الثورات العربية وأفاق القضية الفلسطينية

الثورات العربية وآفاق القضية الفلسطينية- نبيل السهلي



موقف إسرائيل من الثورات العربية
الثورات العربية والحقوق الفلسطينية
الثورة والشباب الفلسطيني والمستقبل

بعد انتصار ثورتي تونس ومصر واستمرار الثورات في أكثر من دولة عربية، برزت أسئلة حول آفاق القضية الوطنية الفلسطينية.

ويمكن الاستدلال على آثار الثورات الإيجابية على القضية الفلسطينية من خلال قراءة الموقف الإسرائيلي منها، خاصة في مصر التي كانت تربطها مع إسرائيل معاهدات وصلت إلى حد التطبيع الرسمي وانسياب الغاز المصري إلى السوق الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار كان نظام المخلوع بن علي من أكبر المؤيدين لعملية التطبيع مع إسرائيل، وذهب إلى أبعد من ذلك في دعمه لأكثر من عملية اغتيال لقادة فلسطينيين في تونس، وفي مقدمتهم اغتيال الموساد الإسرائيلي لخليل الوزير أبو جهاد مساعد ياسر عرفات في أبريل/نيسان عام 1988، ولم يخف معمر القذافي خدماته لإسرائيل حين قال مؤخرا "إن وجوده على الرأس السلطة في ليبيا هو بمثابة صمام أمان لانسياب النفط للغرب وكذلك لأمن إسرائيل والشرق الأوسط"، وقد شاطرته في الموقف المذكور المؤسسة الإسرائيلية أيضا.

"
بانتصار الثورات العربية وسقوط رموز الاستبداد والتطبيع في الدول العربية تفتح الأبواب على مصراعيها لجهة دعم توجهات الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه العليا
"

واللافت أن الثورات العربية تنطلق بعد أكثر من أربعة عقود عاشها العالم العربي في ظل أنظمة ديكتاتورية أبعدت الجماهير من اتخاذ القرارات القومية إلى جانب الحقوق العربية خاصة الحقوق الفلسطينية، بل على العكس من ذلك ارتبطت تلك النظم بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، فخدمت بشكل مباشر المطامع الأميركية والإسرائيلية في المنطقة العربية.

وتبعا لما تقدم فإنه بانتصار الثورات العربية وسقوط رموز الاستبداد والتطبيع في الدول العربية تفتح الأبواب على مصراعيها لجهة دعم توجهات الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه العليا المتمثلة بالحرية والاستقلال والعودة.

موقف إسرائيل من الثورات العربية
لم تخف المؤسسة الإسرائيلية قلقها من انتصار الثورات في دول عربية واستمرارها في دول عربية أخرى، ومرد الهلع الإسرائيلي هو حضور القضية الفلسطينية بقوة في شعارات شباب الثورات العربية، واللافت أن انتصار الثورة المصرية كان هاجسا قويا يلاحق المؤسسة الإسرائيلية وقادة إسرائيل العسكريين والسياسيين والإستراتيجيين على حد سواء، وذلك نظرا لما تمثله مصر من وزن سياسي وبشري كبير في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

وقد كان لمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية بالغ الأثر في استقرار الوضع الأمني والاقتصادي في إسرائيل، حيث شهدت الساحة الصهيونية تطورات كبيرة في الجانب العسكري الإسرائيلي، كما تراجعت الاقتطاعات لموازنة الدفاع من نحو 35% قبل العام 1978 إلى أقل من 15% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي السنوي في الأعوام الأخيرة، فضلا عن ذلك شهدت أرقام الهجرة اليهودية تحسنا كبيرا في ظل الاستقرار الأمني الصهيوني.

ففي الفترة من العام 1990 إلى العام 2010 هاجر إلى فلسطين المحتلة أكثر من 1.5 مليون يهودي جلهم من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وبفعل معاهدة السلام مع مصر حققت إسرائيل معدلات نمو اقتصادي كبيرة، وبات الناتج المحلي يتجاوز 150 مليار دولار سنويا.

"
بانقلاب الصورة في المشهد المصري من خلال انتصار الثورة, يبدو أن إسرائيل خسرت كنزا ثمينا أراحها لعقود على المستوى السياسي والاقتصادي والدبلوماسي
"

إضافة إلى ذلك استطاعت إسرائيل النفاذ إلى دول أفريقية عديدة وبناء علاقات متشعبة معها، وصولا إلى مناطق إستراتيجية قريبة من منابع المياه في القارة السمراء، وفوق كل ذلك استطاعت إسرائيل بعد توقيع المعاهدة مع مصر في العام 1978 الاستفراد بالفلسطينيين، وبالتالي قيام إسرائيل بأكبر نشاط استيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس، ناهيك عن العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، وقد تكون أبشع صوره العدوان على قطاع غزة في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009، الذي ذهب ضحيته أكثر من 1300 شهيد فلسطيني ونحو 4000 جريح.

وبانقلاب الصورة في المشهد المصري، من خلال انتصار الثورة، يبدو أن إسرائيل خسرت كنزا ثمينا أراحها لعقود على المستوى السياسي والاقتصادي والدبلوماسي.

