بن لادن الأفريقي

بن لادن الأفريقي - حمدي عبد الرحمن



القاعدة وأفريقيا.. جدلية العلاقة
أفريقيا والمجال الحيوي للقاعدة
أثر غياب بن لادن على أفريقيا

يمكن القول إن الشخصية الكارزمية التي يتمتع بها زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن كان لها سحر لا يقاوم بين العديد من الأتباع والمؤيدين من أنصار الفكر الجهادي في مختلف أنحاء العالم.

وقد استطاع الرجل بمهارة فائقة توظيف شبكة علاقاته واتصالاته من أجل تأمين الأموال والموارد اللازمة للقيام بعملياته العنيفة حول العالم.

وربما يمكن فهم تصريح الرئيس باراك أوباما بأن "اغتيال بن لادن يمثل أعظم إنجاز أميركي معاصر" وذلك من خلال وضعه في سياق دلالته الرمزية والنفسية.

إن بن لادن يمثل للكثيرين فكرة وأيديولوجية لا تنقضي بوفاته وإنما من خلال التخلص من الركائز المادية والمعنوية التي تعتمد عليها في الوجود والاستمرار.

وهنا يطرح السؤال عن مستقبل القاعدة بعد رحيل أسامة بن لادن. ولعل ذلك هو الذي دفع بمعظم قادة الغرب وعلى رأسهم باراك أوباما نفسه إلى الاعتراف بأن القضاء على التطرف والإرهاب لم ينته بعد وإنما يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت.

ونظراً لأهمية القارة الأفريقية في فكر تنظيم القاعدة وفي حياة مؤسسها الراحل نفسه، فقد طرحت العديد من التساؤلات عن تأثير وفاة بن لادن على أفريقيا، وهل يمكن تصور "أفرقة" التنظيم في المرحلة القادمة باعتبار أن بعض كبار القادة في التسلسل الهرمي لقيادة التنظيم ينتمون إلى الشمال الأفريقي؟

ويحاول هذا المقال طرح بعض القضايا والإشكالات العامة المرتبطة بمستقبل القاعدة في أفريقيا بعد رحيل بن لادن.

القاعدة وأفريقيا.. جدلية العلاقة
لقد طرحت القارة الأفريقية وبصفة خاصة السودان ملاذاً آمناً لأسامة بن لادن بعد طرده من المملكة العربية السعودية عام 1991.

وتشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن بن لادن تمكن خلال فترة وجوده في السودان التي امتدت حتى عام 1996 حيث أجبر على الرحيل، من الإشراف على العديد من معسكرات التدريب وجمع المعلومات التي مكنته من القيام بعد ذلك ببعض العمليات الكبرى مثل الهجوم على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998، وهو الهجوم الذي أودى بحياة نحو 224 شخصا كما أدى إلى جرح نحو 500 شخص.

"
على الرغم من أن بن لادن لم ينخرط مباشرة في الشأن النيجيري فإن دعوته لاقت تأييداً واسعاً في بعض دوائر حركات الإسلام السياسي النيجيرية
"

وقد امتد نفوذ القاعدة وتأثير زعيمها الراحل بن لادن ليشمل بعض الجماعات الجهادية في منطقة القرن الأفريقي ولا سيما الصومال. إذ أعلنت جماعة شباب المجاهدين الصومالية انحيازها التام لأسامة بن لادن، وطالبت بتشكيل جبهة موحدة مع القاعدة لدعم المجاهدين في فلسطين وشبه الجزيرة العربية بالإضافة إلى طالبان في كل من باكستان وأفغانستان. ولا يخفى أن العلاقة بين شباب المجاهدين والقاعدة ليست ذات طابع تنظيمي وإنما هي بمثابة توافق في الفكر والأيديولوجية.

وتحتل منطقة غرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة ولا سيما نيجيريا، مكانة مهمة لتأثير القاعدة المتنامي في أفريقيا. وتظهر رؤى وأفكار الجماعات الجهادية المتطرفة في شمال نيجيريا مثل جماعة "بوكو حرام" مدى الارتباط الأيديولوجي والفكري مع تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من أن بن لادن لم ينخرط مباشرة في الشأن النيجيري فإن دعوته لاقت تأييداً واسعاً في بعض دوائر حركات الإسلام السياسي النيجيرية.

