القدس في ظل المشهد العربي

القدس في ظل المشهد العربي - الكاتب: نبيل السهلي

undefined

فرض الديمغرافيا الإسرائيلية
حكومة نتنياهو وتنشيط الاستيطان
استغلال المشهد العربي لطرد المقدسيين

بات من الضرورة بمكان تسليط الضوء بين الفينة والأخرى على السياسات والإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد القدس، حيث تستغل المؤسسة الإسرائيلية انشغال الإعلام العربي والدولي بالثورات العربية وتداعياتها المختلفة لجهة تسريع وتيرة الاستيطان في مدينة القدس بغية تهويدها.

ولم تكن عمليات الحفر والتجريف التي لم تتوقف البتة بالقرب من المسجد الأقصى، وكذلك الإخطارات لهدم مزيد من الأحياء العربية القديمة وطرد سكانها العرب؛ سوى إجراءات إسرائيلية  تعزز المخططات الإسرائيلية لتهويد مدينة القدس ومحاصرة آمال الفلسطينيين في جعل الشطر الشرقي من المدينة عاصمة لدولتهم المنشودة في الضفة والقطاع.

واللافت أنه في فترة حكومة نتنياهو الحالية تسارعت وتيرة الاستيطان في القدس بشكل غير مسبوق. وقد تمّ استصدار قوانين إسرائيلية عديدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية هدفها الإخلال في الواقع الديمغرافي لصالح اليهود في المدينة في نهاية المطاف، وقد كان قانون تهويد التعليم وكذلك قانون الغائبين في القدس من أخطر القوانين الصادرة. 

فالقانون الأول يرمي إلى طرد أكثر من ثلاثين ألف طالب مقدسي إلى خارج مدينتهم، في حين تسعى المؤسسة الإسرائيلية من وراء القانون الثاني إلى السيطرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا خلال العقود الماضية من الاحتلال.

إسرائيل تسعى من وراء استصدار القوانين المتلاحقة بشأن القدس لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها 12% من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها الغربي والشرقي

فرض الديمغرافيا الإسرائيلية
لم تكن السياسات والإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس حديثة العهد، لقد نشطت الحركة الصهيونية لفرض خارطة ديمغرافية قسرية في مدينة القدس بعد انعقاد مؤتمرها الأول في مدينة بازل في نهاية شهرأغسطس/آب من عام 1897.

وتشير الدراسات إلى ارتفاع مجموع اليهود فيها؛ حيث وصل مجموعهم نتيجة التسلل اليهودي المنظم؛ فضلاً عن النشاط الدبلوماسي والدعائي للحركة الصهيونية إلى (28122) يهوديا من إجمالي سكان المدينة في عام 1900 والبالغ (45430) نسمة. وكان لوعد بلفور في عام 1917، وفتح بريطانيا أبواب الهجرة اليهودية على مصراعيها إلى فلسطين خلال الفترة (1922-1948)؛ بالغ الأثر في تسريع وتيرة زيادة مجموع اليهود في مدينة القدس، إذ وصل مجموعهم إلى 51.2 ألف يهودي في عام 1931 يمثلون 56.6% من إجمالي مجموع سكان المدينة.

ثم ما لبث أن ارتفع مجموع اليهود ليصل 84 ألف يهودي في المدينة المقدسة بعد مايو/أيار 1948، وقد كان لطرد العصابات اليهودية الشتيرن والهاغانا والأيتسل لحوالي مائة ألف عربي من الجزء الغربي المحتل عام 1948 دوراً حاسماً في رفع نسبة اليهود في هذا الجزء حتى عام 1967. وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الجزء الشرقي من المدينة وطردت إبانه نحو 15 ألف عربي.

وتبعاً للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية التهويدية في مدينة القدس، بات في مدينة القدس 26 مستوطنة إسرائيلية يتركز فيها 185 ألف مستوطن. وفي مقابل ذلك لا يزال في المدينة 220 ألف مقدسي، حيث تسعى المؤسسة الإسرائيلية إلى طرد غالبيتهم بعد السيطرة على النسبة الكبرى من أراضي القدس.

وفي هذا السياق ثمة دراسات إسرائيلية أشارت إلى أن إسرائيل تسعى من وراء استصدار القوانين المتلاحقة بشأن القدس لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها 12% من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها، الغربي المحتل عام 1948 والشرقي المحتل عام 1967.

حكومة نتنياهو وتنشيط الاستيطان
تعتبر مدينة القدس مركز جذب للمهاجرين اليهود، وقد ساعدت في ذلك الاقتطاعات السنوية الكبيرة من الموازنة الإسرائيلية لتنفيذ مزيد من المخططات الاستيطانية لتهويد مدينة القدس، حيث بات يقطن في جزئي المدينة الشرقي المحتل عام 1967 والغربي المحتل في عام 1948؛ حوالي 12% من إجمالي مجموع اليهود في إسرائيل والأراضي العربية المحتلة في منتصف العام الحالي 2012.