الثورات العربية والحقوق الفلسطينية
استطاعت إسرائيل استغلال الانقسام الفلسطيني الحاصل منذ العام 2007 لتقوم بنشاط استيطاني محموم في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، وقد ساعد في تلك السياسات الإسرائيلية لجهة تهويد ما أمكن من الأراضي الفلسطينية الانقسام العربي ووجود معاهدة سلام أبعدت مصر عن القيام بفعل حقيقي يلجم التوجهات الصهيونية.

وتبعا للمخاطر المحدقة بالحقوق الفلسطينية يجب التقاط الفكرة من الثورات العربية الداعية إلى إسقاط النظم الديكتاتوية وإحقاق الحقوق العربية وفي المقدمة منها الحق الفلسطيني، وبدون العمق العربي على المستوى الرسمي والشعبي العربيين لا يمكن تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني سواء في إنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، أو حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم حسب قرارات الشرعية الدولية خاصة القرار 194 الذي تم التأكيد عليه 130 مرة منذ العام 1948.

"
من المتوقع أن تعزز عملية تسريع إنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني من استغلال القدرات الوطنية الكامنة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية
"

ويمكن القول إنه بعد نجاح ثورتي مصر وتونس واستمرار الثورات العربية في أكثر من دولة عربية تبدو الطريق باتت ممهدة في المدى القريب لقلب الصراع العربي-الصهيوني لصالح الحقوق الفلسطينية، وقد تعزز عملية تسريع إنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني من استغلال القدرات الوطنية الكامنة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

فالاستيطان الصهيوني على أوجه في كل مناطق الضفة الغربية، والقوانين العنصرية الصهيونية آخذة بالتفاقم لتهويد ما تبقى من أرض في حوزة الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر، سواء في الجليل والساحل الفلسطيني أو في النقب في جنوب فلسطين المحتلة.

الثورة والشباب الفلسطيني والمستقبل 
بات من شبه المؤكد ضرورة مشاركة الشباب الفلسطيني في داخل فلسطين وفي الشتات في مستقبل وطنهم الواعد بعد انتصار ثورة الشباب في كل من مصر وتونس، واستمرار الثورات الشعبية في دول عربية أخرى.

وليس غريبا أن يكون هناك تواصل اجتماعي عبر فيسبوك بين شباب فلسطين في الداخل والشتات وإخوانهم من شباب الثورات في الدول العربية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الذي كان عنوان المشهد السياسي الفلسطيني الأليم منذ صيف العام 2007.

وبخروج شباب فلسطين في يوم الخامس عشر من مارس/آذار2011 في كل من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض مخيمات الشتات ومطالبتهم بإنهاء الانقسام الفلسطيني ودحر الاحتلال الإسرائيلي تكون الرسالة الأولى من الثورات العربية قد وصلت، وهو ما يتطلب استجابة الأطياف السياسية الفلسطينية المختلفة للمطالب الشعبية الفلسطينية، والعمل في الوقت نفسه من أجل إيجاد صيغ وطنية حقيقية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، ووضع الصيغ الجماعية التي تضمن مشاركة الجميع في اتخاذ القرارات الوطنية المفصلية، ومن باب أولى إيجاد القواسم المشتركة بين فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني لتهيئة الظروف المناسبة للقيام بعملية إصلاح حقيقية داخل الأطياف السياسية الفلسطينية.

ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحديث القيادة وعدم التوريث كما يحدث في النظم الديكتاتورية العربية، ناهيك عن ضرورة العمل الجاد لإصلاح أطر منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة، فضلا عن العمل بشكل حثيث لوضع الأسس السليمة لانتخابات مجلس وطني فلسطيني ممثل لكل شرائح الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وبحيث يؤخذ بعين الاعتبار القدرات الكامنة والكفاءات لدى الشباب الفلسطيني الذين يمثلون نحو 20% من إجمالي الشعب الفلسطيني (البالغ 11 مليون فلسطيني في العام 2011)، أي نحو 2.2 مليون شاب وشابة.

ومن شأن القيام بالخطوات السابقة أن تمهد الطريق لإعادة صياغة التوجهات السياسية الفلسطينية الرافضة لمبدأ التفاوض مع المحتل الإسرائيلي دون آفاق تفضي إلى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، وفي المقدمة منها تفكيك المستوطنات وليس تجميدها وصولا إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على الأرض والمصادر الطبيعية.

"
إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني كمطلب شعبي وشبابي فلسطيني سيعيد الاعتبار بشكل جلي إلى الثوابت الفلسطينية وفي المقدمة منها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين
"

وبطبيعة الحال فإن إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني كمطلب شعبي وشبابي فلسطيني سيعيد الاعتبار بشكل جلي إلى الثوابت الفلسطينية وفي المقدمة منها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، واعتبار القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية، ناهيك عن اعتبار المستوطنات الجاثمة في الأرض الفلسطينية معالم احتلالية صهيونية تجب إزالتها.

ويمكن الاستفادة إلى حد كبير من التعاطف الدولي الكبير مع قضية الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة، حيث تجسد ذلك باعتراف العديد من دول العالم بالدولة الفلسطينية بحدود العام 1967، وستتعزز الثوابت الفلسطينية مع ترسيخ الثورات العربية للتوجهات القومية، خاصة تلك المواقف المتعلقة بدعم الحقوق الفلسطينية وإعادة الاعتبار لشعار مقاطعة إسرائيل في كل الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية، وبهذا يمكن القول إن الثورات العربية ستعيد إلى القضية الفلسطينية بريقها الوطني ببعدها القومي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.