أوباما-نتنياهو والملف النووي الإيراني

أوباما ونتنياهو والملف النووي الإيراني! - الكاتب: عبد الحسين شعبان

 undefined

ظلّت واشنطن وتل أبيب تعلنان أن الملف النووي الإيراني يعتبر خطاً أحمر، ويعبّران -كل بطريقته- عن ضرورة منع إيران من امتلاك السلاح النووي، سواء بسياسة "الاحتواء" كما كانت تريد الولايات المتحدة أو بالردع على الطريقة "الإسرائيلية" التي تفضّل العمل الجراحي (العسكري) على العلاج الطويل الأمد (الاحتواء).

ظلّت واشنطن وتل أبيب تعلنان أن الملف النووي الإيراني يعتبر خطاً أحمر، وفي المقابل تؤكد إيران أيضا أن مشروعها هو خط أحمر, وهو مشروع إستراتيجي يتعلق بمستقبلها ولن تتخلى عنه مهما كانت التحديات

ومن جانبها كانت إيران تؤكد عبر تصريحات قياداتها: السيد علي الخامنئي (المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية) أو محمود أحمدي نجاد (الرئيس) أن المشروع النووي هو خط أحمر، وهو مشروع إستراتيجي يتعلق بمستقبل إيران التي لن تتخلّى عنه مهما كانت التحدّيات، ولعل السؤال الملحّ وماذا بعد الخط الأحمر، فيما إذا تم تجاوزه؟

جاء الجواب هذه المرّة من الولايات المتحدة، فقد ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً مهماً وقد يكون تاريخياً بالنسبة "لإسرائيل" ولعموم دول المنطقة في المؤتمر السنوي للجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة (إيباك)، خصص الجزء الأساس منه لإيران وللملف النووي تحديداً.

وجاء في وصفه للمشروع النووي الإيراني دون تحديد (السلاح والقدرات) بأنه القضية التي تعشعش في تفكير الجميع. وإذا تابعنا خطابات الرؤساء الأميركان في مؤتمرات إيباك السنوية خلال العقود الثلاثة ونيّف الماضية، فسنلحظ ماذا تعني وكيف تتصرف الإدارات الأميركية بعد ذلك، لأنها تحدد ملامح سياساتها وتوجهاتها إزاء الصراع العربي "الإسرائيلي"، وهذا الأمر ينطبق إلى حدود كبيرة على خطاب أوباما أمام إيباك.

ولكي نربط ذلك على نحو وثيق بمجمل السياسة الأميركية إزاء إيران فلا بدّ من ملاحظة أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو تمكّن مؤخراً خلال زيارته للولايات المتحدة من تسجيل نجاح سياسي ودبلوماسي، عندما دفع بالرئيس الأميركي إلى تبنّي خيار الحلّ العسكري بعد استبعاد خيار "الاحتواء" الذي كان من أركان سياسة أوباما منذ توليه سدّة الرئاسة في مطلع العام 2009، وهو خيار سبق لإدارة كلينتون أن تبنّته بشأن العراق وإيران معاً، والذي سمّي " بالاحتواء المزدوج".

لكن إدارة الرئيس جورج بوش الابن تبنّت خيار الإطاحة بالنظام العراقي، وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 الإرهابية الإجرامية، وابتدأت خطتها بكابول واستكملتها في بغداد، علماً بأن الكونغرس كان قد أصدر منذ العام 1998 قانوناً سمّي "بقانون تحرير العراق".

وعلى الرغم من تبنّي الخيار العسكري كخيار مرجح، لكن السيناريوهات لا تزال كثيرة، بل إنها مفتوحة أيضاً، خصوصاً أن موسم الانتخابات الرئاسية سيكون قريباً، وبذلك سيصبح الملف النووي الإيراني مادة انتخابية بامتياز.

كانت واشنطن تراهن في السابق على نظام العقوبات، الذي ما زال مستمراً، أي تغيير النظام عبر إنهاكه وتآكله وبالتالي منع طهران من مواصلة مشروعها النووي الإستراتيجي، لكن خطاب الرئيس أوباما يعتبر تطوّراً خطيراً إزاء الملف النووي الإيراني، لا سيما ترجيحه للخيار العسكري.

