حكومة معارضة في لبنان.. ماذا بعد؟

حكومة معارضة في لبنان... ماذا بعد؟ - الكاتب: محمد علوش

 

مؤشرات الخطورة في المرحلة الحالية

حكومة قادمة أم فراغ حكومي؟
خارطة طريق الحكومة القادمة

بعد معارك سياسية دامت سنتين استطاعت المعارضة اللبنانية تحويل الأقلية إلى أكثرية والأكثرية إلى أقلية في مجلس النواب، كما أنها استطاعت أن تزيح سعد الدين الحريري عن رئاسة الحكومة، وهو الذي جاء بسبب ما أفرزته الانتخابات النيابية من أكثرية لصالحه وصالح حلفائه.

بل نستطيع القول إن المعارضة ورأس حربتها حزب الله استطاع أن يُكرس عُرفين جديدين في العمل السياسي منذ خمس سنوات وحتى اليوم، الأول أنه انتزع ما بات يعرف بـ"الثلث المعطل" من حكومة الأكثرية ليستعمله ورقة متى شاء لإسقاط الحكومة. وقد فعل ذلك لإسقاط حكومة سعد الحريري حتى بات "الثلث المعطل" عُرفاً سياسياً مكتسباً لأي معارضة، بحيث يحق لها أن تطالب به إذا ما أُشركت في حكومة وحدة وطنية.

أما العُرف الثاني الذي تمّ تكريسه، فهو مرتبط بمن يشغل منصب إحدى الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء، رئاسة مجلس النواب)، إذ بات من حق الأكثرية عدداً داخل مجلس النواب أن تسمي الشخص الذي يشغل منصب إحدى الرئاسات السابقة بغض النظر عما إذا كان يمثل الأكثرية داخل طائفته، وهو ما حصل مع سعد الحريري إذ يمثل الأكثرية السنية داخل البرلمان، إلا أن الأكثرية العددية من النواب سمت نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة ولم تسم الحريري.

"
لعل سائلاً يستفسر عن مآل الواقع السياسي بعد فوز نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة القادمة على أنقاض سقوط ما سُمي حكومة الوفاق الوطني التي كان يترأسها سعد الحريري
"

وإذا كان العُرف الثاني يمثل خطوة في طريق المائة ميل نحو إلغاء الطائفية السياسية في لبنان، فإن الغالبية السنية وجدت فيه إقصاءً لحضورها ونفوذها وحقها السياسي، وهو ما أشعل الغضب الطائفي الذي تمثل في قطع الطرقات وحرق الدواليب داخل المدن وعلى الطرق السريعة على خلفية التكليف الحكومي.

بعد هذا، لعل سائلاً يستفسر عن مآل الواقع السياسي بعد فوز نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة القادمة على أنقاض سقوط ما سُمي حكومة الوفاق الوطني التي كان يترأسها سعد الحريري، والتي جاءت بناءً على اتفاق الدوحة 2008، ذاك الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه عقب أزمة سياسية أفضت إلى ما يشبه الحرب الأهلية التي انتهت بسيطرة حزب الله وقوى المعارضة على لبنان في 7 مايو/أيار 2008.

ويزيد آخر متسائلاً عن قدرة ميقاتي على "التأليف" بعد "التكليف" في ظل تأكيد كتلة سعد الحريري عدم رغبتها في المشاركة في الحكومة القادمة من ناحية، وما يتسرب من معلومات عن رغبة حزب الله في العزوف عن المشاركة في الحكومة مخلياً المكان لحلفائه في المعارضة من ناحية أخرى. يضاف لذلك أن الولايات المتحدة أبدت بوضوح أنها لا ترغب في التعاون مع الحكومة القادمة وأنها ترى فيها حكومة تمثل حزب الله، مما يعني أن التحريض الأميركي الإسرائيلي على الحكومة التي لم تولد بعد قد يتمدد إلى دول أخرى تدور في الفلك الأميركي أو تتأثر فيه.

أسئلة يقف المرء عندها طويلاً، لا سيما مدى خطورة الأزمة السياسية الحالية، بعد نفض كل من السعودية وسوريا يدها من المسعى المشترك الذي بدأ قبل عدة أشهر وشكل غطاء لاستقرار وحماية لبنان من أي انفلات أمني!.

