لنتحد.. صرخة من النرويج

داغ هيربيورن سرود



– أسبوع مزعج

– ثورات 2011
– هل علي أن أغادر؟
– الاتصالات الدولية

 

إن الهجمات الإرهابية التي ضربت أوسلو لا تخصنا وحدنا، بل هي تعنيكم أيضا، لأن التهديد الذي نواجهه لا يميز بعضنا عن بعض، وبالتالي يتعين علينا أن نواجهه بمجهود جماعي.

 

أسبوع مزعج
يمكن تقديم أسباب كثيرة من كل أرجاء العالم لما حل بالنرويج، ولكن قليلا منها ما قد يعبر عن القسوة غير المفهومة التي ضربت النرويج في الثاني والعشرين من يوليو/تموز.

 

"
لم يكن أحد يتوقع أن يحصل مثل هذا الهجوم المميت من قبل مواطن أوروبي محافظ حسب اعترافه، نشأ في الجزء الأكثر ثروة من أوسلو ودرس في أفضل المدارس
"

فالمجزرة الشنيعة التي تعرض لها مراهقون من حزب العمال في جزيرة أوتويا بالنرويج قد أصابت البلاد والعالم كله بالصدمة.

 

ففي ساعة واحدة قتل 68 شخصا كلهم عزل على يد نرويجي يبلغ من العمر 32 عاما، لن يتم الكشف عن اسمه الحقيقي، كي لا يحقق الشهرة الشخصية التي سعى لها.

 

وهذا الشخص هو نفس الرجل الذي يعادي المسلمين ويعادي الثقافات المتعددة ويعادي العمل المؤسسي، والذي اعترف بتفجيره سيارة مفخخة خارج المكاتب العامة للحكومة النرويجية ورئيس الوزراء، متسببا في مقتل ثمانية أشخاص.

 

وهذا الرجل هو الذي هاجم قلب النظام السياسي لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، الأمر الذي لم يفعله أي شخص في أوروبا في العقود القليلة الماضية.

 

فالأيام الماضية هنا في عاصمتنا كانت أيام حزن وحداد، نستيقظ فيها كل يوم على فاجعة جديدة، كتلك التي سمعنا الأربعاء الماضي عن ولد يبلغ من العمر 11 عاما، ألقى بنفسه في الماء البارد وسبح مئات الأمتار بمساعدة فتاة من أصول متعددة، بعد أن شاهد والده يقتل أمامه بيد ذلك الرجل الذي يرتدي ملابس الشرطة.

 

وقد تم إنقاذ الطفل والفتاة على يد سائح حملهما في قاربه، وهي قصة مؤلمة وصادمة يمكن أن تكون موضوع فيلم من أفلام الرعب.

 

ولم يكن أحد يتوقع أن يحصل مثل هذا الهجوم المميت من قبل مواطن أوروبي محافظ حسب اعترافه، نشأ في الجزء الأكثر ثروة من أوسلو ودرس في أفضل المدارس، وهو يدعي أن وينستون تشيرتشل وجون ستيورات ميل هما قدوته.

 

وفي عام 2001 تساءل الأميركيون "لماذا يكرهوننا؟" وأما في عام 2011 فالنرويجيون عليهم أن يسألوا "لماذا يكرهنا؟"، أو بالأحرى لماذا يوجد العديد من الرجال الغاضبين الذين يكرهون مجتمعنا المتعدد؟ وماذا يمكننا فعله إزاء ذلك؟

 

فالهجمات اقترفها "واحد منا" بحقنا، وهو ما يصعب علينا فهمه، ويعتبر ذلك تحديا أوروبيا مشتركا، لأن أي مهاجمين مصابين بالكراهية يمكن أن يضربوا القارة مرة أخرى.

 

"
الجيد في الهجمات المرعبة التي تعرضت لها أوسلو أنها قد تشكل نقطة تحول في طريقة التعامل مع الأحزاب اليمينية على مستوى النرويج وربما أوروبا كلها
"

ثورات 2011
هذه الهجمات التي جاءت من الداخل كانت مفاجئة بشكل تام، وكان يمكن التفكير في أن نتوقع حدوث أي شيء في عام 2011 إلا ما شاهدناه في النرويج.

