منحنى الثورات العربية.. تصاعد، تناظر، أم انعكاس؟

منحنى الثورات العربية.. تصاعد، تناظر، أم انعكاس؟


 
*لأمرٍ ما، شملت الانتفاضات الشعبية -خلال ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي- خمسَ دُولٍ عربية، ولأمرٍ ما أيضا، مضت ثلاثٌ من تلك الانتفاضات إلى غاياتها بترتيب تصاعُدي، من حيث الزمان، ومن حيث مصائر القادة الذين انطلقت ضدهم الانتفاضات.
 

"
الانتفاضات الثلاث (تونس, مصر, ليبيا)يربطها خط جوارٍ واحد، وهي في قارة واحدة هي أفريقيا، والتراتب الزماني لسقوط الأنظمة جاء مناظرًا للتراتب الزماني لاندلاع الثورات
"

حيث كان أول أولئك القادة –بن علي – أفضلهم مصيرًا ، ناجيًا بجلده  وبأفراد عائلته، فرارًا قبل أن تتفاقم الأحداث، وتاركًا "الجمل بما حمل"، ثم حين جاء الدور على مبارك الذي كان تاليًا لبن علي ، كان مصيرُه أسوأ قليلاً، إذ لم تسعفهُ الظروف بالفرار كما فعل نظيره التونسي، بل وجد نفسه مخلوعًا وخاضعًا للمحاكمة مع أفراد عائلته، ثم  دار الدور على القذافي الذي كان أسوأ مصيرًا، إذ تم إطلاق الرصاص عليه حالما عثر عليه الثوار، ولقي المصير نفسه معظم أفراد عائلته، ولا تنتظرُ بقيتهم مصيرًا أفضل. وعلينا أن نلاحظ هُنا أن الانتفاضات الثلاث شملت ثلاث دولٍ عربية يربطها خط جوارٍ واحد، حيث تجاورُ ليبيا تُونس، وتجاور مصر ليبيا، وأنها جميعًا في قارة واحدة هي أفريقيا، وأن التراتب الزماني لسقوط الأنظمة جاء مناظرًا للتراتب الزماني لاندلاع الثورات.

 
* فرغت انتفاضات العرب الأفارقة من أمر الأنظمة التي ثارت عليها، لينتقل الخط البياني جغرافيًّا وزمانيًّا إلى العرب الآسيويين، حيث اليمن ثم سوريا، وانتفاضة اليمانيين سبقت انتفاضة السوريين، وظل واضحًا أن خط سير الانتفاضتين الآسيويتين يبدو استئنافًا لخط سير الانتفاضات الثلاث الأفريقيات، ولكن ما دامت انتفاضتا اليمن وسوريا لم تُسفِرا حتى الآن عن مصير منظور لأيٍّ من النظامين الحاكمين فإنَّهُ ربَّما أسعف الخط البياني للانتفاضات الثلاث السابقات، بقراءةٍ تنبُّؤيَّة استقرائية لما ينتظرُ اليمن وسوريا.
 
* وبرغم أن التطور التصاعدي لمصائر الثورات الثلاث الأُولَى لم يكُن يستنِدُ إلى مقدمات موضوعية تحتِّمُ الخط التصاعُدي لمصائر القادة الثلاثة فإن حدوث ذلك التصاعُد المأسَوي للحُكَّام الثلاثة الذين استهدفتهم الثورة، من النجاة فرارًا، إلى الموت، مرورًا بالاعتقال والمحاكمة، يُوحي بأن نظامًا مّا ، علميًّا أو غيبيًّا، يأخذ بزمام هذه الانتفاضات إلى غاياتٍ محتمة، وهو أمرٌ يجعلُ السياق أو السياقات التي يُمكنُ أن يُبنَى عليها مصير الثورتين الباقيتين في الساحة العربية مستنبطًا من مصائر الثورات الثلاث، أشبه بما يُعرفُ بالمعادلات الآنية في علم الرياضيات، حيثُ تُستنبطُ قيمة مجهولٍ أو أكثر، من قيم معطياتٍ معلومة، فنتائج الثورات الثلاث الأُولى هي بمثابة القيم المعلومة (فرار –اعتقال ومحاكمة – قتل).
 