وفي هذا السياق يذكر أن مجموع اليهود في فلسطين المحتلة قد وصل إلى 5.9 ملايين يهودي خلال الفترة نفسها. واللافت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاقات أوسلو في عام 1993 سعت إلى تهويد الجزء الشرقي من مدينة القدس لمحاصرة آمال الفلسطينيين؛ خاصة تلك المتعلقة بجعل الجزء الشرقي عاصمة الدولة الفلسطينية المنشودة.

شارون:
يجب أن يكون في القدس، العاصمة الأبدية لإسرائيل، أغلبية يهودية، ونحن نسير ومن رؤية بعيدة بحيث يكون في القدس الكبرى مليون يهودي

وتبعاً للتوجهات الإسرائيلية؛ وبفعل النشاط الاستيطاني وجذب مزيد من اليهود إلى الجزء الشرقي من المدينة المقدسة؛ وصل مجموع المستوطنين اليهود في الجزء المذكور إلى 185 ألف مستوطن يهودي مقابل 220 ألف عربي مقدسي.

ويتركز المستوطنون اليهود في محافظة القدس في 26 مستوطنة إسرائيلية كما أشرنا، حيث تلف المدينة بعدد من الأطواق الاستيطانية، ناهيك عن الأحياء اليهودية التي أقيمت داخل مدينة القدس نفسها. وسيسعى أصحاب القرار والمخططون الإستراتيجيون في إسرائيل إلى خلق هيمنة ديمغرافية يهودية مطلقة في القدس.

وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق -الميت سريرياً- أرييل شارون في أكثر من مناسبة "أنه يجب أن يكون في القدس، العاصمة الأبدية لإسرائيل، أغلبية يهودية، ونحن نسير ومن رؤية بعيدة بحيث يكون في القدس الكبرى مليون يهودي".
 
ومن جهته قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت رؤية للأوساط الإسرائيلية تقوم على أساس العمل لتصبح نسبة السكان اليهود في المدينة 88%، فيما تتراجع نسبة العرب إلى 12% خلال السنوات القليلة القادمة. ومن ناحيته أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مراراً وفي كل مناسبة على مواقف حكومته من مستقبل القدس؛ حيث أشار "إلى أن القدس الموحدة بشقيها الشرقي المحتل عام 1967 والغربي المحتل عام 1948؛ يجب أن تبقى العاصمة الأبدية لإسرائيل"، وذهب إلى أبعد من ذلك حين أكد وجود مخططات لتنشيط الاستيطان في القدس عبر العمل على إنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية في جنباتها خلال السنوات القادمة.
 

استغلال المشهد العربي لطرد المقدسيين
تسعى المؤسسة الإسرائيلية بعد أن وضعت مخططاتها إزاء مستقبل القدس إلى جعل اليهود أكثرية ساحقة فيها، بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود القادمين من الخارج عبر محاولات فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة بعد تراجعها من الدول الأوروبية، فضلاً عن الإعلان عن مغريات مالية إسرائيلية للعائلة اليهودية التي تقطن في القدس وذلك بغية ارتفاع مجموع اليهود في المدينة.

وفي نفس الوقت ستواكب هذه الزيادة لليهود في مدينة القدس وفق المخططات الإسرائيلية سياسات إجلائية مبرمجة إزاء العرب المقدسيين لترحيلهم بصمت عنها، عبر إبطال شرعية إقامتهم في مدينتهم من خلال اتباع الإجراءات التالية: إذا عاش الفلسطيني خارج القدس سبع سنوات متتالية، أو إذا حصل على جنسية أخرى، وكذلك الحال إذا سجل العربي المقدسي إقامته في بلد آخر.

المصادر الإسرائيلية تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقاءهم خارجها

وتبعاً لهذه الحالات فإن المصادر الإسرائيلية تقدر عدد العرب في القدس المعرضين لفقدان بطاقة الهوية العائدة لهم بنحو ستين ألف عربي، وهذا يعني ترحيلهم من مدينة القدس أو إبقاءهم خارجها.

ويشار إلى أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق أحكام القانون الإسرائيلي الدقيق والمخططة سلفاً، فصاحب الأرض -وفقاً لنسق تطور الملكية والسكان- معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطناً في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب عشر سنوات أو سبعين سنة أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية جائرة، لاستلاب أرضه و تهويدها بكافة الوسائل.
 

ويلحظ المتابع أن النشاط الاستيطاني -وبخاصة في مدينة القدس- قد ارتفع بوتائر عالية خلال الأشهر الماضية من عمر الثورات العربية، حيث انشغلت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة على حد سواء بالتحولات الديمقراطية في الدول العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.