 

فالسنة بدأت مع ربيع العرب، حيث خرج الملايين من العرب المدنيين إلى الشوارع، معرضين حياتهم للخطر من أجل أن يتخلصوا من الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة ومن أجل الحصول على الديمقراطية.

 

أما ما نراه الآن فهو هجوم من نوع آخر يتحدى ما صوره "خيال العالم عن عنف القاعدة" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011، ذلك العنف الذي جعل الأوروبي يختزل التهديد الإرهابي لبلاده في تنظيم القاعدة وحده.

 

فنحن اليوم أمام ثنائية، عرب يكافحون من أجل الديمقراطية في بلادهم ويمين أوروبي متطرف يرتكب أبشع أشكال الإرهاب. فما الذي تغير إذن خلال الأشهر الستة الماضية؟

 

الأمر خطير للغاية، لأنه يتعلق بمدى إمكان بناء مجتمع مسالم ومستقر في السنوات القادمة ينعم فيه الإنسان أينما كان بحياة مطمئنة.

 

فهجوم أوسلو مثلا لا يمكن أن يعتبر حادثا معزولا قام به "ذئب متوحش" ولا حادثا عرضيا في أقصى شمال أوروبا، بل هو علامة فارقة بالنسبة لمستقبل البشرية في القرن الحادي والعشرين.

 

والجيد في الهجمات المرعبة التي تعرضت لها أوسلو أنها قد تشكل نقطة تحول في طريقة التعامل مع الأحزاب اليمينية على مستوى النرويج وربما أوروبا كلها، خاصة أن السياسيين ورجال الشرطة والصحافة الإسكندنافية ما يزالون حتى الساعة يغضون الطرف عن هذا التهديد القائم منذ سنوات.

 

وبالنسبة لسياسيين -مثل رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اللذين أعلنا "فشل تعدد  الثقافات"، فإن المناخ أصبح كريها وغير موات للحديث والنقاش بشأن عدم الخوف.

 

ولكن أملي هو أن يؤدي الرعب إلى توحيدنا في النرويج وفي أوروبا ومع الشعوب التي تسعى إلى الديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية. وربما نجد كلنا الإلهام في تصريحات الأمين العام للمجلس الإسلامي في النرويج مهتاب أفسار، الذي قال للصحافة النرويجية "نحن نقف إلى جانب إخواننا وأخواتنا المسيحيين والمسيحيات، ونحن ندرك أن هذه الجرائم ليست لها علاقة بالمسيحية. وإن الشخص الذي يفعل مثل هذه الآثام لا دين له".

 

وكان رئيس الوزراء النرويجي يانس شتولتنبرغ ووزير خارجيته يقفان على جانب أفسار عندما زارا المسجد من أجل إظهار الاحترام للقتلى النرويجيين من المسلمين.

 

"
يكمن التحدي في خلق مناخ من الثقة بدل خلق مناخ من الرعب والخوف، غير أن هذا الأمر أصعب بكثير في أوروبا عام 2011 منه في الولايات المتحدة عام 2001
"

هل علي أن أغادر؟
وبنفس اللحظة، فإنه ترد علينا أسئلة قاسية مثل تلك الواردة من صوفيا (13 عاما) التي صدمت الآلاف بكلماتها التي كتبتها لعالمين نفسيين معنيين بالأزمة عبر نقاش على شبكة الإنترنت "مرحبا، أنا نرويجية مسلمة وعمري (13 عاما) وينتابني شعور بأنها غلطتي. فهو قال إنه قتل كل هؤلاء الناس بسبب وجودي هنا. فهل علي أن أغادر البلاد من أجل أن أحمي الأطفال النرويجيين في المستقبل؟ هذا هو شعوري".