مؤشرات الخطورة في المرحلة الحالية

ما يُسجل في خطورة الأزمة الحالية التي تُشكل مرحلة ما بعد صدور القرار الظني الخاص بالمحكمة الدولية، هو أنها لم تعد مرهونة بتفسير وتأويل مواقف الكتل السياسية من المتغيرات المحلية والإقليمية وتأثيراتها، بل يصل الأمر إلى حد القلق على مصير هذا الكيان الصغير الذي لا يكلّ ولا يملّ من إثبات نظرية إمكانية العيش المشترك داخل وطن صغير يحوي داخل صدره ثماني عشرة طائفة دينية وإثنية.

إذ إن المرحلة الآن بين المتخاصمين المحليين والإقليميين دخلت طور المواجهة المباشرة التي كان من مؤشراتها الأولية تقديم عشرة وزراء ينتمون للمعارضة استقالتهم من الحكومة، وأعقبتها استقالة ما يسمى "الوزير الملك" أو "الوديعة" الذي يتبع لرئيس الجمهورية، الأمر الذي أفضى إلى إسقاط الحكومة بعد انسحاب ثلث أعضائها. ثم جاء المؤشر الثاني متمثلاً في إصرار المعارضة على رفض قدوم سعد الحريري رئيساً لأي حكومة جديدة.

"
المرحلة الآن بين المتخاصمين المحليين والإقليميين دخلت طور المواجهة المباشرة التي كان من مؤشراتها الأولية تقديم عشرة وزراء ينتمون للمعارضة استقالتهم من الحكومة
"

وهكذا توالت سلسلة المؤشرات بدءاً بما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن رفع المملكة يدها عن مسعى التسوية، في وقت كان فيه التحرك التركي/القطري يحاول في بيروت إعادة قطار الحلّ إلى سكته، مما أفقد الموفدين حرية التحرك.

ومن جانبها تلقفت المعارضة تصريح الأمير الفيصل على أنه إشارة امتعاض سعودي من حزب الله وحليفته دمشق لما آلت إليه الأمور، فكانت الإشارة السورية بدورها بحجم القنبلة السعودية، إذ رفضت فكرة مجموعة الاتصال الدولية لمناقشة الأزمة اللبنانية التي اقترحتها فرنسا، بعدما بلغتها معلومات دبلوماسية عن أن مجموعة الاتصال تلك ترمي إلى فصل الأزمة الحكومية اللبنانية عن المحكمة الدولية في اغتيال الحريري الأب.

 تبع ذلك تحدي سعد الحريري المعارضة التي كانت تراهن على عزوفه عن الترشح لرئاسة جديدة، فإذا به يعلن أنه مرشح الأكثرية للحكومة القادمة وأن الاحتكام إلى الآليات الدستورية هو الذي ينبغي أن يسود في التعاطي السياسي القادم.

ولا يفوتنا هنا موضوع القرار الظني للمحكمة الدولية الذي قد يخرج إلى الإعلام في أي لحظة، وبالتالي إن لم يكن هناك أي مناخ داخلي مؤات لاستيعابه عبر اجتراح حلول توافقية، فإن الأمور ستزداد تأزيماً وتخرج من إطارها السياسي إلى الأمني. وحينها سنذهب إلى اقتتال داخلي وحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، لاعبُوها كثر بدءاً بالقاعدة وأخواتها وانتهاءً بإسرائيل التي تذكي نار الفتنة في لبنان، وقد تشعلها عبر خلاياها أو تُسخن جبهة الجنوب لصرف النظر عما تواجهه من تفكك في حكومة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، أملاً في تصفية حساباتها مع حزب الله. ولن يكون الوجود الدولي في جنوب لبنان بمنأى عن ذلك. 

حكومة قادمة أم فراغ حكومي؟

سؤال يفرض نفسه على المراقب. وقد لا يجد له المرء جواباً شافياً، بعد أن انتفى الوصول إلى تسوية في "ربع ساعة الأخيرة" يكون سقفها بنود المبادرة السعودية/السورية.

وهكذا خاضت المعارضة المنافسة على رئاسة الحكومة بعد اطمئنانها لكسب أصوات النائب وليد جنبلاط. وقد استطاعت في معركتها أن توصل رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي إلى سدة مجلس الوزراء بـ68 صوتا من أصل 128 متفوقاً على سعد الحريري بثمانية أصوات. 

وعلى الرغم من أن ميقاتي جاء وفق الأصول الدستورية المعمول بها، فإن الأكثرية وإن كانت تعترف للمعارضة بحقها الدستوري في أن تسمي من تشاء لرئاسة الحكومة، فإنها لا ترى أن من ضمن ذلك الحق المكتسب تسمية شخص لا يمثل الأكثرية داخل طائفته، فضلاً عن أن الأكثرية التي يمثلها الحريري اندفعت قبل سنتين مرغمة إلى انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، حين أُخبرت من قبل كتلة أمل وحزب الله أن الممثل الوحيد المرشح لهذا المنصب بالنسبة للطائفة الشيعية هو نبيه بري حصراً.