لقد أعلن الرئيس الأميركي في خطابه أمام إيباك تعهده غير القابل  للتراجع أو المساومة بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، مؤكداً أنه يعني ما يقول، وأن كل الخيارات ستكون متوافرة، وأن جميع عناصر القوّة الأمريكية سيتم تجنيدها وتوظيفها لتحقيق هذا التعهد، ملمّحاً إلى الاستعدادات لحالات الطوارئ، مشيراً بوضوح إلى منع إيران من الحصول على السلاح النووي.

من جهة أخرى كان رئيس الوزراء "الإسرائيلي" قد قال إن الرئيس الأميركي أقرّ له بحق "إسرائيل" السيادي في الدفاع عن النفس، ولعل تفسير مثل هذا الكلام يدخل فيما يسمّى بالدبلوماسية الوقائية أو الدبلوماسية الاستباقية، تلك التي كثُر الحديث عنها من جانب واشنطن، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول وحاولت إدراجها بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الصادر في 28 سبتمبر/أيلول 2001.

وبالملموس فإن نتنياهو قصد حصوله على موافقة أوباما على القيام بعمل انفرادي، بتوجيه ضربة عسكرية إلى المواقع الإيرانية للمفاعلات النووية بهدف تعطيل أو منع قدرة إيران على استكمال مشروعها النووي، وهو ما قامت به "إسرائيل" إزاء العراق في 7 يونيو/حزيران العام 1981 عندما كانت بغداد منشغلة بحربها ضد طهران، حيث أقدمت الطائرات "الإسرائيلية" على الإغارة على موقع المفاعل النووي العراقي، الأمر الذي أدّى إلى تدميره.
بعض الأوساط الأميركية والغربية تتداول احتمالات لتوقيت الضربة العسكرية "الإسرائيلية"، ما بين شهري يونيو وأكتوبر القادمين، حسبما تفرضه الترتيبات العسكرية والأوضاع السياسية

وتعتبر "إسرائيل" المسألة: حياة أو موتا، أي أنها وجودية لا تقبل التأجيل أو الانتظار أو الركون إلى العقوبات الاقتصادية، لأن امتلاك إيران السلاح النووي سيعني تغيير خارطة المنطقة كليا، لا فيما يتعلق "بإسرائيل" والصراع العربي "الإسرائيلي" فحسب، بل خارطة العالم العربي، وستكون دول الخليج العربي في صدارة المشهد.

ويغلب الاعتقاد أن "إسرائيل" توصّلت إلى قناعة أن القيام بخطوتها لضرب المنشآت النووية الإيرانية قد يصبح قاب قوسين أو أدنى، ولا بد من استثمار عامل الوقت، وذلك لأسباب أميركية، فالجو ضد إيران وصل إلى الذروة، وتخلّى الرئيس أوباما عن سياسة الاحتواء، و"إسرائيلياً" فإن إدارة نتنياهو لا تتردد عن شن الحرب مستفيدة من الظروف المحيطة بالشرق الأوسط ككل، ناهيكم عن ضعف تحالفات إيران، بإضعاف سوريا وانشغالها بأزمتها الداخلية، وكذلك ضعف حزب الله اللبناني انعكاساً للوضع السوري واستمرار صراع الأجنحة العراقية الحليفة لطهران. وإيرانياً فإن تعاظم نفوذ المعارضة وتأثيرات الحصار الدولي يمكن أن يلعبا دوراً "موضوعياً" في تسهيل مهمة "إسرائيل"، خصوصاً وقد ارتفعت نبرة المجتمع الدولي إزاء إيران وصدر أكثر من قرار من مجلس الأمن بشأن ملفّها النووي، بل هناك قناعات دولية وقسم منها من دول المنطقة عدا "إسرائيل" ، أن إيران تماطل لكسب الوقت، ولهذا فإن اتخاذ قرار بالتقاط اللحظة السياسية المناسبة، هو خيار "إسرائيلي" مرجّح.

ولعل بعض الأوساط الأميركية والغربية تتداول احتمالات لتوقيت الضربة العسكرية "الإسرائيلية"، ما بين شهر يونيو/حزيران وشهر أكتوبر/تشرين الأول القادم حسبما تفرضه الترتيبات العسكرية والأوضاع السياسية، ولكن من المهم أن تتم الضربة قبل الانتخابات الأميركية، خصوصاً بتعهد الرئيس الأميركي بشراكة قوية "لإسرائيل" وهو ما يحتاج له إذا أراد الفوز بولاية ثانية.