 

تصب كلمات صوفيا مباشرة في قلب التحديات التي تواجه المجتمعات الأوروبية هذه الأيام، فهل سيقف السياسيون المنتخبون احتراما لها، مؤكدين أن المجتمعات متعددة الأعراق، وأن المسالمة هي الهدف المشترك الذي نريد الاحتفاظ به والبناء عليه، أم إنهم سينساقون وراء البحث عن فرص الفوز في الانتخابات القادمة، من خلال "التشدد بشأن الجرائم التي يقترفها المتطرفون المسلمون"، معرضين عن الخوض في التحديات العنصرية الظاهرة التي عرفتها أوروبا في السنوات الأخيرة؟

 

والإشكال الذي يواجهه السياسيون الأوروبيون اليوم هو الموازنة بين مخاوف شعوبهم من هجمات تنظيم القاعدة من جهة ومن هجمات متطرفي اليمين الأوروبي من الجهة الأخرى.

 

والمسألة لا تتعلق بتحديد هل من يحذرون من "الإرهاب الداخلي" في أوروبا على صواب أكثر من أولئك الذين يركزون على "الإرهاب الخارجي"؟ لأن موقفا ثالثا قد يكون ولد بعد هجمات أوسلو.

 

فبعد هذه الهجمات قد يرى فريق ثالث أن هذين التهديدين يجب النظر إليهما بوصفهما تحديا مشتركا لمجتمعاتنا التعددية.

 

ويبدو أن كل "الإرهابيين" الذين يستلهمون من القاعدة أو من اليمين المتطرف لديهم إستراتيجية مشتركة تتمثل في زعزعة استقرار الدول الأوروبية. فكل منهما يمكنه استخدام الآخر لإثبات شرعية وجوده، وكلاهما يتابع إستراتيجيته من خلال مهاجمة المدنيين والمكاتب الحكومية.

 

إذاً، يكمن التحدي في خلق مناخ من الثقة بدل خلق مناخ من الرعب والخوف، غير أن هذا الأمر أصعب بكثير في أوروبا عام 2011 منه في الولايات المتحدة عام 2001.

 

كما أن هناك دروسا هامة في ذلك الخصوص يمكن تعلمها في أعقاب كارثة الرعب التي حدثت في الثاني والعشرين من يوليو/تموز.

 

أولا، قد يكون من المضلل اعتبار المهاجم "ذئبا متوحشا"، فالرجل لديه اتصالات مع مجموعات متطرفة في بلدان مثل المملكة المتحدة، وكان عضوا في حزب شعبي نرويجي.

 

وهذا المجرم معروف بشكل جيد في النقاشات النرويجية، حيث كان يناقش وجهة نظره بشكل منفتح في السنوات القليلة الماضية.

 

وإذا كانت وجهة نظره بالنسبة للعالم تبدو غريبة شيئا ما، فإنها لم تكن تثير القلق ولا الغضب. وحتى الآن، فكثير من المتطرفين الأوروبيين يتفقون مع ما يدعو إليه المهاجم، وإن كانوا لا يتفقون مع أفعاله.

 

ولكن هذا يذكرنا بأن الألفاظ لها دورها ومفعولها، فهي قد تخلق مناخا من الكره والخوف.

 

وعليه فإن التحديات تتزايد بالنسبة للمسيحيين والمسلمين وكل المجتمعات الأخرى، إذ كيف ومتى يمكننا القول "كفى"، ثم نرفع أصواتنا بالمعارضة عندما نسمع أساطير مدمرة أو نرى تعميمات وخطابات تحمل الكره للمجموعات الأخرى تنتشر.

 

ثانيا، هذه الفظاعة التي حدثت لم تكن مجرد نتاج لخلل عقلي مفاجئ، "فالإرهابي" حسب اعترافه خطط لها منذ سنين، وهو الآن يحذر من خلايا "إرهابية" أخرى في أوروبا، يمكن أن تكون بالنسبة لنا داعيا لليقظة والتنبه وأخذ الحيطة والحذر.

 

"
يمكننا توحيد أممنا المختلفة. ويمكننا بناء الصداقة والثقة عبر الحدود، بدلا من أن ينتابنا مزيد من الخوف والشك
"

الاتصالات الدولية
ثالثا، هذا الهجوم الأوروبي هجوم دولي بطبيعته، فهو يذكرنا بتفجيرات أوكلاهوما عام 1995، وكذلك بالهجوم الذي استهدف مقر حملة عضو مجلس النواب الأميركي الديمقراطي غابرييل غيفورد في أريزونا في الثامن من يناير/كانون الثاني 2011، وربما يذكرنا بالمذبحة التي جرت في مدرسة كولومبيا الثانوية بولاية كولورادو الأميركية.

