صرخات القدس المكتومة
شرقي القدس
البلدة القديمة
الأقصى في خطر
السكان العرب.. معاناة وصمود
إنفاق صهيوني وتجاهل عربي إسلامي
الوقوف إلى جانب القدس والأقصى كان دائماً قضية يجتمع عليها المسلمون، مهما كانت اختلافاتهم ومذاهبهم ونزاعاتهم. والضغط على القدس كان يعني الضغط على العصب الحساس في الأمة، الذي كان يستثير غضبها وحميتها وكرامتها.
" ربما أصابت العرب والمسلمين حالة إحباط بعد مرور أكثر من 63 سنة على احتلال غربي القدس و44 سنة على احتلال شرقي القدس، وربما تعود الكثيرون على تكرار الأخبار نفسها لفترات طويلة " |
وعندما قام شارون بزيارته الاستفزازية للمسجد الأقصى في 28/9/2000، اندلعت شرارة انتفاضة الأقصى التي استمرت نحو خمس سنين، وتفاعل معها العالم العربي والإسلامي تفاعلاً رائعاً.
اندثر المؤتمر الإسلامي العام، وتحولت منظمة المؤتمر الإسلامي إلى حالة احتفالية شكلية تتمخض عن مواقف وبيانات بين حين وآخر، وبعض أعمال خجولة لا تليق بمقام القدس، ولا تليق بدور العالم الإسلامي، كما توقفت انتفاضة الأقصى.
ربما أصابت العرب والمسلمين حالة إحباط بعد مرور أكثر من 63 سنة على احتلال غربي القدس و44 سنة على احتلال شرقي القدس، وربما تعود الكثيرون على تكرار الأخبار نفسها لفترات طويلة، وربما انشغل آخرون بهمومهم المحلية والقـُطرية، وربما انتظر البعض نتائج مفاوضات التسوية السلمية، وربما أنحى آخرون باللائمة على الانقسام الفلسطيني، وربما عزى طرف ثالث الأمر إلى انشغال الجميع بالثورات العربية وما قد يترتب عليها.
لم يعد الكثيرون يذكرون غربي القدس، التي اعترفت قيادة منظمة التحرير بأنها جزء من الكيان الإسرائيلي حسب اتفاقيات أوسلو، ولم تعد جزءاً من العملية التفاوضية. أنين غربي القدس المكتوم يتردد منذ احتلها الصهاينة سنة 1948، وقاموا بطرد 60 ألفاً من سكانها العرب، من أحياء مأمن الله، والبقعا الفوقا، والبقعا التحتا، والقطمون، والطالبية، والمصرارة، والكولونيالية الألمانية، والحي اليوناني، وقسم من أبي طور وحي الثوري.
وفي سنة 1967 أكملت "إسرائيل" احتلالها لشرقي القدس الذي كان تحت السيطرة الأردنية، والذي يُعدّ جزءاً من الضفة الغربية. ومنذ ذلك الوقت بدأت حملة تهويد محمومة لشرقي القدس، فأعلنت توحيد شطريْ القدس تحت الإدارة الإسرائيلية في 27/6/1967، ثم أعلنت رسمياً في 30/7/1980 أن القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الإسرائيلي.
وضعت دولة الاحتلال يدها على نحو 87.5% من أراضي شرقي القدس، فبُنيت عليها المستعمرات التي أحاطت شرقي القدس من كل جانب، وحرمت الفلسطينيين من حقّ البناء على معظم أراضي القدس، ولم تبق سوى تسعة آلاف دونم فقط (من أصل 72 ألفاً) مخصصة لأغراض البناء، أي ما يعادل 12.5% من مساحة شرقي القدس.
" أنشأت إسرائيل حول القدس 17 مستعمرة يهودية لقطع القدس عن محيطها العربي الإسلامي، وبالتالي قطع الطريق على أي تسوية سلمية يمكن أن تعيد شرقي القدس للفلسطينيين " |
وقد باشرت السلطات الإسرائيلية إنشاء أولى المستعمرات الإسرائيلية شرقي القدس وهي مستعمرة رامات إشكول منذ 1968؛ ثم تابعت إنشاء المستعمرات بشكل متسارع. وفي نطاق بلدية شرقي القدس أنشأت طوقاً من 11 حياً يهودياً. كما أنشأت طوقاً آخر، أكثر اتساعاً، حول القدس من 17 مستعمرة يهودية لقطع القدس عن محيطها العربي الإسلامي، وبالتالي قطع الطريق على أي تسوية سلمية يمكن أن تعيد شرقي القدس للفلسطينيين.
أما جدار الفصل العنصري -الذي يتم إنشاؤه فإنه يحيط بالقدس- هادفاً إلى عزلها عن محيطها العربي والإسلامي. ويمتد مساره حول القدس على نحو 167 كم. وبحسب التقارير فإن 231 ألف فلسطيني أي نحو 56 % من سكان محافظة القدس سيتأثرون سلباً بإقامة الجدار. ثم إن استكمال هذا الطوق الخطير على القدس عزل 617 موقعاً مقدساً وأثراً حضارياً عن محيطها العربي والإسلامي.
وفي سنة 2009 قامت سلطات الاحتلال بإطلاق حملة لتهويد أسماء آلاف المعالم والمواقع الأثرية في القدس، وهي حملة مستمرة تسعى لفرض طابع يهودي على المدينة، وتشويه معالمها العربية والإسلامية وإلغائها.