أما في منطقة الشمال الأفريقي وساحل الصحراء الكبرى فنجد أن تأثير القاعدة على المنطقة بات واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك في عام 2006 حينما أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي انضمامه للتنظيم العالمي للقاعدة بزعامة أسامة بن لادن.

ومنذ ذلك الحين تورط هذا التنظيم في العديد من عمليات التهريب والاختطاف والقتل في كل من الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا.

أفريقيا والمجال الحيوي للقاعدة
تمثل أفريقيا من حيث أهميتها الإستراتيجية وطبيعة نظم الحكم السائدة فيها نقطة انطلاق محورية لأنشطة القاعدة وحروبها الدامية، وربما يعزى ذلك لعدة أسباب من أبرزها: أولاً مكانة أفريقيا وارتباطها بطرق اتصال حيوية مع قارات العالم الأخرى ولا سيما أوروبا وأميركا الشمالية.

ويشرح أبو براء حسن سلمان أحد قادة حركات الجهاد الإسلامي الإريترية المرتبطة بالقاعدة أسباب اهتمام تنظيم القاعدة بمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا على سبيل المثال بقوله "إنها تربط الشرق بالغرب عن طريق البحر الأحمر كما أن المنطقة أيضا تنتج النفط ولديها احتياطات هائلة من الثروة المعدنية. وقد ازدادت أهمية القرن الأفريقي بشكل كبير بعد تأسيس الدولة الصهيونية في فلسطين".

"
تمثل أفريقيا بيئة ملائمة لنشاط القاعدة حيث ينتشر الفقر وتسود أوضاع عدم المساواة الاقتصادية، فضلاً عن تهميش جماعات الأقلية في معظم البلدان
"

ثانياً: تمثل أفريقيا بيئة ملائمة لنشاط القاعدة حيث ينتشر الفقر وتسود أوضاع عدم المساواة الاقتصادية، فضلاً عن تهميش جماعات الأقلية في معظم البلدان. وربما يدفع الفساد المتفشي في البلدان الأفريقية إلى نمو الروح الاحتجاجية لدى جماهير السكان.

وتعطي دول مثل مالي والنيجر وموريتانيا ونيجيريا أمثلة واضحة على وجود عمليات تهميش وإقصاء لقطاعات كبيرة من المواطنين، وهو الأمر الذي يدفع بهم إلى تبني أفكار ورؤى مطالبة بالتغير العنيف.

ثالثاً: معظم الحدود السياسية في أفريقيا مصطنعة ولا تعبر عن ظواهر طبيعية ومن ثم يسهل اختراقها من خلال عمليات تهريب البشر والأموال.

وقد استفادت القاعدة من تلك الوضعية الهشة للحدود الأفريقية في القيام بعمليات تجارية غير مشروعة في الماس ولا سيما في سيراليون وليبيريا وقد اعتمدت القاعدة على بعض مسؤوليها مثل محمد أحمد محمد والسنغالي إبراهيم باه في إدارة تجارة الماس حيث يتم بعدها غسيل الأموال من خلال تحويلها إلى أصول ثمينة لا تفقد قيمتها بمرور الزمن ويصعب كذلك تتبعها.

رابعا: تمثل أفريقيا هدفا مثاليا لتجنيد الأعضاء والأتباع في تنظيم القاعدة. فثمة غضب عارم يسيطر على معظم المواطنين في الدول الأفريقية تجاه حكوماتهم المستبدة التي تتبني سياسات قمعية عنيفة في مواجهة مجتمعاتها. ولعل ما يزيد الطين بلة هو الموقف الأميركي المؤيد والداعم لهذه الحكومات القمعية في أفريقيا.

أثر غياب بن لادن على أفريقيا
على الرغم من ترحيب الرد الأفريقي الرسمي في معظمه باغتيال أسامة بن لادن في باكستان على أيدي قوة أميركية خاصة، فإن ثمة بعض الدوائر الشعبية والنقابية الأفريقية كانت أكثر حرصاً وتردداً في موقفها إزاء عملية القتل وما صاحبها من غموض وعدم مصارحة من الجانب الأميركي.

