيلي، تشير الدراسات المختلفة حول الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر إلى أنهم يشكلون حوالي 9% من إجمالي السكان العرب، والمقدر بنحو 1.4 مليون عربي فلسطيني في العام الحالي 2013.

وثمة 70% من العرب المسيحيين يقيمون في شمال فلسطين المحتلة، في قرى ومدن مثل الجش وعيلبون وكفر ياسيف وكفر كنا وعبلين وشفا عمرو وحيفا وعكا ويافا، وبعض القرى التي يشكل غالبية سكانها دروز ويوجد بها أقلية مسيحية مثل حرفيش والمغار.

أما مدينة الناصرة التي تعد عاصمة الجليل الفلسطيني فيقطن فيها أكبر تجمع للسكان العرب المسيحيين، يصل إلى نحو 140 ألفا.

نحو70% من العرب المسيحيين يقيمون في شمال فلسطين المحتلة، في قرى ومدن مثل الجش وعيلبون وكفر ياسيف وكفر كنا وعبلين وشفا عمرو وحيفا وعكا ويافا، وبعض القرى التي يشكل غالبية سكانها دروز ويوجد بها أقلية مسيحية مثل حرفيش والمغار
وتشير دراسات مختلفة إلى وجود دور واضح وريادي للعرب المسيحيين داخل الخط الأخضر في تأسيس الأحزاب السياسية العربية ونشاطها في داخل الخط الأخضر، إذ ساهم العرب المسيحيون بشكل أساسي في إنشاء حزب الجبهة الديمقراطية، فضلا عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومن أبرز الشخصيات التي لعبت دورا سياسيا المطران جورج حكيم مطران كنيسة الروم الكاثوليك وتوفيق طوبي وإميل توما وإميل حبيبي والمفكر العربي عزمي بشارة، والقائمة تطول.
 
ويشير باحثون إلى وجود طوائف مسيحية رئيسية داخل الخط الأخضر، هي الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية والكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية والكنائس الرومانية الكاثوليكية اللاتينية والشرقية والكنائس البروتستانتية.

وتشكل الطوائف الكاثوليكية أكبر طوائف المسيحيين، يليها الروم الكاثوليك، وثالثا اللاتين، ثم الموارنة، وأخيرا الروم الأرثوذكس، والبروتستانت، حيث لا يتعدى عددهم 3000.

 
ومن الأهمية الإشارة إلى أن المجتمع العربي المسيحي داخل الخط الأخضر يعد مجتمعا حضريا، نظرا لكون 98% من المسيحيين العرب يعيشون في مجمعات حضرية.

وينتمي غالبية المواطنين المسيحيين إلى الطبقة الوسطى والطبقة الغنية أو الطبقة العليا، كما أن أكثر العائلات ثراء بين المواطنين العرب في داخل الخط الأخضر، ومن أغنياء سكان إسرائيل بشكل عام، هم من العائلات العربية المسيحية، مثل عائلة طنوس وعائلة خياط وعائلة شقحة.

أما بالنسبة للمعدلات الحيوية، فيعد العرب المسيحيون أقل معدل ولادة، إذ لا يتعدى معدل الأولاد في الأسرة العربية المسيحية 3.4 أولاد، وهو من أقل المعدلات بين الأقلية العربية، نظرا للاختلافات في الأوضاع الاقتصادية والعادات والتقاليد الاجتماعية، وكذلك التمايز في مستويات التعليم.

وفي هذا السياق، يعد المستوى التعليمي لدى المواطنين العرب المسيحيين الأعلى بين الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر، حيث يتمتع العرب المسيحيون بأعلى نسبة حاصلين على شهادة "البجروت"، أو شهادة الثانوية العامة الإسرائيلية، فثمة 74% من التلاميذ العرب المسيحيين حصلوا على شهادة البجروت، و90% منهم استوفوا شروط دخول الجامعة، وهي نسبة أعلى من بين الأقلية العربية بشكل عام. واستحوذ العرب المسيحيون على أعلى نسبة في إسرائيل لحملة الشهادات الجامعية بين المواطنين، حيث أن 68% من المسيحيين العرب داخل الخط الأخضر هم من حملة الشهادات الجامعية.

رغم فرض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي على الشباب العرب الدروز والشركس نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم، بيد أن العشرات منهم رفضوا الالتحاق بالخدمة والذهاب لقمع الفلسطينيين في الضفة والقطاع

كما تبلغ نسبة المسيحيين من الطلاب العرب المتعلمين في الجامعات الإسرائيلية 40% مع أنهم يشكلون 9% من المواطنين العرب داخل الخط الأخضر.

ويملك المسيحيون في إسرائيل عددا كبيرا من المؤسسات من مدراس ومستشفيات وغيرها، جزء من هذه المؤسسات خاصة المدراس، هي الأفضل بين المدارس المنتشرة في أماكن وجود الأقلية العربية داخل الخط الأخضر.

الفشل المحتوم لفكرة التجنيد
رغم فرض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي على الشباب العرب الدروز والشركس في نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم، رفض العشرات الالتحاق بالخدمة أو عدم الانصياع لأوامر عسكرية بالذهاب لقمع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إبان الانتفاضتين الأولى التي انطلقت في نهاية العام 1987، والثانية التي انطلقت من باحات الأقصى في نهاية سبتمبر/أيلول 2000، مما دفع السلطات الإسرائيلية لحبس العديد من العرب الذين رفضوا الخدمة لعدة سنوات.

وبطبيعة الحال، ثمة وعي شعبي بين العرب المسيحيين داخل الخط الأخضر، دفع باتجاه رفض قرار نتنياهو القاضي بتجنيد العرب المسيحيين في الجيش الإسرائيلي، الذي يحمل في طياته أهدافا سياسية خطيرة، أقلها محاولة تمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي بين الأقلية العربية، بغية جعلها أكثر هامشية في المستوى الاقتصادي والسياسي. وسيتضح الموقف أكثر عند البدء في عملية التجنيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.