 

ومرتكب الجريمة من الناحية الفكرية، يحيل بشكل صريح على كتاب معروفين يكتبون ضد الإسلام، أما من الناحية العملية فقد حصل على مواد كيمياوية من بولندا، وحصل على "شارة الجمجمة المسيحية" من دكان صغير في الهند يبيع عبر الإنترنت، وحصل على مواد أخرى من الصين، وكان ينظم جماعات في هنغاريا، وقد فشل في محاولات شراء أسلحة من براغ قبل أن يشتريها مرخصة من النرويج.

 

رابعا، هذه الهجمات وردود الفعل المصاحبة لها استطاعت، ولو لفترة وجيزة، أن تقرب بين الناس في العالم. فقد تلقت صحيفتنا دعما من أماكن مثل بورما وزيمبابوي ومدينة غزة، كما أن الضحايا وجدوا لهم أهلا في بلدان مثل الصومال والدانمارك وتركيا وجورجيا، مما يؤكد أن الإرهاب والحب لا يعرفان التمييز. ولكن إلى متى يمكننا الحفاظ على هذه المشاعر؟

 

خامسا، علينا أن نتنبه أكثر لطبيعة التقارير والأخبار التي ننشرها، لأن الحقيقة هي التي يجب أن تفرض نفسها. فالرئيس الأميركي السابق جورج بوش كان قد واجه انتقادات بشأن تعامله مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وخاصة فيما يتعلق بتصريحاته وردوده بشأن السياسة الخارجية.

 

وبعد الهجمات عرف بوش كيف يمكنه التواصل مع الجماهير، فقد قال في خطاب له يوم عشرين من سبتمبر/أيلول 2001 أمام الكونغرس "لقد شاهدنا رفرفة الأعلام وأنوار الشموع والتبرع بالدماء وسمعنا الدعوات والصلوات بالإنجليزية والعبرية والعربية. ولقد شاهدنا كرم الأخلاق والحب والعطاء والتعاطف مع المحزونين والمكلومين".

 

وأضاف بوش أن الولايات المتحدة ليست في حرب مع المسلمين ولا الإسلام، ولكنها في حرب مع الجماعات "الإرهابية" التي تسيء استخدام اسم الله. وقال بوش قبل عشر سنوات "لن ننسى الأطفال الكوريين الجنوبيين وهم يتجمعون للصلاة خارج سفارتنا في سول أو الصلوات والدعوات والتعاطف من مسجد في القاهرة".

 

فهل يمكننا توظيف ذلك الآن؟ فإذا ما فعلنا، فإننا نكون تغلبنا على الضربة الفكرية الأصعب بشأن "إرهابي" أوسلو.

 

ما الخطوة التالية أو ما السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة؟ الأمر يعود إلينا. وأعتقد أنه يمكننا إحداث التغيير جميعا معا. فيمكننا توحيد أممنا المختلفة. ويمكننا بناء الصداقة والثقة عبر الحدود، بدلا من أن ينتابنا مزيد من الخوف والشك.

 

وهذا سيكون هدفا صعب التحقيق، ولكنه يشكل اختبارا لنا. فلا تزال لدينا الفرصة لجعل هذه الأوقات العصيبة أفضل لحظاتنا.

 

فالدرس المستفاد بعد الهجوم الشنيع على جزيرة أوتويا ربما يمكن استسقاءه من الكاتب الإنجليزي جون دون (1572-1631) : "ليس من رجل في معزل عن الآخرين أو يعيش وحده بالكامل، وإن موت أي إنسان يقلقني ويعنيني، لأنني معني بالبشرية".

 

وإذا ما أردنا تحديث تلك العبارة التي قيلت قبل 400 سنة لنقربها إلى عالم 2011 يمكننا القول إنه "لا أمة تعيش في جزيرة وحدها منغلقة على نفسها"، وإن "موت أي رجل أو امرأة يعنينا جميعا، لأننا معنيون بالبشرية جمعاء".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.