وإذا كان القادة "الإسرائيليون" لا يثقون بأن كلام أوباما سينفّذ كاملاً بشأن الخيار العسكري، لا سيما إذا انتخب لولاية ثانية، فإنهم يستعجلون الأمر بتحمّل نتائج الإقدام على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وذلك لأن عملية "إسرائيلية" أميركية غير متوقعة في القريب العاجل، لكن المبادرة قد تكون "إسرائيلية"، وإذا ما كان رد الفعل الانتقامي الإيراني قوياً فإن واشنطن بحكم التزاماتها وتحالفاتها مع "إسرائيل" يمكن أن تدخل الميدان، للقيام بعمليات عسكرية ليس ضد المشروع النووي الإيراني فحسب، بل للإطاحة بالنظام الإيراني.

إن قلقاً مشروعاً ينتاب دول المنطقة من اندلاع حرب بهذه الضخامة والاحتمالات المفتوحة، لا سيما الكارثة التي قد تحلّ بها جرّاء التسرّب النووي، فضلاً عن رد الفعل الإيراني إزاء دول الخليج العربي التي تعتبرها صديقة لواشنطن، بل إنها أهداف أسهل من غيرها، سواء كان الأمر بشكل مباشر أو عبر "أصدقاء" إيران وبعض الجماعات التي تعمل معها، وهو ما سبق لإيران أن لمّحت له في أكثر من مناسبة، وقد سبق لدول مجلس التعاون الخليجي أن أبدت مخاوفها وعبّرت عن خشيتها إزاء موضوع الملف النووي الإيراني بكل تداعياته، سواء بسياسة الاحتواء أو بسياسة المنع العسكرية، فكلاهما يمكن أن يسبب ضرراً لها ولعموم دول المنطقة، فامتلاك السلاح يوازي استخدامه أحياناً، فما بالك إذا كان سلاحاً نووياً، وفي ظل مشاكل تاريخية بعضها أصبح مستعصياً في ظل تباعد في السياسات والأيديولوجيات والمصالح؟

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وضمن خطة الاحتواء السابقة قد صرّحت في يوليو/تموز 2010 عن استعداد الولايات المتحدة لتوفير "مظلّة دفاعية"، ولعل تلك المظلّة  لن تكون سوى حماية نووية لدول الخليج العربي وهذا يعني نجاح إيران في تطوير أسلحة نووية، الأمر الذي سيخلق توازناً للرعب، ولكن ماذا لو حصلت الضربة "الإسرائيلية" للمشروع النووي الإيراني، وفي ظل ردود فعل إيرانية ودون وجود مثل هذه المظلّة؟

إن تحريض تل أبيب باستغلال الخشية العربية والخليجية ستكون لأغراض أخرى: أولاً على حساب قضايا التغيير والتحوّل الديمقراطي والتنمية في دول المنطقة، وثانياً التخويف من احتمالات امتدادات الحرب، فضلاً عن الحروب بالوكالة، التي لا تشمل إيران وحسب، بل دول المنطقة جميعها، وثالثاً بهدف غضّ النظر عن سياسات "إسرائيل" العنصرية، وخصوصاً قضم الأراضي واستمرار استكمالها لجدار الفصل العنصري، ومواصلة سياسة الاستيطان والتنكّر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، لا سيما حق اللاجئين في العودة وبناء الدولة الوطنية المستقلة القادرة على الحياة وعاصمتها القدس الشريف، ورابعاً -والأهم من كل ذلك- جعل إيران ودول المنطقة عرضة للفوضى والاحتراب والتنازع المذهبي والإثني والاستقطاب التناحري، وربما ذلك ما تريده "إسرائيل" من مشروعها الإستراتيجي لتفتيت دول المنطقة، بحيث يصبح الجميع أقليات، وهي أقلية قوية بينها، لكنها هي من يمتلك السلاح النووي لوحدها.

ولكن ذلك كلّه يعتمد على السؤال مجدداً: هل يمكن عبور الخط الأحمر وكيف ومتى؟ والسؤال لا يخص "إسرائيل" أو الولايات المتحدة أو إيران، بل العرب أيضاً ودول الخليج بشكل خاص، وعموم دول المنطقة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.