وفي 11/6/1967 قامت القوات الإسرائيلية بطرد سكان حي المغاربة، في البلدة القديمة (التي لا تزيد مساحتها عن كيلومتر مربع واحد)، بعد توجيه إنذار بالخروج لدقائق قليلة، وتبع ذلك تدمير لمنازل الحي البالغة 135 منزلاً مقابل الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق)، ومعظمها أملاك أوقاف إسلامية. وجرت تسويتها بالأرض لتكون ساحة يستخدمها اليهود لأغراض عبادتهم. وقامت السلطات الإسرائيلية بالسيطرة أيضاً على حي الشرف أو ما يسمى الحي اليهودي في البلدة القديمة في القدس.
سعت السلطات الإسرائيلية إلى تحقيق وجود يهوديّ دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه، لإضفاء الطابع اليهوديّ على البلدة القديمة، ولتوفير غطاء لأعمال الحفريّات. وعملت على التهيئة لمصادرة أجزاء منه، والسيطرة عليه في مراحل لاحقة، تمهيداً لبناء ما يسمى الهيكل الثالث.
كما سمحت السلطات الإسرائيلية ببناء الكنس عند أسوار المسجد ككنيس المدرسة التنكزيّة، وأسفل منه كقنطرة ويلسون، وفي محيطه ككنيسي خيمة إسحاق وكنيس هوفير؛ وكانت أبرز إنجازاتها في هذا المجال خلال سنة 2010 افتتاح كنيس الخراب (هاحوربا).
" سعت السلطات الإسرائيلية إلى تحقيق وجود يهوديّ دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه، لإضفاء الطابع اليهوديّ، وعملت على التهيئة لمصادرة أجزاء منه، والسيطرة عليه في مراحل لاحقة " |
وبدأ الصهاينة حملة محمومة من الحفريات تحت المسجد الأقصى والمنطقة التي حوله، مركّزين على المنطقة الغربية والجنوبية للمسجد، ونتج عن هذه الحفريات تصدع عدد من الأبنية منها الجامع العثماني، ورباط الكرد، والمدرسة الجوهرية، والمدرسة المنجكية.
أما الاعتداءات على المسجد الأقصى فقد جرى 40 اعتداءً خلال الفترة 1967-1990، ولم تنفع التسوية السلمية واتفاقات أوسلو في وقف الاعتداءات، فتم تسجيل 72 اعتداءً خلال الفترة 1993-1998، مما يشير إلى ازدياد الحملة الشرسة ضدّ أحد أقدس مقدسات المسلمين. وتزايد عدد الاقتحامات للمسجد بحماية من شرطة الاحتلال ليبلغ 55 اقتحاماً خلال الفترة 22/8/2009-21/8/2010.
ويقوم الصهاينة بجهود محمومة لجعل حياة المقدسيين جحيماً لا يطاق، ويستخدمون كافة وسائل الضغط والإغراء والتزوير للحصول على بيوتهم. ويعاني المقدسي بشكل هائل من إمكانية الحصول على ترخيص لبناء مسكنه، لدرجة اضطرته للبناء دون ترخيص فأصبح أكثر من 15 آلاف بيت وشقة مهددين بالهدم.
وقد خططت السلطات الإسرائيلية حتى لا يزيد عدد سكان القدس العرب عن 22% من سكانها، غير أن صمود أهل القدس جعلهم يتزايدون بالرغم من قسوة الاحتلال، فحسب تقديرات سنة 2009 يسكن القدس بشقيها الغربي والشرقي حوالي 773 ألفاً من بينهم 497 ألف يهودي (64.3%)، يسكن نحو 200 ألف منهم شرقي القدس؛ بينما هناك 276 ألف عربي (35.7%) كلهم تقريباً يسكنون شرقي القدس.
ويقوم أهل القدس وفلسطين بالسهر على حماية الأقصى بالرغم مما يعانونه من احتلال وقهر، وهم يهبّون دوماً للدفاع عن حرمته بأجسادهم وحجارتهم، بعد أن فقدوا النصير العربي والإسلامي.
" معاناة القدس لا تكاد توصف، تحت احتلالٍ يزداد قسوة وشراسة، ويعمل في إطار منهجي حثيث، وبينما تنفق بلدية القدس اليهودية ميزانية سنوية تزيد عن مليار دولار، تنفق منظمة المؤتمر الإسلامي -التي تمثل 56 دولة مسلمة- نحو عشرة ملايين دولار سنوياً " |
معاناة القدس لا تكاد توصف، تحت احتلالٍ يزداد قسوة وشراسة، ويعمل في إطار منهجي حثيث، وتنفق بلدية القدس اليهودية ميزانية سنوية تزيد عن مليار دولار، هذا عدا عن الموازنات التي يتم صرفها في المدينة عبر الوزارات المختصّة، كوزارة الإسكان والتطوير العمرانيّ ووزارة الأشغال والدوائر الحكوميّة الأخرى.
أما ما تنفقه منظمة المؤتمر الإسلامي التي تمثل 56 دولة مسلمة فهو بحدود عشرة ملايين دولار سنوياً، وهو يقل كثيراً عما يتبرع به أحد أثرياء اليهود.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.