وعلى أية حال نستطيع أن نتفهم تأثير غياب بن لادن على أفريقيا من خلال متغيرات ثلاثة أساسية هي على النحو التالي:

"
ثمة احتمالات قوية بقيام بعض التنظيمات الأفريقية الموالية للقاعدة بأعمال انتقامية ضد المصالح الغربية في أفريقيا
"

أولا: بناء المنظمة وفعاليتها. لقد طرح بن لادن نفسه على أنه صوت من لا صوت له، وبندقية من لا بندقية له. غير أن العلاقة بينه وبين معظم الحركات والجماعات الأفريقية هي بالأساس أيديولوجية وليست تنظيمية.

يعني ذلك أن رحيل بن لادن لا يعني الكثير بالنسبة لتهديدات القاعدة في أفريقيا. ومع ذلك فإن ثمة احتمالات قوية بقيام بعض التنظيمات الأفريقية الموالية للقاعدة بأعمال انتقامية ضد المصالح الغربية في أفريقيا.

ثانياً: استمرار وتزايد أنشطة القاعدة. إذا نظر إلى بن لادن باعتباره أيقونة ورمزا للجهاد ضد الظلم والطغيان في عصر العولمة الأميركية، فإنه من المحتمل أن تصبح التنظيمات الإقليمية، ومنها الأفريقية، أكثر استقلالاً وقدرة على الحركة بعيداً عن مركزية التنظيم العالمي.

وربما يبرر لنا ذلك أسباب حرص الولايات المتحدة على إخفاء جثة بن لادن وإلقائها في البحر كي لا يراها الناس أو يتحول قبره إلى قبلة تهفو إليها أفئدة الحواريين والمعجبين من كل حدب وصوب.

ثالثا: الحرب العالمية على الإرهاب. فلا يخفى أن التحالف الدولي الذي تزعمته الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم القاعدة وما صاحب ذلك من غزو لكل من أفغانستان والعراق قد أدى إلى إهدار مليارات الدولارات وإزهاق كثير من الأرواح. ولعل ذلك يدعو إلى ضرورة تكاتف الجهود الدولية للتعاون في مجال الاستخبارات والأمن لمواجهة تحديات القاعدة ولا سيما في المناطق التي يسهل اختراقها في أفريقيا.

ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة قد أنشأت في عام 2008 قيادة عسكرية جديدة باسم "أفريكوم" لمواجهة الإرهاب وهزيمة تنظيم القاعدة في القارة التي تكتسب أهمية إستراتيجية متزايدة.

وعلى الرغم من أن أفريكوم تركز في أنشطتها على تقديم المساعدة الإنسانية والأمنية، وليس الانتشار العسكري المباشر، فإن الأفارقة يرون أن وجودها ينطوي على خطر تأجيج الصراعات الإقليمية في أفريقيا.

ويبرر هذا الرفض الأفريقي للوجود العسكري الأميركي على التراب الأفريقي اتخاذ شتوتغارت في ألمانيا مقرا لقيادة أفريكوم.

"
إن الحاجة ماسة اليوم بعد التخلص من بن لادن إلى إعادة تقويم الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب بما يعنيه ذلك من إعادة توجيه الموارد والإمكانيات
"

إن الحاجة ماسة اليوم بعد التخلص من بن لادن إلى إعادة تقويم الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب بما يعنيه ذلك من إعادة توجيه الموارد والإمكانيات لمكافحة جذور التطرف والإرهاب.

ويبدو أن أفريقيا سوف تحتل مكانة مهمة في تحديد مستقبل القاعدة بعد رحيل بن لادن. إن اثنين من أبرز قادة القاعدة، وهما أيمن الظواهري وأبو يحيى الليبي، ينتميان إلى أفريقيا.

كما أن طبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها القارة الأفريقية وارتباطها المباشر بقضايا العرب والشرق الأوسط تدفع بها كي تكون في موقع القلب بالنسبة للفكر الإستراتيجي الذي تتبناه القاعدة.

فهل يمكن القول إننا سوف نشهد وجهاً أفريقياً بارزاً للقاعدة ربما تحت قيادة بن لادن أفريقي هذه المرة؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.