ومن خلال العلاقات التي حكمت أو ربطت بين هذه القيم الثلاث المعلومات، ينبغي الوصول أو التنبُّؤ بالقيمتين المجهولتين الممثلتين في مصيري حاكمي اليمن وسوريا.. ولا يمكن هذا الاستنباط إلا بتحديد شكل العلاقة المفترض بين الثورات الخمس، تأسيسًا على شكل العلاقة بين الثلاث السابقات.
 
* بمعنى آخر، إذا كان النسق الحاكم بين الثورات الخمس هو النسق التصاعُدي، فذلك يؤكدُ أنه ما دام مصير مبارك كان أسوأ من مصير بن علي، ومصير القذافي كان أسوأ من مصير مبارك، فلا بُدَّ أن يكون مصير علي عبد الله صالح أسوأ من مصير القذافي، وبالتالي يكون مصير بشار الأسد أسوأ من مصير صالح.
 
* ولكن، وبما أنَّهُ يصعُبُ تصوُّرُ مصيرٍ أسوأ من مصير القذافي، فإن النسق التصاعُدي لا يبدُو مُسعفًا في هذه الحال، وبالتالي فإنه ربما كان الأوفق اعتماد نسقٍ آخر، لنفترض أنهُ النسق التناظُري، حيث تكونُ قاعدة مصائر الثورات الثلاث الأوائل هي تونس، ووسطها مصر، وقمتها ليبيا، لتعود اليمن إلى الوسط نزولاً، مناظرةً لمصر، وسوريا إلى القاعدة مرة أخرى، على شكل منحنى بياني، قدماهُ تونس وسوريا، وقمته ليبيا، ووسطاهُ مصر واليمن، وفي هذه الحال يكونُ مصير علي عبد الله صالح كمصير مبارك، الاعتقال والمحاكمة مع أفراد أسرته، ويكون مصير بشار الأسد الفرار إلى دولةٍ تؤويه، قد تكون روسيا أو الصين أو ربما ذات الدولة التي آوت بن علي.
 

"
من خلال العلاقات التي حكمت أو ربطت بين القيم الثلاث (فرار –اعتقال ومحاكمة –قتل)، ينبغي الوصول أو التنبُّؤ بالقيمتين المجهولتين الممثلتين في مصيري حاكمي اليمن وسوريا!
"

*بقي نسقٌ ثالثٌ محتمل لمنحنى الثورات العربية، وهُو أيضا نسقٌ لا يأباهُ شكل العلاقة بين الثورات الثلاث الأوائل، وهو النسق المنعكس حيث تحتفظ تونس أيضا بموضعها كقاعدة لمصائر الحكام، وليبيا كقمة للمنحنى، ولكن ينعكس بعدها منحنى الثورات، بحيث تتحول الدائرة من الحكام إلى الشعوب.

 
*إذا اعتمدنا هذا النسق الأخير – نسق انعكاس مصائر الثورات– فذلك يقود نبوءاتنا إلى أن ينتصر علي صالح في اليمن على ثورة الشعب اليمني، ويقدِّم قادة الثورة إلى المحاكمة (نظيرًا منعكسًا لتقديم الشعب المصري مبارك إلى المحاكمة)، وأن يتقدم الأمر خطوةً أخرى في سوريا، ليتمكن بشار الأسد من إجبار قادة الثورة عليه (المجلس الوطني السوري) إلى الفرار هربًا بجلودهم، كنظير منعكس لفرار بن علي بجلده!!
 
*تُرى، أي السيناريوهات أعلاهُ يحكم مصيري الثورتين اليمانية والسورية؟ وقبل هذا السؤال: هل يكون النسق الذي سارت عليه ثورات تونس ومصر ثم ليبيا، محض صدفة؟ وهل الرابط بين الثورات الخمس، وبين مصائر الثورات الثلاث التي انجلت حتى الآن، هُو رابطٌ غيبيٌّ محض، أم أن ثمة ما يمكنُ أن يدخُل منها في حدودِ  الاستقراء العقلي؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.