ولعل من نافلة القول أن لا حكومة شرعية في لبنان ما لم تحظ بموافقة رئيس الجمهورية عليها. وفي حال جاءت حكومة ميقاتي القادمة من لون واحد بعد رفض تيار المستقبل وحلفائه المشاركة فيها، فإنه يُخشى ألا يوافق الرئيس سليمان على تركيبتها لسببين: أنّ ذلك يخرج الرئيس سليمان من كونه محايداً ووسيطاً وحاضنا لطاولة الحوار اللبناني بين الفرقاء. كما أنه قد يرفضها خشية مناقضتها للفقرة "ي" من الدستور التي لا تعطي شرعية لأي حكومة قد تهدد قواعد العيش المشترك.

"
على الرغم من أن ميقاتي جاء وفق الأصول الدستورية المعمول بها، فإن الأكثرية وإن كانت تعترف للمعارضة بحقها الدستوري في أن تسمي من تشاء لرئاسة الحكومة، فإنها لا ترى أن من ضمن ذلك الحق المكتسب تسمية شخص لا يمثل الأكثرية داخل طائفته
"

خارطة طريق الحكومة القادمة

أياً كان شكل الحكومة القادمة، فإن جدول أعمالها قد حُدد مسبقاً لأي رئيسٍ يريد أن ينأى بحكومته عن وأدها في مهدها ويحميها من تقطيع أوصالها على يد المعارضة.

وخارطة الطريق المحددة سلفاً من قبل المعارضة للحكومة قادمة تتمثل في خطوات تنبغي ترجمتها، وهي وقف التمويل اللبناني للمحكمة الدولية، وسحب القضاة اللبنانيين منها، ومن ثم تجميد البروتوكول المعقود مع الأمم المتحدة بخصوصها.

هذا في البعد الخارجي، أما في البعد الداخلي فإن جدول أعمالها قد حدّده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الواقع في 15 من الشهر الجاري، بقوله: "من الآن، أيُ حكومة تحمي شهود الزور لن نسكت عنها، وأي حكومة تحمي الفساد المالي ولا تتحمل مسؤوليتها لمعالجة قضايا الناس لن نسكت عنها، وأي حكومة تتآمر على المقاومة لن نسكت عنها". 

ولم يكن كلام حليف حزب الله العماد ميشال عون بعيداً عن كلام السيد نصر الله، إذ إنه يُركز ليل نهار على ضرورة مكافحة الفساد الإداري والمالي الذي يتهم الحريري بالتورط فيه. وبالعودة إلى نص السيد نصر الله الآنف الذكر -والذي يحمل عناوين قد تندرج تحتها عشرات بل مئات البنود- فإننا نختصرها بعبارة واحدة مفادها: على الحكومة القادمة أن تنفذ رؤية المقاومة في القضايا الداخلية والخارجية، أي عدم خروجها عن خارطة الطريق التي ستضعها لها المقاومة.

وإذا كانت المعارضة تطالب بمكافحة الفساد والهدر المالي، فإنها بعد انتخابها نجيب ميقاتي -الذي يصر على أنه مرشح وفاقي ووسطي- ستضعه وحكومته أمام تحدّ كبير في تعامله مع الاشتراطات التي كانت ترفعها المعارضة، من مطالبة بمكافحة الفساد والهدر والتلاعب بالمال العام والأمن الوطني لشخصيات سياسية وأمنية داخل الأكثرية.

والمرشحون على هذه القائمة كُثر جداً، أبرزهم من صدرت بحقهم مذكرات التوقيف السورية، ومن بينهم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وقائد فرع المعلومات في الأمن الداخلي وسام الحسن، فضلاً عن بعض الإقالات لمديرين عامّين ترى المعارضة أنهم عيون ساهرة للحريري داخل المؤسسات الرسمية. ولعل أخطر ما ستتميز به المرحلة القادمة هو دعوة غالبية المعارضة إلى حلّ فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، الذي تتهمه بأنه تابع لتيار المستقبل وخارج عن الأطر القانونية الناظمة لقوى الأمن الداخلي.

فهل سيلبي ميقاتي وحكومته القادمة كل ما كانت المعارضة السابقة تدعو إليه وتطالب به.. أم سيبرهن على أنه مستقل ويُمثل خطاً وسَطياً يحاول من خلاله ربط المعارضة بالموالاة، للعبور نحو الدولة الحامية لكيانها والقادرة على تلبية حاجات أبنائها؟.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.